الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعامل مع الأب المسيء للدين وأهله

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله ..
لا أعرف كيف أشكركم على ما تقدموه من نصائح غالية وكلام طيب وأدعية.. ليس لي سوى أن أشكر كل العاملين على هذا الموقع وخاصة العلماء والأساتذة الذين تكرموا وأعطونا من وقتهم أدعو الله أن يبارك في أعمالكم وأوقاتكم.

موضوعي هو أن أبي يحاول أن يسيطر على كل شيء فيّ ويرى كل عمل أقوم به خطأ وغير صحيح ، ينتقد الكتب التي أقرأها والملابس التي أرتديها بل حتى أخواتي في الله وصديقاتي، وهذا لأني أحاول أن أطبق الشرع وأن أفهم ديني وأن أعمل شيئاً للاسلام، لكن هو يرى هذا تخلفا وجهلا .

بدأ في الفترة الأخيرة يتشاجر ويشتم بأبشع الكلمات عندما يرى كتابا دينياً أو عندما يراني أتابع برنامجا لا يعجبه هو .. هذا التصرف معي فقط لأني وحدي في البيت أحاول أن أرضي ربي وأصلي.
بالله عليكم ماذا أفعل معه لم أعد أستطيع أن أتجنبه مع أني أحاول بكل حيلة لكن كلامه قاس جداً.

وهل لو جاوبته سأكون آثمة? لأنه أحياناً يتطاول على الإسلام والشيوخ فأفقد أعصابي وأجاوبه ، ثم أشعر بالندم فيما بعد خوفاً من الله، أشعر بغربة في بيتي وحزن.
ما العمل حفظكم الله كيف أتصرف معه وهو لايرغب في المناقشة والاستماع لوجهة نظرى، كيف لي أن أسيطر على أعصابي وهو لا يبالي وبعد كل مشاحنة بيينا يعود لنفس الطريقة ونفس الحالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة العزيزة الغالية / Faynana حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  وبعد،،

فإنه ليسعدنا أن نلتقي بك للمرة الثانية في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، فأنت لست وحيدة، وإنما لك أخوة في الله يقفون معك أمام تلك التحديات التي تواجهينها، ويدعون الله العلي القدير أن يثبتك على الحق، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء، وأن يكثر من أمثالك في المسلمين، وأن يوفقك للأسلوب الطيب للدعوة إليه سبحانه، إنه جوادٌ كريم .

ابنتنا الكريمة : لقد ساءنا جداً تصرف والدك -حفظه الله - معك، ولكن هذا يا ابنتي شيءٌ طبيعي جداً؛ لأنه عبارة عن صورة من صراع الأجيال، فوالدك نشأ نشأة لا يعرف غيرها، ويرى أنها أفضل صور الحياة، وأنه بما يقدمه من عبادات قد أدى حق الله وزيادة، ولذلك ينظر إلى تصرفاتك وما تقومين به نظرة استنكار واستغراب وتطرف؛ لأنه لا يعرف غير هذا، ويرى أن ما سواه إنما هو نوع من التطرف والتزمت والتشدد، خاصةً وأن الإعلام العالمي كله تقريباً يردد نفس العبارات، ويوجه نفس الاتهامات في العالم الإسلامي وخارجه، وهذه الصورة وتلك التصرفات ستظل بعض الوقت.

ولذا فالمطلوب منك يا ابنتي عدة أشياء ومنها ما يلي :
1- الدعاء لوالدك أن يشرح الله صدره للحق، وأن يهديه إليه، فأكثري من الدعاء له ليلاً ونهاراً، وبصدقٍ وإخلاص، وسيستجيب الله لك .
2- عليك بضبط النفس إلى أبعد الحدود مهما فعل أو قال؛ لأن مقام الأبوة والأمومة هو أعظم مقام بعد مقام الله ورسوله، ولقد أمرنا القرآن أن نحسن المعاملة مع الوالدين حتى ولو كانا كافرين، فقال سبحانه: (( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))[لقمان:15].
فنحن مأمورون بحسن المعاملة مع عدم طاعتهما في معصية الله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا وجدت أن تصرفاً معيناً يثيره فلا مانع من فعله بعيداً عنه، ولا مانع من إخفاء الكتب الدينية بعيدة عن وجهه؛ وممكن استقبال أخواتك في غيبته وعدم حضوره، كذلك توقفي عن سماع الأشرطة في وجوده قدر الاستطاعة، وكذلك الإنترنت، إلى غير ذلك من الأمور التي تثيره، وواصلي الدعاء له بالهداية وانشراح الصدر لفهم هذا الدين .
3- عدم الرد عليه مطلقاً مهما سب أو شتم أو تلفظ بأي ألفاظ؛ لأن الرد عليه في وقت غضبه لن يوقفه عن سبه، بل على العكس قد يزيد غضبه وسبه، فعليك بعدم الرد مطلقاً، وإنما عليك الانصراف بهدوء وأدب، مع عدم إظهار التبرم حتى لو بتعابير الوجه أو حركات اليد .
4- عليك بالصبر الجميل والدعاء بالثبات على الحق، والإعانة على الطاعة؛ لأنك تعيشين فعلاً غربة حقيقية أشبه بغربة الإسلام في أول أمره، ولقد قال الله: (( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ))[الحجر:85] فعليك بالصبر والدعاء.
5- إذا أتيحت أي فرصة لتقديم هدية لوالدك أو أي مساعدة أو خدمة فلا تترددي في ذلك، وإذا طلب أي شيء حتى لو من غيرك فسارعي إلى تلبيه طلبه، وتحقيق رغبته؛ لأن ذلك يلين قلبه .
6- واصلي التعليم، واحرصي على التمسك بالدين، وعليك بالرفق واللين، واحذري المواجهة مع أي أحد، خاصةً والدك، واجتهدي في دعوة والدتك وإخوانك للالتزام؛ حتى تكونوا كثرة، وليس هناك وسيلة للدعوة أفضل من الرفق واللين، والتواضع والإكرام، والبشاشة والصبر .
سائلاً الله تعالى أن يحفظك وأن يربط على قلبك، وأن يجعل لك منه ولياً ونصيراً، إنه جوادٌ كريم، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً