الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم الشاب تجاه سكنه مع زوجة أخيه التي لا تحتجب عنه

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

شيخنا الفاضل: جزاك الله خيراً أفتني رحمك الله في مشكلتي عسى الله أن يهديني سواء السبيل.

أنا شاب أجاهد نفسي للالتزام، وأسير وفق شرع الله، الحمد لله أنا أصلي وأواظب عليها وأجتهد في حفظ القرآن، وأحاول العمل به وبسنة رسول الله، وأتباع خطى أصحابه الكرام، إلا أني أواجه عدة مشاكل تحول دون اطمئنان قلبي، وأحسب نفسي دوماً في معصية الله، وهذا ما يخشاه كل عبد منيب.

الأول: أني أعيش مع زوجة أخي في بيت واحد، وأخي مسافر إلى العمل، وهي غير محتجبة، وأنا ليس لي مأوى سوى بيت أبي الذي يجمعنا جميعاً حتى عند الطعام، فكيف أتصرف؟

ثانياً: تتغلب علي نفسي في عدة أمور أهمها:

أني لا أقصر ثيابي أحياناً، وألبس بنطالاً طويلاً، لكن غطاء الرأس يلازمني.

ثالثاً: أفكر كثيراً في الزواج وأنا لست قادراً عليه؛ حيث لا أعمل حتى الآن، وتفكيري راجع إلى أني أخشى أن أعصي الله.

جزاكم الله خيراً، أنا محتار فأفتوني رحمكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبك على الحق وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يمنَّ عليك بزوجة صالحة تكون عوناً لك على طاعته، وتعينك على غض بصرك وتحصين فرجك.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم هشام – فنحن حقاً سعداء بوجود أمثالك في المسلمين، ونسأل الله أن يكثر من أمثالك وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يعينك على مجاهدة نفسك، فلقد سعدت جداً لوجود هذه الهمة العالية للدين، وهذا الالتزام والاجتهاد في حفظ القرآن ومحاولة العمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والحرص على اتباع خطى الصحابة - رضي الله تعالى عنهم – فهذا شيء رائع وأسأل الله أن يبارك فيك، وأن يكرمك بإتمام النعمة بأن تكون من الدعاة إليه؛ لأنه - أخي الكريم هشام – لا يكفي بمجرد أن تكون صالحاً في نفسك، وإنما لابد أن تكون صالحاً مصلحاً؛ لأن هذه الأمة لا تهلك ما دام فيها مصلحون.

أما إذا كان فيها مجرد صالحون مع المعاصي فإنها تتعرض للهلاك؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا إله إلى الله ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا – وأشار بالسبابة والتي تليها) وقالت أمنا زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها: (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث).

فإذن مع وجود الصالحين وكثرة الخبائث تتعرض الأمة للهلاك، أما إذا كان فيها مصلحون فإن الله تبارك وتعالى يحفظها؛ ولذلك أتمنى أن تتم هذه النعمة، وأن تُكمل هذا الدور الرائع بأن تجتهد في دعوة غيرك إلى طاعة الله تعالى، هذه الدعوة - بارك الله فيك – لا تحتاج إلى مزيد من العلم الشرعي، كأن تكون كالشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة، فإن هذا الأمر ليس مطلوبا حقيقة في الدعوة بالقدر الذي يلزم فيه أن تجود مما لديك، من أنك رجل تحث على الصلاة، إنسان ارتكب بعض المعاصي تذكره بالله وتخوفه منه، هذه لا تحتاج إلى كبير علم؛ لأن العلم إنما يكون في حالات التعليم والفتيا وهذا أمر أنت لم تتعرض له ولا تتعرض ما دام علمك بالقدر الكافي، أما الدعوة هذه وظيفة كل الأمة – أخي هشام – رجال ونساء صغار وكبار، أغنياء وفقراء مطالبون بالدعوة إلى الله جميعاً، كلٌ على قدر استطاعته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

فكم أتمنى أن تتم هذه النعمة التي أكرمك الله بها بالعمل في الدعوة؛ لأن العمل في الدعوة – أخي هشام – صدقني سوف يحفظك من الزلل ويحفظك من الوقوع في الأخطاء، وسوف يحفظك الله به من كيد شياطين الإنس والجن.

وأما عن سؤالك بأنك تعيش مع زوجة أخيك التي تعيش معك في بيتٍ واحد وهي ليست محجبة، أقول لك - بارك الله فيك – اجتهد في عدم الخلوة بها، ولماذا لا تدعوها إلى الحجاب؟! حاول أن تدعوها للحجاب وأن تذكرها بفضائله وبالآثار المترتبة عليه، ولا مانع مثلاً أن تقدم لها بعض الأشرطة أو الكتيبات التي تتكلم على ضرورة التزام الحجاب، اجتهد في دعوتها لعلها أن تأتي في ميزان حسناتك يوم القيامة، بدل أن تفر منها ادعوها إلى الله تعالى حتى تتحجب الحجاب الكامل، وبذلك تكون قد صنتها من الوقوع في المعاصي وأعنتها على طاعة الله تعالى.

واحرص -أخي الكريم- على ألا تختلي بها، لا تكن موجوداً معها وحدك أبداً؛ لأنك تعلم أن الخلوة هذه هي سبب البلاء وسبب الفتن؛ لأن النبي أخبرنا عليه الصلاة والسلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما). احرص ألا تدخل عليها إذا كانت في غرفة وحدها أو إذا كانت في البيت وحدها، إذا علمت أنه لا يوجد هناك أحد كالوالد أو الوالدة أو أحد من إخوانك أو أخواتك لا تدخل البيت عليها وحدك؛ لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى الخلوة أيضاً، اجتهد ألا تختلط بها اختلاطاً مباشراً، وإنما تعامل معها من خلال والدتك حتى لا تحتك بها احتكاكاً يؤدي إلى رفع الكلفة وإلى زيادة الألفة؛ لأن هذه امرأة زوجها غاب عنها وقد تشتهي الرجال، فاحرص على ألا تتعامل معها بطريقة مباشرة - بارك الله فيك –، ونسأل الله تعالى أن يجعلها ممن قال فيهن: (( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ))[النساء:34].

واجتهد في موضوع الطعام أن تأكل وحدك قدر الاستطاعة، وتعذر بأي عذر حتى لا تعطيها فرصة أن تكون قريبة منك - بارك الله فيك -.

وأما مسألة أنك لا تقصر ثيابك أو تلبس البنطال، فالله تبارك وتعالى قال: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[التغابن:16]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فاجتهد - بارك الله فيك – على أن تحيي السنة على قدر استطاعتك؛ لأن هذا أمر لك في أجر عظيم، فأنت تعلم أن هناك وعيدا شديداً في من جر ثوبه خيلاء، فاجتهد - بارك الله فيك – على أن تلتزم بالسنة سواء كان هذا في الثياب أو في البناطيل؛ لأن ذلك أتقى لدينك وأرضى لربك كما ورد عن عمر - رضي الله تعالى عنه وأرضاه -.

فكرة الزواج فكرة رائعة، وكونك غير قادر فإن النبي وضع لك حلاً رائعاً عليه الصلاة والسلام بقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فإذا كنت تفكر في الزواج بجدية وتشعر بحاجتك إلى امرأة تعينك على غض بصرك وتحصين فرجك وأنت لا تستطيع – كما ذكرت – فأوصيك بالصيام - بارك الله فيك –؛ لأن الصيام يكسر حدة الشهوة، كما أوصيك أيضاً بعدم التواجد في الأماكن التي تثير الشهوة بالنسبة لك، يعني عدم التواجد في أماكن النساء وفي الأماكن التي فيها تبرج، ولا تكثر من دخول الأسواق، واجتهد أيضاً بألا تحتك بالطالبات مثلاً إذا كان التعليم مختلطا عندكم فلا تحتك بالطالبات ولا تقم أي علاقة معهنَّ.

واجتهد قدر الاستطاعة بأن لا تشاهد الأفلام التي تثير الغرائز وتحرك المشاعر، واجتهد في أنك لا تطلع على المجلات أو الصور التي أيضاً تثير الغريزة، اجتهد في ذلك وادعُ الله تعالى أن يمنَّ عليك بزوجة صالحة، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله والمكاتب والناكح يبتغي العفاف)، فادع الله تعالى أن يوسع رزقك وأن ييسر أمرك وأن يرزقك زوجة صالحة.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأن تكون من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يجنبك الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً