الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توبة شاب من مشاهدة الأفلام الإباحية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب أحفظ كتاب الله وأسعى للمحافظة على الصلوات -ولله الحمد-.

المشكلة أنني كنت أشاهد الأفلام القبيحة من قبل، ولكني قررت التوبة فكسرت الأقراص القبيحة وتبت إلى الله -عز وجل-، وكان عمري آنذاك 15 سنة.

فانقطعت كلياً عن شراء هذه الأقراص، ولكني في هذه الفترة أحياناً تزل قدمي فأقع في هذا الخطأ الكبير، وأشاهد، ولكن ليس بالاسترسال فأغلق بسرعة، استحياءً من ربي فأتوب وأرجع، وتزل قدمي فأتوب فأذكر.

قبل أسبوع من كتابتي لهذه الاستشارة ذهبت مع عيال أقاربي كنا ثلاثة، هما جلسا مع بعض، وأنا بنفسي، فتأتيني هذه المشاهد فتزل قدمي فرجعت إلى البيت، وتوضأت وصليت ركعتين معلناً توبتي، أنا لا أقول: إني مدمن، لكن الزلات والشيطان والنفس الأمارة بالسوء هما يدفعان المرء، ولكني أغلب الأحيان أكون المسيطر عليهم.

الآن أبلغ من العمر 16 سنة، والله يا شيخ استحييت من ربي، أدعوه بالتوبة وبعد فترة تزل فأدعوه وهكذا، وأجد من ذلك الألم النفسي وليس لدي سوالف هنا وهناك.

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله -تبارك وتعالى- أن يثبتك على الحق وأن يغفر لك وأن يتوب عليك، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإنك تعلم أن هذه المرحلة السنوية التي أنت فيها مرحلة خطيرة وحساسة لأنها مرحلة التقلب، ورغم ذلك فأنت الآن رجلٌ شرعاً، لأنك تعلم أن الرجل في الإسلام يصل إلى مرحلة الرجولة ببلوغه خمسة عشر عاماً وقد يصل قبلها إذا رأى إحدى علامات البلوغ الأخرى، فأنت الآن رجل مكلف وبالتالي مسئول عن كل تصرفاتك وستسأل عنها بين يدي الله تبارك وتعالى يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ومن هنا يلزمك أن تنتبه لنفسك فعلاً، حتى تكون عبداً ربانياً وحتى تكون شاباً صالحاً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة)، ومعنى الصبوة: أي الزلات والأخطاء والمعاصي الكبار.

ويقول أيضاً -صلى الله عليه وسلم-: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (شاباً نشأ في طاعة الله)، ونسأل الله أن يجعلك منهم.

فأمامك فرصة ذهبية أن تكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين، ولذلك كم أتمنى أن تجتهد فعلاً في المقاومة وألا تستسلم حتى وإن زلت بك القدم وضعفت أحياناً لا تقف عند هذه النقطة وإنما عجل بالعودة إلى الله -تبارك وتعالى- مرة أخرى، اجتهد في ذلك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأنصحك بعدة أمور لعل الله أن ينفعك بها:

أولاً: الصحبة الصالحة التي تعينك على طاعة الله تعالى والتي تقضي معها معظم أوقات فراغك في شيء نافع أو مفيد أو هادف؛ لأن النبي أوصاك عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)، رواه الترمذي في السنن، فابحث لك عن صحبة طيبة ممن هم في مثل سنك، واجتهد أن تكون معهم في أي نشاط دعوي لأنك إن شغلت نفسك بالحق قلَّ شغلها بالباطل، وإن لم تشغلها بالحق شغلتك هي بالباطل -والعياذ بالله تعالى-، ابحث لك عن صحبة صالحة -بارك الله فيك- تقضي معها معظم أوقات فراغك.

ثانياً: كم أتمنى أن تضع لنفسك برنامجاً لحفظ القرآن الكريم؛ لأن القرآن -كما تعلم- نور وهذا النور يبدد ظلمات المعاصي، فإن اجتهدت بربط نفسك بأحد مراكز التحفيظ أو بدأت بنفسك وحدك حفظ القرآن الكريم على أن تضع لنفسك مخططاً في يومٍ أو كل يوم تحفظ آية أو ثلاثاً أو أربعاً وتربط نفسك بهذا وتجعله هدفاً أمامك أن تحفظ القرآن، لن تجد أمامك وقتاً يضيع -بإذن الله تعالى- في مثل هذه الأشياء.

ثالثاً: كم أتمنى أيضاً أن تقبل على حفظ شيء من السنة ولو بمعدل كل يوم حديثاً واحداً، كل يوم تحفظ حديثاً يضاف إلى رصيدك؛ لأنه سيستغرق منك قدراً من الوقت.

رابعاً: لا مانع أيضاً من أن تنضم إلى أحد النوادي الرياضية حتى تستفيد من هذه الطاقة الموجودة عندك في شيء نافع يعود على جسدك بالخير، وقطعاً نحن الآن على أبواب إجازة الصيف وهذه الإجازة الطويلة قد يزين الشيطان فيها هذه المعاصي بصورة أكبر وأقوى وأشد، فأنت تقطع عليه السبيل، فالحمد لله وبفضل الله تعالى عندنا معسكرات للشباب تتبع وزارة الأوقاف، وعندنا أيضاً في قطر معسكرات للشباب تتبع مؤسسات الشيخ عيد، هذه المؤسسات -إن شاء الله تعالى- تقوم على جمع نخبة من الشباب الطيب في معسكرات طيبة تستفيد منها في أشياء كثيرة تقضي معها معظم أوقات فراغك وتتعلم بعض المهارات والحرف الطيبة التي تقضي معها وقتك.

خامساً: أتمنى -بارك الله فيك- أنك إذا كان الجهاز عندك في داخل الغرفة أن تخرجه خارجها، وأن تجعله في مكان عام في المنزل حتى لا تضعف؛ لأن النبي أخبرك عليه الصلاة والسلام بأن الذئب يأكل من الغنم القاصية، وأخبرنا بأن الشيطان مع الواحد، فأنت عندما تخرج الجهاز من غرفتك قطعاً سيكون لديك نوع من الانتباه ونوع من الحذر من أن يعرف أحد أنك تدخل على هذه الأشياء المحرمة وبذلك -بإذن الله تعالى- سوف يقل استعمالك لهذا الجهاز.

كذلك التلفاز إذا كان عندك في غرفتك فأخرجه، ولا تكثر قضاء وقت الطويل أمامه، وفي فترة الليل احرص على أن تتناول الطعام مبكراً وألا تأكل طعاماً دسماً في الليل حتى تنام مستريحاً، واجتهد في أن تربط نفسك بالمسلمين في صلاة الفجر خاصة عن طريق منبه الجوال أو عن طريق أحد إخوانك الشباب، واجتهد بأن تمكث في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس إذا كان في عطلة كيوم الجمعة أو السبت؛ لأنك بذلك ستقلل الأوقات التي تقضى في غير طاعة الله تعالى، وثانياً على ذلك -بارك الله فيك- ستتزود بشحنة إيمانية كبيرة ينفعك الله بها في مقاومة المعاصي، فاجتهد -بارك الله فيك ويسر الله أمرك-.

القرآن نور والصلاة نور وذكر الله نور والاستغفار نور والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- نور، هذه كلها أنوار تنعكس على قلبك فتبدد ظلمات المعاصي.

احرص على المحافظة على صلاة الجماعة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، اجتهد في أن تكون متوضئاً قدر استطاعتك، مهما سقطت لا تتوقف عن التوبة، يعني حتى وإن جاءك الشيطان وفعلت ذلك أيضاً عد إلى مولاك فإن الله يفرح بعودة التائب إليه سبحانه وتعالى جل جلاله، فإذا ما حدث أن زلت بك القدم وقدر الله ووقعت كما فعلت في المرات السابقة، قم وتوضأ وصل ركعتين واعتدل لله تعالى واعقد العزم على ألا تعود وتأكد -إن شاء الله تعالى- أن مع التوبة الصادقة وكثرة الاستغفار سوف تعان -بإذن الله تعالى- على التخلص من هذا مع البرنامج الذي ذكرته لك، وأنا واثق أنك ستنجح وتوفق وستكون من عباد الله الصالحين وأوليائه المقربين.

أتمنى لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد والثبات على الحق، إنه جواد كريم، هذا وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك محمد، ونتمنى لك الخير.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر احمد

    اشكرك والله يجزيك خيرا على هذا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً