الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نظرة الشرع للعادة السرية والنهي عنها

السؤال

السلام عليكم

ظهر في بعض المجلات في الآونة الأخيرة أن العادة السرية هي عادة طبيعية لا يأثم المرء على فعلها، ولا تسبب له أمراضا أو مضاعفات، بل يجب فعلها، فما ردكم على ذلك دينياً وصحياً؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صدام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قبل كل شيء: علينا تحري المصادر الموثوقة، وكذلك الأشخاص الموثوقين لإعطاء المعلومات، ولا نقتنع بكل ما ينشر في المجلات خاصة إن كان يتعلق بالصحة أو الدين، وإن أصحاب المجلات يهمهم أن يبيعوا ويتاجروا، ولا أظن أن هناك رقابة طبية أو دينية على موضوع صحي أو ديني لما ينشر في المجلات المختلفة، والتي ملأت الأسواق، ويجب أن نرتكن دائماً إلى أساس راسخ ثابت لا يتبدل، وهو شرع رب العالمين وما جاء به من قرآن وسنة.

لو ترك الأمر للبشر لصنعوا إلها ولعبدوه اليوم ثم أدانوه في الغد، وهكذا! ولذلك علينا -كما قلت- أن نحتكم إلى أسس ثابتة، ولا ثابت إلا ما جاء من خالق الكون، وكما هو معلوم عند من يتبعون أهواءهم ويتركون لها العنان في تشريع ما تهوى أنفسهم أن يشرعوا ما يشاؤون، فقد أباحوا اللواط ووضعوا الشرائع التي تحمي هؤلاء الشواذ، وأقرت محاكمهم الزواج المثلي بحماية الدولة والقانون، ولهم جمعيات تدافع عن حقوقهم وتعتبر أنهم يمارسون حقاً طبيعياً لا خلاف فيه ولا حق لأحد أن يفسد عليهم شهوتهم، (وغاب عنا ما جرى بقوم لوط)، هذا مثال لتحكيم الهوى بدل الشرع!

أما بالنسبة للعادة السرية وما يتعلق بها من نص فقد قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ )[المؤمنون:5] ... (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )[المؤمنون:7]، وأظن أن الكلام واضح ولا يحتاج إلى اجتهاد من رئيس تحرير المجلة التي نشرت ما يدعو إلى نبذ العفة واتباع الشهوات.

قد قال محمد صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه –أي فكيه- وما بين فخذيه – أي فرجه- أضمن له الجنة)، وهل الجنة رخيصة حتى نضمنها فقط بضمان ما بين فخذينا!

العادة السرية اسمها السرية أي التي لا يحب ممارسها أن يراه أحد، وهذا مطابق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (والإثم ما حاك في الصدر وتردد في النفس وخشيت ان يطلع الناس عليه) فهي إذن إثم حسب تعريف الرسول صلى الله عليه وسلم.

لو فرضنا أن شاباً لم يملك نفسه ومارسها فعليه أن يتوب ويعزم على عدم العودة، لا أن يصر عليها؛ لأن الإصرار على الصغيرة كبيرة (فكيف إن لم تكن صغيرة وأصرينا عليها).

من الناحية الطبية والنفسية فتعتبر العادة السرية ممارسة شاذة للجنس، ولا تدخل في إطار الممارسة الطبيعية، وحبذا لو تحولت هذه الاستشارة للمستشار النفسي لإبداء الرأي أيضاً من الناحية النفسية.

العفة دعت لها كل الأديان والعادة السرية والعفة ضدان لا يلتقيان.

العادة السرية لو أبيحت لتجرأ الناس على المثيرات، بل لبدأوا بالسعي لها، والمثيرات يخالطها أو كلها حرام: (النظر والسماع واللمس، بل وحتى الخيال فهو كذلك منهي عنه).

العادة السرية هي ممارسة الجنس مع الخيال؛ لذلك فهي لا تروي، بينما ممارسة الجنس الحلال يروي، ومما تورده الإحصائيات أن المتزوجين قد يكتفون بمناسبة إلى ثلاث مناسبات أسبوعياً، بينما غير المتزوجين ممن ينشدون الاستقرار الجنسي من خلال العادة لا يشعرون بالري ولو كرروا الممارسة مرة يومياً أو حتى عدة مرات يومياً، فهم يبقون عطشى ولا يشعرون بالاستقرار.

العادة السرية قد تدفع الشباب للعزوف عن الزواج وذلك، لأن زواج الصورة متوفر من غير كلفة ولا رقيب.

لذلك فإننا بانتشار المفاسد ندعو الناس للزواج، ولكن بوجود العادة السرية يختلف الأمر، وتكون هي المتنفس والبديل، ولربما هذا من حكمة الأديان في عدم إباحتها، العادة السرية ممارسة مع الخيال؛ ولذلك فهي أكثر إرهاقا للأعصاب من الممارسة الطبيعية التي توفر فيها الإثارة الطبيعية بالحلال.

لا يمكن بحال من الأحوال ممارسة العادة السرية بأمانة بعيداً عن حديث النفس المريب، وبعيدا عن التفكير المثير أو النظر المثير أو غيره.

المنعكس الشرطي مهم جداً في الممارسة الجنسية، ومعنى ذلك أن الرجل إذا مارس مع زوجته وهو يراها ويفكر بها وتفكر به تولد بينهما الحب والمودة، بينما لو مارس العادة السرية وهو يفكر هنا وهناك فمع من يستقر؟ ومن يحب؟ وبمن يثق؟ وممن يأخذ؟ ولمن يعطي؟ فهو كمن يبني قصورا في الهواء، ومملكة من الحب الوهمي الذي يتلاشى مع لحظات الصحوة بعد الكبوة، ملكتها كالنور الذي ينطفء فتختفي، ثم يعود المسكين للبحث عن محبوب آخر يذوب بتوالي الثواني، وهكذا، فهو من وهم إلى وهم، وهذا صعب، أو أنه من حقيقة إلى حقيقة، وهذا لعمري أصعب.

علينا أن ننأى عن هذه العادة؛ لأن ديننا يدعوننا للعفة والطهر، وتجنب أسباب الفساد (والتي منها العادة السرية)، وهل هناك ضرر أكثر من أننا نبعد عن العفاف والاستقرار، (فهو أهم من الضرر الصحي أو النفسي).

إن كانت العادة السرية لا تورث عمى العين، بل تورث عمى البصيرة، وإن كانت لا تؤذي الأعضاء فهي تؤذي الحواس، وإن كانت تريح النفس لوهلة فهي تتعبها آماداً عدة، وإن كانت لا ترهق الجسد فهي تتعب الإيمان واليقين والوقار والاستئناس برضا الله.

باختصار: علينا بتحري المصادر الموثوقة للمعرفة، ولنعد إلى الكتاب والسنة فإننا لن نجد فيه أي استباحة للعادة السرية، ولنعد إلى علم النفس، ولنعد إلى الفطرة، ولنعد إلى العفة، ولنسع إلى الاستقرار العاطفي والنفسي والعضوي من خلال الزواج، ولا نرتكن إلى من إلهه هواه.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً