الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تصرف الفتاة مع أهلها الذين يعارضون زواجها بالرجل الصالح

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة مسلمة أعيش في أمريكا، وأبلغ من العمر 20 عاماً، وبفضل الله عز وجل أدرس بكالوريوس الشريعة الإسلامية عن طريق الإنترنت، بجامعة تسمى "الجامعة الأمريكية العالمية" وعن طريقها تقدم لي شاب يبلغ من العمر 27 عاماً بواسطة مدير شئون الطلبة.

إن هذا الشاب على خلق ودين بار بوالديه، وصاحب مسئولية؛ إذ يصرف على أمه وأخواته البنات من أمه؛ لأن والدهن متوفي ويدرس ويعمل بنفس الوقت، ويبحث عن الزوجة الصالحة التي تعينه على دينه ودنياه، والتي تفهم معنى قال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم على فهم الصحابة رضوان الله عليهم؛ (( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ))[البقرة:285].

ولقد لمسنا في هذا الشاب عندما تمت الرؤية الشرعية أنه مثقف دينياً ودنيوياً، ويحسن فن الخطاب والإقناع أيضاً، ويحافظ على أداء الصلوات في الجامع، وخلال السؤال عنه أخبرونا أنه ذات يوم جعل الشقة التي يسكن بها مسجداً؛ ليصلي فيها الناس، فأسأل الله أن يبارك فيه، وفي خلقه، وأن يثبتنا وإياه على دينه الحق حتى الممات اللهم آمين.

ومن ثم سألنا عنه كثيراً، وتبين لنا حسن خلقه ودينه من خلال الثقات أمثال الدكتور رئيس الجامعة التي أدرس فيها شخصياً.

أيضاً قام خالي بالسؤال عن أهله في مصر، وعلى ما يبدو أنهم أناس طيبون ولله الحمد.

هو يعيش حالياً في أمريكا، لكنه غير مستقر فيها؛ إذ أن إقامته محددة بفترة دراسته، فمتى أنهى دراسته يجب عليه العودة إلى بلده الأصلي "مصر".
ويحاول الحصول على ما يسمى بـ "الجرين كارد" حتى يكون مستقراً في أمريكا، لينهي دراسته ويحصل على المال الكافي للرحيل، فهو لا يحب الاستقرار هنا، ولايريد العيش هنا.

وأنا أيضاً أوافقه في هذه النقطة، وكنت أرفض من يريد الاستقرار في هذه البلاد، إلا أنه لغاية الآن هو لم يحصل عليها، وكما نعلم أنه يمكن الحصول عليها إن تزوج بامرأة معها أوراق، أو بإمكانه أن يقدم عن طريق محامي للحصول على ما يسمى بالجرين كارد؛ حتى يكون مستقرا من ناحية الإقامة، وهو لم يلتفت إلى هذه النقطة، إذ أنني لن أنفعه أو أساعده في مسألة الأوراق، وكل اهتمامه منصب على الحصول على الزوجة الصالحة، وهذا يثبت حسن نواياه ونبل مقصده.

فعندما زارنا هذا الشاب أعجب به والدي واقتنع به، ومن ثم رضي عن الزواج، واتفقنا على كتابة العقد يوم 8 مايو القادم، لكن بعد أن ذهب الشاب إلى الولاية التي يعيش فيها، قمنا باستشارة أخوالي وإخواني وأعمامي، وكانت النتيحة المعارضة الشديدة من قبلهم للأسباب التالية:
1.بعضهم قال لأنه من مصر وأنا من فلسطين (نزعة قبلية إذ أن خالي وهو ملتزم، ويعيش بالكويت، قال لو كان لي ابنة أو أخت لن أزوجه إياها؛ لأنه مصري).

2.ومنهم من عارض لأنه لم ينه دراسته الجامعية؛ إذ أنه يؤخر إنهاء دراسته ليقيم في أمريكا أطول فترة ممكنة، لتجميع بعض من المال لفتح مشروع في مصر، وليس متوفراً عنده شرط الباءة الآن، بالرغم أن الشاب أثبت لهم أنه مستعد لفتح بيت بالمعروف، وذلك كله بحول الله وقوته، وأيضاً قال لهم: لو لم أكن أملك الباءة ما كنت أطرق أبواب الناس، وهو مستعد لدفع المهر الذي طلبوه منه.

3.ومنهم من قال: لأنه سينزل إلى مصر، ومن الطبيعي أن يستقر الإنسان في بلده، وهم يريدونني أن أبقى بجانبهم، ويرون أن عزة البنت بأهلها.

أيضاً يقولون لي: ستعانين من الوحدة والغربة هناك؛ إذ أنه لا يوجد لدينا أقارب وسأكون بعيدة عنهم، وهم يفضلون لي العيش بجانبهم، خاصة أنني البنت الوحيدة من بين خمسة إخوة، فهم يريدونني أن أعيش في أمريكا، وأنا كارهة لذلك، ولا أحب أن أستقر إلا في بلاد المسلمين، وليس عندي مانع للعيش في مصر، أو في أي بلد مسلم، والأخ يوافقني على ذلك، بالإضافة هم لا يشجعونني على العيش في مصر، بسبب الحالة المادية في مصر.

فتركيزهم كله منصب على المادة، حتى خالي الذي يعيش في السعودية، وهو أيضاً ملتزم، فلم يركز إلا على الأمور المادية البحتة، وأيضاً معارض فكرة نزولي وعيشي في مصر.

على الرغم من عدم صحة كلامهم، فالأخ محمد وهو الشاب الذي يريد الزواج مني بين لهم بأنه لن يستقر في مصر إن كانت هذه المشكلة، وأن عنده أناس في الخليج يعرضون عليه استقباله ومعاونته في العيش هناك.

4.ومنهم من قال نفس ما قاله والدي، بأن مستقبله غامض وغير معروف.

ولقد قال إخواني أنه إن تم الأمر فنحن لن نبارك، وسنتبرأ منك والله المستعان، وللتوضيح كانت أسبابهم نفس الآسباب، إذ أنه مصري وستكونين بعيدة عنا، على الرغم من أنهم يعيشون في عمان، ووالداي يعيشون في أمريكا، وكلا منهم يقول لي ستكونين بعيدة عنا، أيضاً إخواني ليسوا ملتزمين ولا ينظرون للأمور بنظرة شرعية.

الآن والدي متردد في قبول هذا الشاب بسبب عدم استقراره هنا، حيث يرى أن مستقبله غامض وغير معروف، وهم يريدون توفير حياة كريمة ومستقرة، على الرغم من أن الشاب يعمل ويبذل مافي وسعه، أما أمي فهي تعارض معارضة شديدة لدرجة أنها قالت: "إن تم هذا الأمر فأنا لست والدتك، ولا تحدثيني واعتبريني ميتة، وسأتبرأ منك إلى يوم الدين" والله المستعان.

وبالرغم من كل هذه المعارضات، إلا أن الشاب متمسك بي، ويرغب بالارتباط بي؛ لأنه وجد في نفسي صفات الفتاة التي كان يبحث عنها، ولا أنكر أنني وجدت فيه الصفات التي كنت أبحث عنها، ووجدنا نوع من التفاهم والتوافق والارتياح بين بعضنا البعض.

ولقد قام الشاب بمحاورة خالي، وناقشه بالشرع والمنطق، وقام بتوسيط الدكتور رئيس الجامعة التي أدرس فيها للاتصال به، وتكرم مشكوراً واتصل بخالي، وبين له أنه لا توجد أي علة شرعية تمنع الشاب من الزواج، ولقد قال الدكتور: "ولو كان في الشاب ما يمنعه من الزواج ما كنت تدخلت وزكيته بنفسي" وبالرغم من تلك المحاولات لايزال خالي عند رأيه، والله المستعان.

وبسبب هذه المعارضات، وتمسك الشاب بي أصبحت بين نارين: إرضاء أهلي، أم اغتنام الزوج الصالح وعدم التفريط فيه!

وأحيطكم علماً أن المنظار الذي ينظر فيه والداي مختلف تماماً عن المنظار الذي أنظر فيه؛ إذ يرون أنه عادي لو تزوجت من شخص غير ملتزم بالصلاة لكن وضعه المادي مستقر، ومن ثم أقوم بإصلاحه بنفسي، وبالفعل تقدم لي من هو تارك للصلاة، وتقدم لي من يملك متجر ويبيع الخمر، ووافق عليه أهلي، وظلوا ورائي طيلة ثلاثة أشهر يحاولون إقناعي به، وفي النهاية عندما لم يجدوا مني رجاء قالوا لي: أنت لاتستحقينه أصلاً، فهم لايهتمون إلا في المادة والماديات.

وهذا شيء لا ترضاه نفسي، ومع احترامي الشديد لنظرة والداي، إلا أن وصية الرسول صلى الله عليه وسلم أغلى من كل شيء؛ أن يكون مرضي الخلق والدين،فإن من ضيع حقاً من حقوق الله فهو لغيرها أضيع، وأما مرضي الخلق والدين صاحب التقوى فهو الذي سيكرمني إن أحبني، ولن يظلمني إن كرهني.

أيضاً فإن والداي لديهم نظرة خاطئة في إصدار الأحكام على الشعب المصري؛ بسبب الأعمال التي صدرت من بعض الإخوة الذين لم يلتزموا بوصايا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قولاً وعملا، أو لم يفهموها بالشكل الصحيح.

أيضاً هم يعتقدون مثلاً: أن الملتزم متشدد في كل أمور حياته، حتى مع زوجته جاف الطباع، حاد المزاج وغيره الكثير، وأسأل الله أن يصلح لنا أحوالنا كلها، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ..اللهم آمين.

فالآن بعد ما تبين لكم الأمر، وتبين لكم صدق وحسن نوايا هذا الشاب الذي يريدني لأجل ديني فقط، وليس لأي غرض دنيوي، ما هو رأيكم؟ وما هي النصائح التي توجهونها إلينا؟ وأرجو منكم بتوجيه كلمة لجميع الأطراف : لنفسي_ ولأهلي_ وللشاب_ وخاصة لأهلي؛ لأنني سأعرض عليهم ما ستكتبونه وتقولونه.

والرجاء السرعة في الرد نظراً لقرب موعد مجيء هذا الشاب، ولإصراره على وضع حد لهذا الموضوع الذي أصبح له قرابة شهرين وهو يريد أن يعجل ليحصن نفسه، وليستقر ذهنه، ولينجز في أعماله وحياته، خاصة طلبه للعلم الشرعي، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يبارك فيكم، وأن يجعل جميع أعمالكم خالصة لوجهه، وأن يتقبلها منكم ..اللهم آمين.

في أمان الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الفقيرة إلى الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يثبتك على الحق، وأن يشرح صدر أهلك للحق، وأن يرزقكم جميعاً محبته جل وعلا، ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يمن عليك بزوج صالح مبارك.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإنه لمن المؤسف حقاً أن يوجد في المسلمين من يحب الله ورسوله ويتمنى لهذا الدين العظيم، ورغم ذلك يحتكم إلى الأعراف والعادات والتقاليد البالية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ويضرب بشرع الله عرض الحائط، ولو نظرنا في سبب تخلف المسلمين، وتفرقهم وتأخرهم وفقرهم، بل وضياع فلسطين نفسها وسقوط هيبة المسلمين من قلوب أعدائهم، لوجدنا أن السبب الرئيسي وراء ذلك كله إنما هو عدم تطبيق الإسلام في حياة المسلمين، وتعطيل شرع الله على المستوى العام والخاص، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ورغم ذلك نأتي نحن أهل الإسلام لنرفض هذا، ونبحث عن الماديات، حتى ولو كان صاحبها غير ملتزم بشرع الله، ومع ذلك ندعي الإسلام، وننادي ونقول: متى نصر الله؟ متى ننتصر على اليهود والصهاينة أعداء الديانات كلها؟ ألم نسمع قوله الحق جل وعلا: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ))[محمد:7] وقوله: (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ ))[الحج:40].

لا أملك حقيقة لأهلك أو لغيرهم من أهل الإسلام الذين يضربون به عرض الحائط، ويطبقونه على هواهم ووفق ما يحلو لهم، أقول لهم إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يا حسرة على العباد وأضرع إلى الله أن يبصرهم بالحق، وأن يشرح صدورهم له، وأن يوفق لإعادة النظر في موقفهم تجاه هذا الشاب المكافح، الذي ينبغي أن نفتخر بأمثاله؛ لأن مثله لا يعرف الفشل، ومستقبله يبشر بخير كثير، وهو قطعاً أفضل من كثير من الشباب العاطل الذي لا دور له في الحياة، حتى وإن كان ثرياً أو ميسوراً، ولا يقارن هذا الشاب مطلقاً بمن يبيع الخمور ولحوم الخنزير الحرام، أو غيره من الذين سقطوا تحت أقدام الغرب، ويعملون لديه في أخس وأحقر الأعمال وأبعدها عن الشرع.

وحتى يدرك أهلك أن الإسلام هو العدل والإنصاف والرحمة والانضباط، أحب أن أقول لك : ما دام أهلك يرفضون هذا الشاب، ولا يريدونه زوجاً لك مع أهليته وصلاحيته لذلك، فليس أمامك إلا أن تسمعي كلامهم وتعتذري له؛ لأنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تزوج نفسها بغير إذن وليها وموافقة أهلها، وهذا هو شرع الله الذي لا يجوز لنا أن نخالفه مهما كانت النتائج، وأما عن والديك وأهلك فحسابهم على الله، لمخالفة الشرع وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأكثري من الدعاء لهم بزيادة الإيمان وقوة اليقين، ومحبة الله ورسوله، وأن يكونوا مسلمين صادقين فعلاً، وسليه جل وعلا أن يعوضك خيراً، وأن يخلف عليك بخير وأفضل من هذا الشاب، واعلمي أن من ترك شيئاً لله عوضها لله خيراً منه، فأطيعي والديك طاعة لله ورسوله، ولا تخالفي أمرهم بعد هذه المحاولات، واعتذروا للشاب حتى لا يظل يحيا على أمل هو السراب بعينه، وهو إن اتقى الله، لم ولن يضيعه الله؛ لأنه جل وعلا لا يضيع أهله.

والله ولي التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً