الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الفتاة من خطيبها العاطل عن العمل

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخوتي الأفاضل:
اعتدت أن أستشيركم في كل شيء يخصني، وما عهدت منكم إلا النصح والإرشاد السليم، فجزاكم الله كل الخير، وجعلكم خير إخوة وسند للمسلمين التائهين.

مشكلتي هذه المرة: أني مخطوبة لابن عمي، هذا الشخص الطيب والحنون والخلوق والذي يحبني كثيراً، أنا بدوري لا أنكر أني أحبه، وأرى فيه الزوج الصالح الذي منّ به الله عليّ، ولكن القدرة المادية تقف أمامنا باستمرار، فهو عاطل عن العمل منذ أربعة أشهر، وأصبحت حالته النفسية سيئة جداً.

وأنا أيضاً تعبت جداً لأنه تغير في تصرفاته، وأصبح الناس يلومونني على الارتباط به؛ لأنني معلمة وهو لا يعمل، وتغيرت نظرة الناس له ولي، وأصبحت أتجنب الحديث مع الآخرين لأنهم سيحدثونني عنه وعن بطالته.
أنا مقتنعة ومؤمنة جداً أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وأن دوام الحال من المحال، ولكن وساوس الشيطان تقتلني وتحرضني على الابتعاد عنه، والله العظيم أني متعبة جداً جداً، أظلمت الدنيا في عيني، ولم أعد قادرة على مواساة نفسي، فأنا لست من هذا النوع أن أتخلى عن أحبابي في عز الضراء، ولكني محتاجة لمن يقويني ويملؤني تشجيعاً؛ لأني أخاف أن يطول الحال بنا ونحن لا حول لنا ولا قوة.
علماً بأننا أجّلنا زواجنا ثلاث مرات للظروف المادية، وأخاف أن لا نستطيع الزواج وتزيد الضغوط.
هذه مشكلتي، ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يجمع بينك وبين هذا الرجل الصالح على خير، وأن يوسع أرزاقكما، وأن ييسر أموركما، وأن يرزقكما الأمن والأمان، وأن يتم أمركما على خير.


بخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة إيمان– فإنه كما ذكرتِ إن دوام الحال من المحال، والإنسان منا عرضة للتغير وتلك سنة الله تبارك وتعالى في هذا الكون، أن يتغير الإنسان، أو أن تتغير ظروفه، أحياناً الواحد منا قد يكون في غاية الصحة والقوة ثم يفاجأ الناس به وقد أصبح عليلاً مريضاً، بسبب معلوم أو بغير معلوم، وقد يكون الواحد منا على رأس عمله ويملأ الدنيا سمعاً وبصراً ثم يفاجأ الناس بأنه قد يقيل من عمله لسبب معلوم أو غير معلوم، بل قد يكون الإنسان حاكماً ورئيس دولة ثم لأمر أو آخر يصبح حبيساً في داخل السجون بسبب معلوم أو غير معلوم.

فهذه الأمور والتغير في هذه الحياة سمة من سمات الحياة، وكما ذكرتِ من كلامك الرائع (دوام الحال من المحال) والفقير لا يظل فقيراً والغني لا يظل غنياً، فالفقير هذا قد تأتيه فترة يعاني من شغف العيش ثم يوسع الله تبارك وتعالى عليه وييسر أمره فيصبح غنياً قادراً ميسوراً، والغني أيضاً قد تعتريه حالات يفقد فيها مركزه المالي، فقد يتعرض لخسارة فادحة كاسحة تأكل الأخضر واليابس.


ولذلك أقول: ما دام هذا الأخ رجلاً بهذا المستوى من الأخلاق حيث إنه رجل طيب وحنون ورجل فاضل وخلقه خلقٌ طيب، وبينكما محبة ومودة، وهو خطيبك شرعاً، أي بمعنى أنه تقدم إليك وأنت قبلت به، ولا أدري هل هي خطبة أم عقد نكاح، وفي كلا الأمرين أرى أن تصبري وأن تحتسبي، ولكن حثيه - بارك الله فيك – على أن يبحث عن عمل، لنعرف أولاً ما هي الأسباب التي أدت به إلى ترك العمل، هل هي أسباب وجيهة؟ وهل هي أسباب معقولة أم هي أسباب تافهة وكان من الممكن أن يتغلب عليها؟

انظروا أولاً في الأسباب التي أدت إلى اتخاذ الموقف، لعله أن يكون مظلوماً، لعله أن يكون لا دخل له فيما حدث، لعل العمل قد استغنى عنه لظرف أو لآخر؛
ولذلك أرى أن تقفي معه - بارك الله فيك – ما دام التقصير ليس من جانبه، وما دام هو لم يسلك سلوكاً مشيناً أو تصرفاً مخالفا لما عليه عرف الناس أو عاداتهم أو شرعهم، فإذا كان الأمر كما ذكرت بأنه كان هو ضحية فلا ينبغي فعلاً في مثل هذا الحال أن تتخلي عنه، وإنما نتواصل ونجتهد ونقسم الخبزة التي بيننا على قسمين؛ لأن المرأة الأصيلة الفاضلة هي التي تقف مع زوجها في السراء والضراء.

أمك خديجة – رضي الله عنها – زوج النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم أمدت النبي بمالها صلوات ربي وسلامه عليه ورضي الله تعالى عنها – وقالت: "والله لا يخزيك الله أبداً" وظل النبي صلى الله عليه وسلم ينفق من مالها – صلوات ربي وسلامه عليه – حتى توفاها الله تعالى، ثم بسط الله تبارك وتعالى على قدر ما قُدر له من أرزاق، عندما انتقل إلى المدينة وعاش بها وأصبح رزقه في ظل رمحه.

قبل هذه الفترة كانت أموال خديجة هي التي تأويه وهي التي تكفيه وهي التي ينفق منها على نفسه وعياله، فالمرأة الفاضلة الصالحة الأبية هي التي لا تفرق بين مالها ومال زوجها، وإنما ترى أن الأمر قسمة وأنه كما تعرض اليوم لهذه المحنة فمن أدراها - لا قدر الله - قد تتعرض لها غداً فهل يُعقل أن يتخلى عنها؟ إلا أن ذلك كله مربوط كما ذكرت بمعرفة الأسباب المؤدية إلى ترك العمل، فإذا كان من تقصير منه فينبغي أن يعيد النظر في موقفه وفي تصرفاته وفي علاقاته، وأن يستفيد من هذا الدرس وأن يكون له عبرة، ثم يبحث عن عمل آخر ولا يقعد ولا يتكاسل.

بعض الأخوة يريدون أعمالاً في أمور إستراتيجية وقد لا يكون هذا العمل متيسراً فما المانع أن أعمل عملاً أقل حتى وإن كان بدخل أقل بدلاً من أن أكون عالة على غيري؟

إذن - بارك الله فيك – نبدأ أولاً في البحث عن الأسباب المؤدية لتركه العمل، ثم ننظر فيها وننظر إذا كان من الممكن أن تعالج نبدأ في علاجها، وإذا كان من المستحيل علاجها أو كان هو مظلوماً واعتدي عليه وهضم حقه فالشكوى إلى الله تبارك وتعالى، والله دائماً ينتقم من الظالمين، ثم بعد ذلك نبحث عن حلٍ لهذه المشكلة، ونبحث عن عملٍ آخر، ولا مانع أن يترك البلدة التي هو بها إلى بلدة أخرى مجاورة: ((أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا))[النساء:97]؟ هذا كلام الملائكة يوم القيامة لعباد الله تعالى، والله تبارك وتعالى يقول: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ))[الملك:15]، فإن البركة مع الحركة، ورب مكان قد ضُيِّق فيه على رزقي فإن تحركت منه إلى مكانٍ آخر بسط الله لي رزقي؛ لأن الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق وفق علمه وقدرته وإرادته، وأمرنا بالأخذ بالأسباب وهذا هو دورنا، فنحن نتحرك لنصل إلى خزائن أرزاق الله تعالى.
أما أن تتخلي عنه فلا أنصح بذلك، خاصة إذا كان لديه الرغبة في العودة إلى العمل وهو جادٌ في البحث عن عمل، أما إذا كان قد استراح على هذا الوضع ولا يريد أن يغير من حاله وآثر البطالة والكسل فمثله لا يصلح زوجاً؛ لأنه في هذه الحالة لن يستطيع أن يجهز بيت الزوجية ولن يستطيع أن ينفق عليك وعلى أولاده مستقبلاً، وبذلك لا يكون رجلاً قادراً على الزواج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج). قال العلماء: إن الباءة تأتي بمعنيين:
المعنى الأول: القدرة على الإنفاق وإدارة شئون الأسرة وتوفير متطلباتها.
والمعنى الثاني: القدرة البدنية الجنسية.

فإذن هذا مطلوب شرعاً؛ ولذلك قال الله تعالى: ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ))[الطلاق:7]، فإذا كان الرجل قد استمرأ واستراح للبطالة فلا يصلح زوجاً، وأرى أن تفارقيه من الآن وفوراً، أما إذا كان يبحث ويجد ويجتهد ولكن الأمور ما زالت مغلقة فلتصبري معه حتى ييسر الله تبارك وتعالى أمره، وأوصيك وإياه بالدعاء خاصة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن طلب منه أن يدعو: (إذن تكفى همَّك، ويغفر لك ذنبك)، والدعاء محجوب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فتكثروا من الدعاء ومن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، وقراءة القرآن، وأبشروا بفرج من الله قريب، وأبشروا بفرج عاجل غير آجل، فإن الله لا يضيع أهله، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد وسعة الأرزاق وجميع المسلمين.
والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً