الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي الإرشادات في علاج خوف الطفل من الأصوات المزعجة؟

السؤال

السلام عليكم.
لدي طفلة عمرها 6 سنوات ونصف، شديدة الخوف من حدوث الأصوات المزعجة، على سبيل المثال: تكره صوت المكنسة الكهربائية، وتغلق أذنيها، لذلك قبل أيام كان هنا في ألمانيا ولديهم الكرنفال، لعلكم تعرفونه وكيف يكون حال الأوروبيين في هذا اليوم من تغيير في أشكالهم إلى الأشكال القبيحة، وإصدار أصوات مزعجة جداً، فطلبت من والدها أن يخرجها للشارع لتنظر إلى هذه المناسبة، فأنا مانعت لأنني أعرف خوفها، وكبراءة الطفولة قالت: لا ماما، أنا لا أخاف. فما كان من والدها إلا أن أنزلها للشارع، فلما رأتهم وسمعت الأصوات بدأت تبكي ودقات قلبها تتسارع, فعاد بها والدها إلى البيت، وأنا بدوري دائماً أرقيها بالقرآن الكريم سواء في حال مرضها أو حال خوفها.

أيضاً هي تكره عندما ترى أحد إخوانها يصرخ مع الآخر، وأرى في ملامح وجهها الخوف من أن يحدث أمر سيئ بسبب هذه المشكلة التي بين أخويها في نفس اللحظة.

آخر مرة غضبت ابنتي التي عمرها 16 من أخيها ذي الـ9 سنوات، في لحظة هذا العراك دفعت أخيها فوقع على الأرض فركضت ابنتي المعنية بهذا الخوف وملامح وجهها مخطوفة ومذهولة، وتقول بخوف شديد: ماما! تعالي انظري، أخي وقع على الأرض.

هي تخاف من المشاكل، وتكره الأصوات العالية المزعجة، لكنها عند سماع القرآن الكريم مهما كان عالي الصوت تحب سماعه، أو النشيد الديني.
سأذكر هذه الملاحظة لأنها ربما تعينكم على إيجاد الحل لابنتي:
أنا من طبيعتي شديدة الحرص على أولادي، حتى عندما يخرج والدهم معهم أحذره لينتبه جيداً عليهم، وما يدعوني لذلك كثرة سماعي لأخبار خطف الأطفال هنا، والسبب الآخر أنني لاحظت عدة مناسبات عندما نكون خارج المنزل لاحظت أن زوجي يسهو أحياناً عنهم، وأحذره كثيراً عندما يخرجون ليتمشوا خارج المنزل بالسيارات.
وللعلم أيضاً هذه ابنتي أحياناً تسمعني أقول: يا لطيف لطفك, فتسألني لحظتها بترقب للجواب: ماما! لماذا تقولين: يا لطيف؟ يعني: تكون خائفة إن حصل شيء لأحد إخوانها وهو خارج البيت.

أقول: ربما أنا السبب؛ لأنها تراني عندما أكون بمفردي قلقة على ابني عندما يتأخر أو ابنتي أو أي أمر مقلق تراني في تلك اللحظة، فقلت: ربما السبب هذا، فبدأت أحاول ألا أُظهر مخاوفي هذه أمامها ولا أمام إخوانها.

أرجو ثم أرجو من الله تعالى ثم منكم الحل بتوضيح كامل، وهل من حل أيضاً لحالة القلق التي لدي؟ فأنا لو أسمع صوت إسعاف ويكون أحد أولادي خارج المنزل أقلق بشدة، ولابد لحظتها أن أحكي بتلفون معهم حتى أتأكد من سلامتهم.
وأسأل الله لكم السداد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا شك أن الناس يختلفون في مشاعرهم وفي مستوى عطفهم، وتكون هذه العاطفة شديدة عند بعضهم، والخوف على الأطفال هو أمرٌ طبيعي، والأطفال بصفة عامة يجب أن نعرف تماماً أنهم ليسوا بشريحةٍ واحدة، فما ينطبق على الطفل الأول -على سبيل المثال- قد لا ينطبق على الطفل الذي يليه، وهكذا، ومن الأخطاء التربوية الشائعة أننا ننظر لأطفالنا في كثيرٍ من الحالات كشريحة واحدة، وهذا لا ينبغي، بل علينا أن ننظر لهم على أنهم أطفال مجرد أطفال.
بالنسبة لمسلك هذه الطفلة وخوفها لا شك أن عمرها في الأصل عمر ظهور مخاوف الأطفال، فهذا العمر -5 إلى 8 سنوات- هو عمر ظهور الخوف لدى الأطفال، خاصةً أنهم في هذا العمر يستوعبون معنى الخوف ومعنى الطمأنينة لدرجةٍ كبيرة، وبالطبع يتلقون استشعاراتهم العاطفية من محيطهم، وفي هذه الحالة محيط هذه الطفلة هو أنت التي تشكلين لها الأساس الرئيسي في محيطها ومصادرها.

أرجو ألا تحسي بالذنب وأعتقد أن الشفقة الشديدة عليها وإبدائك هذه الشفقة بصورةٍ واضحة جعلتها تتفاعل بنفس المستوى، فالأمر مكتسب ومتعلم.

لا شك أن الإنسان في هذه البلاد -كأوروبا ونحوها- من المفروض أن يكون حذراً نحو أطفاله، وأتفق معك تماماً أن هنالك الكثير من المشاكل والجرائم التي تحدث ضد الطفولة، ولكن يجب أن نقوم بتوعية الطفل، ونحرص ألا تكون هذه التوعية بالدرجة التي نبني من خلالها هذا الخوف لدى الطفل، ونبني أيضاً في أنفسنا هذا الخوف والشفقة عليهم، وهذه التوعية يمكن أن تكون من خلال الاجتماعات الأسرية، وأفضل في مثل هذه الحالة أن يكون هنالك اجتماع أسري مرة أو مرتين في الأسبوع، ويفضل تماماً أن يرأس هذا الاجتماع أحد أفراد الأسرة بالتناوب، فهذا يبني شخصية الأطفال وينميها، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يرأس الاجتماع الأول الأب ثم بعد ذلك الأم ثم بعد ذلك يرأس الاجتماع الثالث أحد الأطفال وهكذا، حتى الطفلة التي عمرها ست سنوات يمكن أن ترأس أحد هذه الاجتماعات ويحدد وقت للاجتماع كساعة مثلاً تكون هنالك أجندة واضحة، فهذا فيه أمر من الأمور التربوية الممتازة جدّاً خاصة أنكم تعيشون في بلاد بعيدة عن الوطن.
ومن خلال هذه الاجتماعات تتم التوعية العامة للأطفال جميعهم دون أن نركز على طفل معين؛ لأننا حين نركز على أحد الأطفال كتركيزك على طفلتك مثلاً بالطبع يسبب لها إزعاجاً، ولكن تكون هذه التوعية توعية عمومية مع لفت النظر فيما يتطلبه الموقف وحسب الحالة العمرية، هذه وسيلة.

والوسيلة الثانية: هي الدعاء لهم، بل هي بالطبع الوسيلة والركيزة الأولى، وهذا سلاحكم وسلاح كل مؤمن، ويشعركم بالطمأنينة حيال أطفالكم، ويتولد حينها بناء نفسي داخلي بقيمة الدعاء، ولأن دعاء الوالدين لأولادهم مستجاب كما هو معلوم، فعليكم سؤال الله تعالى لهم بالحفظ، وهذا هو الأسلوب الأساسي في العلاج.
الأسلوب الثالث في العلاج: أن تعطي الطفلة نوعاً من حرية الحركة المعقولة في حدود المنزل، وعلى سبيل المثال: الذهاب إلى الحدائق العامة، وتُعطى مجالاً لأن تبتعد عنكم قليلاً مع مراقبتها بالطبع، وألا تشعر بأنها مراقبة وهذا أمر ضروري جدّاً، ومن الوسائل الأخرى أن تعطى مجالاً في الاختلاط مع بقية الأطفال بقدر المستطاع؛ لأنه سوف يقلل من هذا الخوف، وكما ذكرت أنت من الضروري ألا تظهري مخاوفك أمامها، بل على العكس تماماً أظهري مشاعر عكسية بقدر المستطاع، أظهري أنك لا تخافين عليها وأنك لا تشفقين عليها بالصورة التي زُرعت في كيانها.

بالنسبة لمنهج زوجك ربما تكون أنت أيضاً محتاجةٌ لمنهجه، فأنت وصفت أنه يسهو أحياناً عنهم، وأعتقد أن الشفقة الزائدة منك لديهم هي التي جعلتك تشعرين بأن زوجك يسهو عن أطفاله، ولا أعتقد ذلك، ولكن أعتقد أنه يريدهم أن يعتمدوا على أنفسهم، فعليك أن تسيري على خطاه وتأخذي شيئاً من منهجه، وإذا اعتقدت أنه يسهو عنهم ولا يراقبهم فهذا ربما يزيد لديك الشفقة حيالهم.

أيضاً أعتقد أنك محتاجة لأن تمارسي تمارين الرياضة؛ لأن الرياضة تقلل من هذا التوتر لديك، ولا تنسي الدعاء، ونحمد الله أن الأطفال يحبون سماع القرآن لأنه هو مصدر الطمأنينة ولا شك في ذلك، وأعتقد أن الطفل الذي يقرأ ويسمع القرآن هو في حفظ الله تعالى وسوف يكون باعثاً للطمأنينة بالنسبة لها.

ختاماً: نصيحتي لك أن تكوني أكثر توكلاً، وأن تقتنعي –وأنت كذلك – أن الأمور كلها بيد الله، ولكن لابد أن تطبقي بعض الخطوات العملية في هذا السياق، فنحن في بعض الأحيان نأخذ الأمور بمظهرها ونتجاهل جوهرها. أرجو أن تتركي مسافة وجدانية وجغرافية بينك وبين طفلتك؛ لأن هذا يبني شخصيتها ويقلل تماماً من مخاوفها وتوترها، ويجعلك في ذات الوقت أكثر طمأنينة.
أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعاً، وأن يبعث فيك روح الطمأنينة ويذهب عنك هذا القلق والتوتر الزائد.
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً