الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من عدة أمراض بسبب الوسواس القهري، أفيدوني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة، وما هي إلا أشهر وسأكمل العشرين سنة؛ شاء الله أن ولدت بمرض خلقي في القلب ولم أشف منه إلى هذه اللحظة، وأحتاج عملية قدرها ما بين 10 و 12 ألف دولار، أعاني من أمراض أخرى كالقولون العصبي والوسواس القهري.

أحس دائما بالوحدة، ليس لدي أصدقاء دائما أشعر برغبة شديدة في الفضفضة والتحدث مع شخص يفهمني ولكن لا يوجد أحد يفهمني أبدا، أشعر برغبة في الزواج، وأن أصبح أمّا، ولكن لم يتقدم لي أحد أبدا، وأنا على مشارف العشرينات.

وحتى إن تقدم لي أحد فلا يمكنني الزواج وأنا في وضعيتي الصحية هذه، أنا ملتزمة بالحجاب الشرعي، أحاول قدر ما استطعت المحافظة على صلاتي -والحمد لله-، وأفعل ما بوسعي لنيل رضى الله، رغم انتكاستي أحيانا ولكن أعود -ولله الحمد- وأشد الهمة من جديد، وأشعر بخوف شديد من فكرة الموت، خصوصا وأنني ارتكبت الكثير من المعاصي في فترة مراهقتي وتبت إلى الله، لكن رغم ذلك أخاف كثيرا أحاول جاهدة أن أصبر وأقوي يقيني بالله، فأنجح أحيانا، وأفشل في كثير من الأحيان.

فتأتيني وساوس الشيطان بأن دعواتي لن تستجاب في ظل استحالة الأسباب، وأن كل الأبواب أغلقت في وجهي، ويأس وخمول وحزن شديد ويضيق صدري، والله المستعان.

سؤالي هو: كيف أجدد إيماني في فترة يأسي وأصبر، وأقوي يقيني بالله في ظل كل هذه الابتلاءات، وأحسن الظن بالله بأن الله سيشفيني من كل هذه الأمراض، ويرزقني زوجا صالحا، وكيف أصبر إذا لم يستجب لي الله في الدنيا، وكان جزائي في الآخرة؟

أرجوكم دعواتكم معي لأنني حقا تعبت.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فاطمة الزهراء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة في الموقع، ونشكر لك الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتب لك الأجر والعافية، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

ابنتنا الفاضلة: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)، نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإيَّاك ممَّن إذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، وإذا أُعطي شكر، والإنسان ينبغي أن يشكر ما عنده من نعم، وينظر في أمور الدُّنيا إلى مَن هم أقلَّ منه حتى لا يزدرِي نعم الله عليه، فنعم الله عليك وعلينا كثيرة، {وإن تعدُّوا نعمة الله لا تُحصوها}.

هذه الابتلاءات التي يُبتلى بها الإنسان هي رفعة للدرجات إذا رضينا بقضاء الله وقدره، بل أكثر الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل، فاجتهدي في الصبر والرضا بقضاء الله تعالى وقدره، واستمري في طاعته، وأمِّلي ما يسُرّك، فإنك تسألين الله -تبارك وتعالى- الذي بيده ملكوت كل شيء.

ولذلك أحسني الظنَّ بربك، واستمري في الدعاء، وأصلحي ما بينك وبين الله -تبارك وتعالى-، وابذلي أسباب العافية وأسباب السعادة وأسباب النجاح في الحياة، بالتواصل مع الصالحات من زميلاتك، وبالتواصل مع أفراد أسرتك، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يكتب لك التوفيق والنجاح.

أمَّا إذا جاءك الشيطان بوساوس سالبة فتعوّذي بالله من شرِّه، واعلمي أن همَّك هذا العدو أن يحزن أهل الإيمان، ولكن ولله الحمد كيده ضعيف، والله يقول: {وليس بضارِّهم شيئًا إلَّا بإذن الله}، فاستعيني بالله، وتوكّلي عليه، واجتهدي في السجود له والخضوع له -سبحانه وتعالى-، واعلمي أن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، والعافية والتوفيق والسعادة هبةٌ من الله -تبارك وتعالى-، فاجتهدي في رضا الله -تبارك وتعالى-، وقومي بما عليك، وكوني راضية بما يُقدّره الله -تبارك وتعالى-، كما قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، أو كما قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (لو كُشف الحجاب ما تمنَّى أصحاب البلاء إلَّا ما قُدِّرَ لهم) فلعلَّ الذي حجَبَه الله ومنعه الله ورفعه الله هو الأخطر.

وأنت -ولله الحمد- تواصلي الصبر والنجاح، فلا ترجعي للوراء، واستعيني بالله -تبارك وتعالى-، وأكثري من الاستغفار ومن ذِكْر الله، ومن الصلاة على نبينا المختار، وأكثري من قول (لا حول ولا قوة إلَّا بالله).

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يوفقك، وأن يُحقق لك المُراد، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يرزقنا جميعًا حُسن القصد وحسن الفهم، وأن يُعيننا على ذِكْره وشُكره وحُسن عبادته.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً