الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يأتيني وسواس نفسي بموضوع التسبيح لله.. أرشدوني

السؤال

السلام على الأساتذة الكرام، ورمضان كريم.

سؤالي يخص الوسواس القهري الذي أصابني، ويأتيني أحيانا يقول لي الشيطان لعنه الله: أن الله تعالى يسبح له كل شيء، أقول: نعم، نعم الله سبحانه أي شيء خلقه يسبح له مثل الحجر والشجر والنجوم، الخ، حتى الكافر يسبح بلسان حاله أي هو كإنسان يسبح حتى لو لم يشعر؛ لأنه مخلوق، وبعدها تأتيني وساوس شيطانية تقول: إذن حتى القاذورات والنجاسات تسبح لله؟ -عياذا بالله من هذا الكلام الذي أقوله- وحتما إن نطقته أمام الناس فسيظنون إما أني مجنونة أو كافرة، أما إن نطقته أمام زوجي، فربما طلقني أو أرسلني للعلاج عند طبيب نفسي، والله أتعبني هذا الوسواس ما هو علاجه؟ وما الذي يسبح لله؟ هل كل شيء؟ أؤمن بصفة عامة أن كل المخلوقات تسبح بحمده، ولا أريد التفكير فيما يقوله الشيطان ساعدوني، أرجوكم ما العلاج؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نادية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك مُجددًا في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يُذهب عنك هذه الوساوس ويصرفها عنك، وأنت مأمورة – أيتها البنت الكريمة – بأن تأخذي بالأسباب، فإن الله سبحانه وتعالى بنى هذا الكون على قانون السببيَّة، فجعل لكل شيءٍ سببًا، وأنتِ تقرئين في القرآن قول الله تعالى لمريم: {وهزِّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًّا}، فكلَّفها بأن تهزّ النخلة وهي تُعاني الولادة، ومن المعلوم أن هزَّها لن يُؤثِّر في النخلة، ولكنَّ الله تعالى أراد أن يُعلِّمها ويُعلِّمنا أنه ينبغي أن نقدم الأسباب، فيجب أن تأخذي بالأسباب التي تخلصك من هذه الوساوس، وإذا أخذت بذلك فإن الله تعالى سيُذهب عنك هذه الوسوسة.

والوسوسة لها أدوية معنوية أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أدوية قالعة بإذن الله تعالى لهذا المرض من جذوره، أهمُّ هذه الأدوية: عدم الاشتغال بها والدخول في تفاصيلها التي تُمْليها عليك، فإذا هجمت عليك هذه الوساوس فهناك أمور ثلاثة ينبغي أن تفعليها:

أولاً: الاستعاذة بالله تعالى.
ثانيًا: الانصراف عن هذه الوسوسة والاشتغال بغيرها.
ثالثًاً: الإكثار من ذكر الله تعالى.

وهذه الثلاثة كلُّها أوردها النبي -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث صحيحة، قال لمن يُعاني من الوساوس: (فليستعذ بالله ولينته)، وفي رواية: (وليقل آمنت بالله)، فإذا فعلت هذا زالت عنك هذه الوساوس -بإذن الله تعالى-، وليس لها علاج أمثل ولا أحسن من عدم الاشتغال بها.

وكوني على ثقة تامَّة من أنه كلَّما بحثت عن جواب لإشكالٍ أوردته عليك هذه الوساوس فإنها ستنقلُك إلى إشكالٍ جديدٍ وسؤال جديدٍ، وهكذا حتى تتسلَّط عليك فيعسُرْ عليك ويصعبْ التخلُّص منها بعد ذلك، فاقطعي الطريق من أوله، ولوذي إلى الله تعالى واحتمي به، وأكثري من الاستعاذة به، وأكثري من ذكره، فستذهب عنك بإذن الله.

وبخصوص هذا الإشكال الذي أوردته: الحقيقة أنه لا إشكال فيه، فلسنا نرى فيه ما يدعو إلى كل هذا القلق أو الاضطراب، فكلُّ المخلوقات تُسبِّح لله، وهذا التسبيح إمَّا أن يكون تسبيح حقيقي بالمقال، والله تعالى على كلِّ شيءٍ قدير، وإمَّا أن يكون تسبيح بالحال، يعني أنها مُسخَّرة لما خلقها الله تعالى له، تُؤدِّي الوظيفة التي خلقها الله تعالى من أجلها، وعلى كِلا الحالين فالمخلوقات النجسة لا تخرج عن هذين الأمرين، ولا تنافي أبدًا بين كون المخلوق نجسًا وبين كونه يُسبِّحُ لله تعالى، فهناك أشياء كثيرة من النجاسات غير النجاسة التي ذكرتِها أنت، فتسبيح المخلوق النجس ليس فيه أي مضادَّة لتسبيحه لله تعالى، فالله تعالى هو الذي خلقه بذلك الوصف وبتلك الهيئة.

لكن هذا السؤال بنفسه هو من إفرازات هذه الوسوسة ونتائجها، ولذلك فنصيحتُنا لك إذا أردتِّ العافية والسلامة وأردتِّ إراحة نفسك من هذه الوساوس هو اتباع الخطوات التي ذكرناها لك.

نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء ومكروه.

+++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ أحمد الفودعي الاستشاري التربوي والشرعي وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
+++++++++++++++++++++

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

كما تلاحظين أفادك الشيخ أحمد الفودعي – حفظه الله – بإرشادات وتوجيهات رصينة وبليغة، أرجو أن تأخذي بها في التعامل مع الوسواس، ومن الناحية النفسية أنا أقول لك أن الوساوس هي في الأصل أفكار أو أفعال أو مخاوف أو شكوك تكون مُلحة ومتسلطة على الإنسان ويحاول أن يردّها ويتخلص منها، لكنه يضعف أمام ذلك.

ووساوسك -إن شاء الله- هي وساوس فكرية، والوساوس الفكرية تستجيب للعلاج بسرعة، فالأسس العلاجية التي ذكرها لك الشيخ أحمد الفودعي يجب أن تُطبقيها، وأنا أودُّ أن أضيف لك بعض العلاجات السلوكية النفسية، والتي هي على نفس النسق الإسلامي.

أولاً: نقوم بما نسمّيه بالتحليل الوسواسي، ونقصد بذلك أن تكتبي هذه الأفكار الوسواسية في ورقة، ابدئي بأخفها أو أقلَّها شدة وحِدّة، ثم تدرَّجي حتى تصلي إلى أشدِّها، وتتعاملي مع كل فكرة بطرقٍ علاجية ثلاثة:

الطريقة الأولى هو ما نسميه بـ (إيقاف الأفكار)، وذلك بأن تُخاطبي الفكرة الوسواسية مباشرة قائلة: (قفي، أقفي، قفي، قفي)، وطبعًا هذه الجلسة العلاجية تتطلب أن تجلسي في مكانٍ هادئ، ومن الأفضل أن تكون الغرفة مغلقة تمامًا، واستجلبي الفكرة في بداياتها، لكن لا تخوضي فيها، لا تُحلِّليها، وبعد ذلك خاطبيها مباشرة (قفي، قفي، قفي) حتى تحسي بالإجهاد، هذا نسمّيه تمرين إيقاف الأفكار.

والتمرين الثاني هو تمرين (صرف الانتباه عن الفكرة الوسواسية) وذلك بأن تفكري في أمرٍ مخالف تمامًا لهذه الوساوس، مثلاً أن تتأمّلي في القمر، تتأمّلي في كيفية تنفُّس الإنسان، وتقومي مثلا بعدِّ التنفس لمدة دقيقتين، ثم تتأمّلي كيف أن هذا الهواء يحمل الأكسجين، ويدخل عن طريق الرئتين في الدم، وكيف أن هذا الدم ينقل الأكسجين وينتشر ويعطينا القوة والإرادة والقدرة على التحمُّل الكثير من الأشياء، وكيف أن أجسادنا وعضلاتنا تقوى، وكذلك أفكارنا، إذًا هذا نوع من الاستغراق الذهني الذي فيه ابتعاد تمامًا عن الفكر الوسواسي.

والتمرين الثالث هو (تنفير الفكرة)، وهو أن تربطي الفكرة مع فعلٍ أو فكرة مخالفة تمامًا، استجلبي الفكرة وفي بداياتها بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحسّين بالألم، الفكرة هو أن تربطي بين الألم الذي يقع عليك والفكرة الوسواسية، وتُكرري هذا التمرين عدة مرة، عشرين، ثلاثين مرة متتالية، بمعدل مرتين في اليوم.

فإذًا هذا تمرين ضروري جدًّا، وقد وجد علماء السلوك أن الأشياء المتنافرة لا تجتمع في حيّز فكري إنساني واحد، ويمكن أيضًا أن تشمّي رائحة كريهة أو قبيحة، وفي نفس الوقت تستجلبي الفكرة الوسواسية، هذا يُكرر عدة مرات.

إذًا هذه التمارين الثلاثة التي يجب أن تُطبقيها بإتقان، أضف إلى ذلك أريدك أن تتخلصي من الفراغ، وأن تُحسني إدارة وقتك، وأيضًا ممارسة الرياضة – كرياضة المشي – تُفيد جدًّا، وكذلك تطبيق تمارين الاسترخاء مثل تمارين التنفس التدرُّجي، وأبشرك أن هناك دواء مفيد جدًّا، أريدك أن تتناوليه، هذا الدواء يقضي على الوساوس تمامًا، الدواء يُسمَّى (فافرين) واسمه العلمي (فلوفوكسامين) تبدئي في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها مائة مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم مائتين مليجرام ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم خفضيها إلى مائة مليجرام لمدة أربعة أشهر، ثم خمسين مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء، هو دواء سليم جدا وغير إدماني.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً