الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عندي نرفزة وعصبية وأعاني من أفكار سلبية وتلعثم في الكلام

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ صغري وأنا أعاني من قلق وتوتر، وأتلعثم في الكلام، وبعد ذلك تعرضت لصدمة الانفصال من خطيبتي، فحصل لي ضيق في الصدر، واضطراب، وضيق في التنفس، وحزن، فقررت الذهاب للدكتور، وأعطاني بروكستين 25 ، وزدت الجرعة إلى 35 ، وبعد سنة تحسنت، ولكن بقي النهجان، فأوقفت الدواء.

بعد أسبوع رجع لي ضيق الصدر والتلعثم والاضطراب والنهجان، فرجعت إلى الدواء باروكستين25 وزدت الجرعة إلى 35 مل جراما، بعد 5 شهور شعرت بتحسن والحمد لله، فقللت الجرعة إلى 25 فشعرت باضطراب ورعشة وضيق في التنفس، فجعلت الجرعة 30 ؛ لأني آخذ علاج سيكودال لأني أتكلم مع نفسي، وبفضل الله قل الكلام مع النفس.

فعند أخذي 1ملل مع السيكودال أنام وبالتالي يفوتني الدوام، فهل هذه جرعة مناسبة للرهاب الاجتماعي من الباروكستين30 ؟ علما أن الجرعة الصحيحة 40؟ وما هي المدة المناسبة للعلاج؟

مشكلتي أني عندما أتكلم مع نفسي لا يوجد تلعثم، ولكن يظهر عند الحديث مع الناس! فكيف أكون طلق اللسان ولا أتلعثم؟

بصراحة: التركيز بدأ يتحسن، والحديث مع النفس قل، ولكن عندي نرفزة وعصبية وأعاني من أفكار سلبية أقل من السابق، وعندما أزيد الجرعة تختفي الأعراض!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والتوفيق والسداد.

قبل أن أتحدث عن الدواء سوف أوضِّح لك بعض الأشياء المهمّة.

أولاً: الذي يظهر أنه لديك قلق نفسي مصحوب بشيء من المخاوف البسيطة، والتلعثم قد يكونُ نوعًا من التأتأة، أو أنه ناتج من القلق. وهذه الحالات – أيها الفاضل الكريم – تُعالج من خلال ما نسمِّيه بالعلاج السلوكي الاجتماعي.

ثانيًا: القلق طاقة مهمَّة للإنسان في حياته، وأقصد بذلك القلق الإيجابي، القلق المعقول، لأنه يعطينا الطاقة، ويجعلنا نتوجّه التوجُّه الصحيح من أجل الإنتاجية، ومن أجل المثابرة، ومن أجل البحث نحو النجاح. لكن حين يزيد القلق أو يحتقن أو يمشي في مسارات خاطئة يُؤدّي إلى توترات شديدة كما يحدث لبعض الناس.

فإذًا القلق يجب أن نحوّله إلى قلق إيجابي، وذلك من خلال:
أولاً: أن نجتهد في أعمالنا، في دراستنا، وفي تواصلنا الاجتماعي، وأن يكون الإنسان إيجابي، وأن يهتمَّ بأسرته، أن يكون بارًّا بوالديه، أن يحرص الإنسان في العبادات – خاصة الصلاة في وقتها – تلاوة القرآن، الذكر، الدعاء... هذا كله يعطي الإنسان مجالاً كبيرًا لأن يتحوّل قلقه من قلقٍ سلبيٍّ إلى قلقٍ إيجابي، وفي ذات الوقت طبعًا من خلال التواصل الاجتماعي، مثلاً: الصلاة مع الجماعة في المسجد، أو ممارسة كرة قدم جماعية مثلاً، أو كلاهما، مشاركة الناس في مناسباتهم الاجتماعية، ... هذه كلها علاجات مهمَّة جدًّا لأن تُؤهِّل الإنسان وتجعل النفس أكثر تكيُّفًا وتوائمًا، وهذا قطعًا يؤدّي إلى توجُّه سليم للقلق، وفي ذات الوقت ينتهي التلعثم وينتهي الاضطراب المُصاحب له.

فإذًا منهج حياتك يجب أن يكون بالصورة والكيفية التي ذكرتُها لك، والاجتهاد في العمل – أيًّا كان نوعية العمل – لا تبخس عملك أبدًا، إن كنت عاملاً، إن كنت موظفًا، إن كنت طبيبًا، إن كنت مُهندسًا، كلّها متساوية، فالعمل هو العمل، والعمل شرف، والعمل يعطي الرجل قيمة، فاجتهد في عملك – أيها الأخ الكريم – ودائمًا حاول أن تُحبّ عملك، وأن تتواصل اجتماعيًّا بصورة إيجابية مع زملائك في العمل.

فهذه من الأشياء المهمة الضرورية لعلاج حالتك.

أيضًا أريدك أن تُعبّر عن نفسك، لا تكتم – أخي الكريم محمد – فالتعبير عن النفس جيد، لأن النفس لها محابس، وإذا لم نفتح هذه المحابس من خلال أن نُعبِّر عن أنفسنا ونتجنَّب الكتمان؛ هذا يُؤدّي إلى احتقان داخلي كبير، ويؤدّي إلى قلق وتوتر.

الترفيه عن النفس بما طيب وجميل ومباح أيضًا مطلوب، القراءة، الاطلاع، صلة الرحم، ... هذه كلها علاجات وعلاجات مهمَّة جدًّا.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي: نقول لك الـ (باروكستين) من الأدوية المهمّة، ومن الأدوية الممتازة، والجرعة تبدأ بعشرين مليجرامًا، وقد تكون حتى ستين مليجرامًا، لكن كما تفضلت جرعة الثلاثين مليجرامًا هي الجرعة الوسطية الجيدة، وجرعة عشرين مليجرامًا قد تكون كافية جدًّا كجرعة مانعة للانتكاسات، أنا دائمًا ألجأ لأن أرفع الجرعة تدريجيًّا حتى أربعين مليجرامًا أو حتى ستين مليجرامًا، وبعد أن تتحسَّن أحوال الإنسان بصورة ممتازة أبدأُ بعد ذلك في الخفض التدريجي لهذا الدواء، ونستقرُّ على جرعة الوقائية، وهي ثلاثين إلى عشرين مليجرامًا يوميًا.

فإذًا أنت على المسار الصحيح من حيث الجرعة الدوائية، استمر على نفس جرعة الثلاثين مليجرامًا كجرعة وقائية، وإذا شعرت أنك لست في حاجة جيدة بعد شهرٍ من الآن مثلاً فارفع الجرعة إلى أربعين مليجرامًا، واستمر عليها بهذه الكيفية، أي: أربعين مليجرامًا يوميًا حتى تحس أنك في وضعٍ أفضل، بعد ذلك يمكن أن ترجع لجرعة الثلاثين مليجرامًا كجرعة وقائية، والتي يمكن أن تستمر عليها أيضًا لأشهر، وحين تحسّ بالتحسُّن خفض الجرعة إلى عشرين مليجرامًا يوميًا، فهذه أيضًا تُعتبر جرعة كافية.

فإذًا – أخي الكريم – الأمر فيه مرونة كبيرة وكثيرة، والأفق مفتوح جدًّا، والعلاج الدوائي إن شاء الله تعالى يُساهم كثيرًا في تحسُّن حالتك، لكن أنت مطالبٌ أيضًا بأن تلجأ إلى التطبيقات السلوكية والاجتماعية التي تحدثنا عنها سلفًا، فهي مهمَّة جدًّا كأداء من الأدوات العلاجية الصحيحة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً