الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعجبت بشخصية فتاة ولكني غير مقتنع بشكلها، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

منذ 4 أشهر وأنا أتكلم مع فتاة بقصد خطبتها، في البداية لم يكن شكلها يعجبني كثيراً، ولكن الصفات الشخصية والعقلية الأخرى أبهرتني وتفوقت على الجمال، لكن أنا شاب جميل نوعاً ما وأحب النساء الجميلات، لا أريدها أن تكون فقط جميلة، وعلى استعداد أن أرتبط بامرأة عادية الجمال مثل هذه الفتاة ولا أؤمن أن الجمال هو المعيار الأساسي للزواج.

منذ شهر تقريباً وأنا أفكر بموضوع الجمال وهل سأستطيع تقبله والتعايش معه؟ لأنني كلما نظرت إلى بنات أكثر جمالاً أفكر أنني أريد ذلك الجمال، حتى أنني صارحتها بذلك وحصلت مشكلة صغيرة، ولكن تراضينا بعد أسبوع.

بالنسبة لي الصفات الأخرى تتعدى موضوع الجمال، وأنا أحاول دائماً أن أتقبل شكلها وأرضى به، واقتنعت به إلى حد ما؛ لأني أريد أن أكمل معها، لكن بالأمس تناقشنا مرة أخرى بالموضوع وأحسست أني ما زلت متردداً، وأفكر في موضوع الشكل، مع أنها متمسكة بيّ وأنا متمسك بها، لذلك طلبت بعض الوقت للجلوس مع نفسي والتفكير بالموضوع، لكن مشاعري دائماً مختلطة تجاهها، أحياناً أشعر أني أحبها، وأحياناً أخرى أشعر أن شكلها عادي، واستخرت أكثر من مرة.

أنا لا أريد أن أجرح مشاعرها مرة أخرى، ولا أريد أن أظلمها في هذا الموضوع، ومحتار إذا كنت سأتقبل شكلها بشكل كامل وسوف نستطيع الزواج، أو أني سأعاود التفكير به لاحقا بعد العقد والزواج، ولا أريد أن أخسرها؛ لأنها بالفعل امرأة مميزة وبها الكثير من الصفات الجميلة.

أرجو منكم المشورة، هل أكمل معها؟ وكيف سأتقبل وأنهي التفكير بموضوع الشكل؟ أم أنفصل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ yaya حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله العلي القدير أن يرزقك الزوجة الصالحة التي تعينك على العفاف وتكون عونا لك على طاعة الله تعالى.

أخي الكريم: لا بد من وضع عدة حقائق قبل حديثنا إليك:

أولاً: التواصل مع الفتاة بغير صفة رسمية وضوابط شرعية أمر محرم، فإذا كنت خاطباً وأهلها وأهلك يعلمون بذلك، وأنت تحدثها في وجود محارمها فأنت على الطريق الصحيح، وغير ذلك يجب أن تبتعد عنه، فلا يقوم بناء الحلال صحيحاً مستقيماً على قواعد محرمة.

ثانياً: معايير اختيار الزواج في الشريعة الإسلامية تخضع لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك"، فأول ما ينبغي صرف نظرك إليه هو التدين، فالمرأة المتدينة خير متاع الدنيا، فعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة"، وبالطبع لا حرج أن يجمع الرجل مع الدين المال أو الجمال أو الحسب أو الجميع، المهم أن يكون الدين أساساً وعمدة، أما الاختيار على غير تلك الأسس فعاقبته الخسارة -أخي الحبيب-.

ثالثاً: الحديث مع الفتاة عن شكلها أمر غير مقبول منك، فالإنسان -أخي- لم يخلق نفسه، ولا يعقل أن تحدثها على أشياء لا تستطيع هي أن تغير منها شيئا، والحال كذلك بالنسبة لك، فهب أنها حدثتك عن أمور جبلك الله عليها لا تحبها هي فيك ولا تستطيع أن تغيرها! كيف يكون حالك ساعتها وأنت الرجل؟! نرجو أن تتوقف فوراً عن هذا الحديث سواء كتبها الله لك زوجة أم لا.


رابعاً: إننا لا ننصحك بأن تتخذ أي إجراء الآن، بل يجب عليك أخذ المسألة بهدوء، ولا تقدم على أي شيء إلا بعد الاستخارة، فقد علمنا -صلى الله عليه وسلم- أن نستخير في أمورنا كافة ومن أهمها الإقبال على الزواج، وقد كان جابر -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ (وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)).

خامساً: بعد أن تستخير الله دع الأمر يفضي إلى ما يريده الله، وثق بأن الخيرة -إن شاء الله- ترتقبك، فلو قدر الله لك هذه الفتاة زوجة فاعلم أنه الخير لا محالة، وإن كان العكس فاعلم أنه الخير.

سادساً: اعلم أن الشيطان يجتهد في صرف المرأة الصالحة عن الرجل الصالح، ويحاول أن يبغض كلا الطرفين أو أحدهما للآخر، فاحذر من ذلك -فإننا نخشى أن يكون الشيطان يريد أن يفسد عليك زواجك-.

كذلك من الأمور التي يجب أن تكون حاضرة عندك: أن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه، والعكس صحيح، فالرجل يرى من تزوجها امرأة عادية وإن كانت من أجمل النساء، ويرى غيرها ممن لا تحل لها من أجمل النساء وإن كانت دون زوجته.

وعليه -أخي- فإنا ننصحك بعد الاستخارة أن تعمد إلى الجلوس مع نفسك، وأن تسأل بوضوح: ما الأسباب الحسية التي قادتك إلى هذا التصور؟

فإن كانت الإجابة حاضرة وحسية كالمتانة مثلاً، أو القصر المبالغ فيه أو حول العين أو مرض ألم بها، المهم أن يكون الجواب حسياً، فاعلم أن المسألة منطقية، وعليك أن تنظر بعد ذلك هل العيب هذا في إطار المقبول أم لا؟ وهل ما تراه من عيب يشاركك فيه الغير من أهلك أم لا؟

أما إن كانت المسألة لا تعدو كونها هاجساً أو شيئاً إضافياً مما يزيد الجمال لا أكثر؟ فاعلم هنا أن الزواج لا يبنى على التمام، فليست امرأة في الدنيا كاملة، كما أنه لا يوجد رجل كامل، وعليك أن تنظر إلى المجموع -يا أخي- فنحن نعيش في الدنيا، والكمال فيها محال.

ولا بد أن نقول لك: إذا لم تجد سببا جوهرياً لرفضك، فاعلم أن هذا أحد العلامات على كونها خطوات شيطان فاحذر.

وأخيراً: ثق أنك ما دمت قد استخرت الله فإن الله سيقضى لك الخير، فالزم الدعاء وانتبه لما قلناه آنفاً، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً