الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي شعور أني لن أستطيع أن أطيق الحياة، فما علاج ذلك؟

السؤال

دكتور محمد عبد العليم

يعطيكم العافية، والسلام عليكم ورحمة الله.

أنا والحمد لله أشعر أنني تحسنت قليلًا، حاربت هذه الفكرة ولكن يا دكتور أريد منك جواباً حول تفتيت هذه الفكرة من جذورها، واسترجاع نفسي القديمة.

الفكرة شيطانية جدًا، تخبرني كل يوم وتشعرني أني لا أستطيع أن أطيق الحياة، وفعلًا شعور بشع لا أستطيع أن أتحمل اليوم نفسه، فكيف سأتحمل كل الأيام القادمة؟ فكرة ومضمون هذه الفكرة بشع جدًا.

أشعر أني الوحيد في العالم الذي معه هذه الفكرة، لا أعلم ماذا أفعل؟ بدأت بالتحسن تدريجيًا قليلاً ولكن كل ما ينتهي يوم تبدأ معاناة اليوم التالي ماذا أفعل؟ لا أعلم -يا دكتور- أرجو منك شرح فكرتي هذه، وأريد أن أفتتها من جذورها، أنا أعرف أني سألتك كثيراً، وأرجو أن تسامحني وجعلها الله في ميزان حسناتك، لكن أريد أن أرجع لنفسي التي اشتقت لها لطعم اللذة والحياة.

تأتيني أفكار أخرى مثل هل الحياة حقيقية؟ هل هذا حقيقي أم ماذا؟ لكن سرعان ما أتجاهل هذا الشيء البشع، أرجو أن تطمئنني -يا دكتور- وأن تشرح لي فكرة تحارب الفكرة التي ذكرتها لك.

جزاكم الله كل خير، والله لا تعلم -يا دكتور- كم حزني وتعبي، وأنا والله -يا دكتور- أحاول عندي هدف أن أتعافى بدون أدوية.

أعرف أن الموضوع شبه غير ممكن، ولكن أريد أن أفعلها -يا دكتور-، وأنا مستعين بالله ثم بكم أن تشرحوا لي ماذا يجري معي بالتفصيل؟ وتعطيني فكرة أحارب بها فكرتي.

وجزاكم الله كل خير، وأبعد عنك كل شر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي: لا حرج عليك أبدًا، يمكنك أن تتقدّم بالاستشارة متى ما رأيت ذلك ضروريًّا.

الأمر في غاية البساطة، أنا طبعًا لا أنتهج منهج تفتيت الفكرة، هذا ليس صحيحًا، هذه الفكرة لا تُؤخذ كجزئيات، يجب أن تأخذها كمكوّن واحد، لأنك إذا أخذتها كجزئيات هذا يعني أنك قد دخلت في الحوار الوسواسي، وهذا يُمكّن الوسواس، ويجعله أكثر استحواذًا وأكثر قوة، وهذا ما يريده الوسواس.

أيها الفاضل الكريم: يجب أن تلجأ إلى البيان بالعمل، أولاً: يمكنك أن تثبت فعالياتك من خلال اليوم. اجعل لنفسك جدولا يوميا، خارطة يومية، تبدأ بصلاة الفجر في وقتها، وتكون لديك هنالك نقاط ارتكازية أساسية أثناء اليوم حول الأشياء التي تريد أن تقوم بها: العمل، الزيارات، ممارسة رياضة، القراءة ... فيا أخي الكريم: ضع برنامجك اليومي، وهذا سيكون دليلاً عمليًّا وقاطعًا ومقنعًا أنك فعّال، وهذ ضد الفكرة.

الفكرة تتعامل معها على الأسس الثلاثة التي دائمًا نذكرها، وهي: (إيقاف الفكرة)، و(صرف الانتباه عن الفكرة)، و(التنفير عن الفكرة).

التمرين الأول: (إيقاف الفكرة)، بأن تُخاطب الفكرة الوسواسية مباشرة قائلاً: (أقف، أقف، أقف، أنتِ فكرة حقيرة وسواسية، لن تكوني جزءًا من حياتي بأي حالٍ من الأحوال)، وهكذا تكرر مثل هذا الكلام في نفسك، وتحقّرها وتستقبحها وتذكرها بأنها لا شيء وأنه لا اعتبار لها عندك.

ثم تنتقل للتمرين الثاني وهو (صرف الانتباه) من خلاله تأتي بفكرةٍ أكثر علوًّا وشموخًا وسموًّا من هذه الفكرة، تأمّل في شيء طيب في حياتك – يا أخي – تأمّل في شيء عزيز عليك، تأمَّل مثلاً في خلق الله تعالى، مثلاً: امسك التنفُّس كوظيفة مهمَّة للإنسان وللحيوان، كيف أن هذا الأكسجين يدخل في الرئتين، وكيف أنه ينتشر من خلال الدم في كل أجزاء الجسم، وكيف أنه يُولِّد الطاقات، ثم بعد ذلك قم بعدِّ التنفس لديك لمدة دقيقتين أو ثلاثة. هذا تمرين حقيقي مفيد، أن تأتي بفكرةٍ أكثر أفضل شموخًا وعلوًّا، لتكون هي الطبقة الأولى في فكرك، وهذا سوف يدنو بالفكرة الوسواسية ليجعلها في قاع التفكير، وهذا طبعًا سوف يُضعفها.

التمرين الثالث هو (التنفير): أن تربط الفكرة هذه بشيء مؤلم، أن تشمّ مثلاً رائحة كريهة، أن تتذكّر شيئًا كارثي كاحتراق طائرة مثلاً أمامك، أن تقوم مثلاً بالضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم، ومع حدوث الألم تستجلب الفكرة. علماء السلوك وجدوا أن الأشياء المتناقضة لا تلتقي، لذا إيقاع الألم بالنفس أو أي شيءٍ مُقزّز يُعتبر تمرينًا تنفيريًّا مهمًّا.

هذه التمارين تتطلب الجدّية، وتتطلب اليقين العلمي بأنه مُجدية، وأنها مفيدة، وأن يتفرّغ لها الإنسان، لا يمكن للإنسان مثلاً أن يُمارسها في سيارته، أو وهو جالسٌ مع أصدقائه، لا، الواحد يجلس لوحده، في غرفته، ويكون أمام الطاولة، وباسترخاء وبتأمُّلٍ وتدبُّرٍ.

هذا – يا أخي – هو العلاج الأساسي لكل هذا الذي تعاني منه. وأخي الكريم: لا تجعل الوساوس تقنعك بعدم جدوى الدواء، الدواء مفيد جدًّا، لأن الدواء يُهشِّش الفكرة، وحين تصبح الفكرة هشّة وضعيفة يسهل التطبيقات الثلاثة التي ذكرتها لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً