الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفراغ.. والتفريط في الطاعة

السؤال

كان عندي ثانوية عامة، وكنت ملتزمة بالصلاة وبالقرآن، وكنت كثيراً منشغلة بالدراسة، وليس عندي وقت لأعمل أي شيء، والحمد لله أنهيت ونجحت، ولكن بعدها أحسست أن عندي فراغاً، وصرت أحياناً أصلي الفرض فقط، وتذهب علي كثيراً صلاة الصبح والقرآن، لم أعد أقرأ أبداً إلا نادراً، وأحس حياتي كلها متاهة، وأنا مصدومة كثيراً من موضوع معين، أحس كل الذي صار معي بسبب بعدي عن الله.

أرجوكم ساعدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك مرة أخرى في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يزيدك توفيقاً ونجاحاً وتميزاً، وأن يثبتك على الحق وأن يهديك صراطه المستقيم.
بخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإن ما ورد في رسالتك أمر عجيب غريب؛ لأن الأصل في الإنسان أنه إذا صنع له أحد معروفاً أن يكافئه عليه، والأصل فيك وأنك قد نجحت – ولله الحمد والمنة – في الثانوية أن تشكري الله تبارك وتعالى على هذه النعمة، إذ أن هناك الكثير والمئات بل الآلاف من زميلاتك لم يُكتب لهنَّ النجاح ولم يحالفهنَّ الحظ، أما أنت فلقد أكرمك الله تبارك وتعالى بذلك، فكان المفروض فيك أن تكوني بعد انتهاء الدراسة أكثر طاعة وأكثر حرصاً وأكثر استقامة وإقبالاً على العبادة شكراً لله تبارك وتعالى على نعمة التوفيق، ولكنك بدلاً من ذلك – مع الأسف الشديد – بدأت تتكاسلين وكأنك لم تشكر الله تبارك وتعالى على ما صنع لك من خير وأنعم عليك بنعم عظيمة، وعلى رأسها نعمة النجاح في الدراسة.

ولذلك أقول لك – ابنتي الكريمة سارة – إن موقفك غير طبيعي؛ ولذلك لم يصلح حال سارة إلا سارة نفسها، فلابد لك من أخذ قرار شجاع جريء بالتخلص من هذا الكسل وهذا الضعف وهذا الخور الذي تعانين منه الآن، فابحثي عن الأسباب: لماذا حدث هذا الكلام خاصة وأن عندك فراغا الآن ولست في مرحلة الدراسة وبمقدورك أن تكوني أكثر طاعة؟!

ابحثي عن الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة من التكاسل والضعف، فإن عرفت الأسباب فمن السهل عليك أن تتخلصي منها، وإن لم تصلي إلى سبب معين فلابد لك أن تحددي لحظة معينة أيضاً للانطلاقة مرة أخرى، فحاولي أن تكرهي نفسك على أعمال الخير حتى وإن كانت لا تتجاوب معك في البداية، ولكن ثقي وتأكدي من أنها سوف تتجاوب معك بعد ذلك؛ لأنك أصلاً كنت كذلك، كنت ملتزمة بالصلاة وقراءة القرآن رغم كثرة المشاغل ورغم الانشغال بالدراسة والمذاكرة، فأنت الآن لديك فراغ لابد أن تستغلي هذا الفراغ في زيادة الأنس بالله تعالى والتقرب الأكثر والأكثر من الله جل وعلا، والإقبال على الطاعات، بل وزيادة عبادات أخرى ما كنت تؤدينها.
فضعي لنفسك برنامجاً وألزمي نفسك بهذا البرنامج، هذا البرنامج يبدأ من صلاة الفجر، فلا بد من المحافظة على هذا البرنامج، وذلك بالاستعانة - إذا كان الأمر صعباً – بمن يعينك على الاستيقاظ لصلاة الفجر كالوالد أو الوالدة، أو بتنبيه من تليفون الجوال أو التليفون العادي أو أن تتصل بك إحدى الأخوات الصالحات أو أن تضعي عندك ساعة (منبه)، تستعملينها لتضرب لك وقت الصلاة، وتجتهدي في أن تقومي مهما كانت الظروف التي تحيط بك من تعب أو إعياء أو نوم متأخر.

ثانياً: - بارك الله فيك – اجتهدي في ألا تتأخري في النوم، وإنما حاولي أن تنامي مبكراً، لأنك إذا لم تأخذي حظاً وافراً من النوم ليلاً فسيكون من الصعب عليك أن تستيقظي لصلاة الفجر، وإنما عليك أن تنامي مبكراً، وأن تنامي على وضوء، ولا تنسي أذكار النوم التي علمك إياها النبي عليه الصلاة والسلام مع مراعاة آداب النوم كذلك، وأن تظلي تذكرين الله تبارك وتعالى حتى تنامي وحتى تدخلي في النوم، ولا تتوقفي عن الذكر حتى تغيبي عن الوعي تماماً.

ثالثاً: ضعي لنفسك جدولاً وألزمي نفسك به في النهار، ضعي وقتاً معينا لقراءة القرآن، حددي وقتاً معيناً لذلك، ولا تجعلي الأمر حسب الظروف وإنما مثلاً من الساعة التاسعة إلى العاشرة أو من الساعة كذا إلى الساعة كذا هذا للقرآن، ولا تقومي بأي عمل آخر في خلال هذه الفترة، ولا تُشغلي بأي عمل آخر أيضاً حتى تصبح قراءة القرآن بالنسبة لك عادة.

أيضاً اجعلي لنفسك برنامجاً علمياً ما دام عندك الآن فراغ فتستطيعين أن تقرئي كثيراً من الكتب الشرعية التي تزيدك إيماناً وثباتاً، فاقرئي في كتب العقيدة واقرئي في بعض كتب الفقه، واقرئي كتب السيرة، خاصة حياة الصحابيات وأمهات المؤمنين، وهذه القصص الرائعة التي سجلها التاريخ للمرأة المسلمة عبر تاريخ هذه الأمة.

أيضاً حاولي - بارك الله فيك – أن تربطي نفسك ببعض الأعمال الصالحة، وذلك إذا كانت هنالك ندوات أو محاضرات أو أنشطة دينية في منطقتكم، فحاولي أن تربطي نفسك بها، وابحثي عن الأخوات الصالحات اللاتي بصحبتهنَّ يزيد إيمانك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي).

أيضاً قللي من الأوقات التي تقضينها أمام التلفاز أو على الإنترنت؛ لأن هذه أوقات ثمينة قد تذهب في غير فائدة أو قد تكون الفائدة قليلة أو معدومة؛ ولذلك قلليها إلى أبعد حد، واجتهدي في استغلال هذه الأوقات في العلوم النافعة التي تجعلك مسلمة صالحة موفقة، فأنت الآن على أبواب الزواج – ونسال الله أن يرزقك زوجاً صالحاً – فلماذا لا تقرئين عن حقوق الزوج على زوجته، وعن تربية الأبناء، وعن الحياة الزوجية، وكيفية إقامتها بطريقة صحيحة، حتى تستطيعين أن تكوني زوجة صالحة وأمّاً ناجحة أيضاً؟

اقرئي كتاب (كيف تكسبين زوجك)، (كيف تكسب المرأة زوجها)، اقرئي (ويبقى الحب ما بقي الحوار)، كتب كثيرة عندكم تستطيعين من خلالها - إن شاء الله تعالى – أن تنمي مهاراتك وأن تزيدي في معلوماتك وثقافتك حول الحياة الأسرية في الإسلام وحول كثير من القضايا.

وكما ذكرت فلابد من قراءة كتاب في العقيدة مبسط حتى تتعرفي على الله وتحبينه أكثر وأكثر، أيضاً كتاب في الفقه تعرفين من خلاله أحكام الطهارة وأحكام الصلاة؛ لأن هذه ضرورة وفرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ لأن بها تصح الصلاة، فإن النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

وأتمنى أن ترسمي لنفسك برنامجا يومياً محددا، وأن تضعي لك جدولاً كجدول المدرسة لا تتخلفي عنه بحال من الأحوال، وعليك فوق ذلك بالدعاء، فأكثري من الدعاء أن يردك الله للحالة التي كنت عليها، وأن يزيدك إيماناً وصلاحاً وتقىً، واطلبي من والديك الدعاء لك بأن يجعلك الله - عز وجل - من الصالحات، وأن يشرح صدرك لطلب العلم الشرعي والاستقامة على دينه، وأنا واثق بأنك لو التزمت بمثل هذه الأمور التي ذكرت فإنك ستعودين إلى ما كنت عليه، بل وستكونين أفضل، خاصة إذا مارست الدعوة العملية بدعوة أهل البيت أو زميلاتك أو غيرهنَّ إلى شيء من الالتزام بكلام الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واعلمي أن الدال على الخير كفاعله.

أسأل الله لك التوفيق والسداد والعودة إلى ما كنت عليه وزيادة في الطاعة والقرب من الله تبارك وتعالى.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً