الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رهبة الأماكن المغلقة وكيفية علاجها

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة أبلغ 21 سنة ملتزمة والحمد لله، منذ أربعة أشهر وأنا أعاني من رهاب الأماكن المغلقة والقلق، إضافة إلى عدم الذهاب إلى أي مكان بمفردي خصوصاً إذا كان بعيداً أو في الليل.. هذه المشكلة بدأت عندما زرت إحدى قريباتي فاستأذنت مني أن تحضر بعض الحاجيات من الخارج فأغلقت علي الباب وأخذت المفتاح معها، في ذلك الحين أحسست بعدم القدرة على التنفس والقلق، وما زاد الأمر تعقيداً أني كنت أود الخروج لكن كان الباب مغلقاً.

حينئذ أحسست بأني سأموت، عندما حل المساء اتصلت بمنزلنا وجاءوا لأخذي لأني لم أصبر للمكوث هناك، عندما وصلت ارتحت قليلاً ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني يومياً من الخوف وضيق في التنفس زيادة أنني لا أستطيع رؤية غرفة مغلقة حتى لو لم أكن داخلها، فتأتيني تلك الأعراض وأحس بأني سأموت، كما لا أستطيع أن أمكث في البيت مع إخوتي وأمي...وإذا ذهبت إلى مكان آخر فتأتيني أيضاً الأعراض.

الآن أنا مقبلة على الدراسة في مكان بعيد عن أسرتي لكن كيف وأنا في هذه الحالة إذ لا يمكن المبيت في منزل آخر غير منزلنا.

خلال هذه الفترة زرت طبيباً نفسياً أعطاني دواء لمدة شهر لكن لم أشف، ثم رجعت عنده وأعطاني Xanax0;5 بمعدل نصف حبة ثلاث مرات في اليوم وAnaframif25حبة واحدة ثلاث مرات لكن لم أتناوله بسبب شهر رمضان لأنه ربما سيسبب لي الإعياء، فما الحل؟ أرجوكم أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه من الواضح أنك تعاني – كما ذكرت – من الأماكن المغلقة ولديك أيضاً درجة بسيطة من رهاب الساحة وذلك نسبة لأنك لا تحسين بالطمأنينة حينما تكونين لوحدك قُرب الأماكن المغلقة.

المخاوف عامة هي مكتسبة ودائماً يمكن إرجاعها لأحداث حدثت للإنسان في مرحلة معينة من حياته، وربما تكون هذه الأحداث أحداث بسيطة أو شديدة ويستطيع الإنسان أن يسترجعها ويتذكرها كما في حالتك.

لا شك أنه في الأصل لديك الاستعداد للقلق وللتوتر، وهذا في نظري هو الذي جعل هذه الحالة تظهر بهذه الحدة وتسبب لك الإزعاج.

الأمر بسيط جدّاً وإن شاء الله لن يمنعك أبداً عن الدراسة، فهنالك علاجات نسميها بالعلاجات السلوكية وأخرى علاجات دوائية.

أما بالنسبة للعلاج السلوكي فأول علاج مطلوب في حالتك هو أن تمارسي تمارين الاسترخاء، فهنالك أشرطة وكتيبات توضح كيفية القيام بهذه التمارين، وأنت ما دمت قد قمت بزيارة الطبيب النفسي فلا مانع أبداً أن تطلبي منه أن يحوِّلك على الأخصائية النفسية حتى تقوم بتدريبك على هذه التمارين الاسترخائية.

وعموماً سوف أعطيك وصفة بسيطة لأحد هذه التمارين، وهي تعرف بطريقة (جاكبسون Roman jackobson)، وفي هذه الطريقة اتبعي الآتي:

(1) استلقي في مكان هادئ وفكري في أمر طيب كلحظات سعيدة مرت بك في حياتك، ولابد أن يكون المزاج مزاجاً استرخائياً، بمعنى أن تُطرد كل الهموم وكل مشاغل الدنيا عنك.

(2) اغمضي عينيك وافتحي الفم قليلاً ووضع اليدين على الجانبين وفي وضع استرخائي.

(3) خذي نفساً عميقاً وبطيئاً – وهذا هو الشهيق – عن طريق الأنف.

(4) اجعلي الصدر يمتلأ تماماً بالهواء حتى ترتفع البطن قليلاً.

(5) امسكي على الهواء في الصدر لمدة خمس إلى عشر ثوانٍ.

(6) ثم أخرجي الهواء – وهذا هو الزفير – عن طريق الفم بعمق وببطء وبقوة.

(7) كرري هذا التمرين خمس إلى ست مرات في كل جلسة بمعدل مرتين في اليوم.

هذا التمرين مريح جداً ويسبب الهدوء ويؤدي إلى الاسترخاء ويقلل من الشد العصبي الناتج عن المخاوف والقلق والضغوط النفسية.

بعد ذلك تأتي التطبيقات السلوكية الأخرى، وأهم هذه التطبيقات:

(1) عليك أن تحقري فكرة المخاوف، فقومي ببعض المقارنات وتذكري الناس الذين يجلسون في غرف لوحدهم، وتذكري أن هذا الأمر لا يستحق كل هذه المخاوف، والإنسان دائماً هو في حفظ الله، وسلي نفسك (لماذا أخاف، فمن الناس من يظل لوحده في غرفة لمدة طويلة وفي أماكن بعيدة دون أي مشكلة، فلماذا أخاف أنا) قولي لنفسك ذلك.

(2) قومي ببعض التمارين النفسية وهي أن تتأملي أنك في غرفة مظلمة أو أنك في المصعد في إحدى العمارات وتريدين الصعود إلى الطابق العاشر، وبعد ذلك تأملي بأن المصعد توقف ومن ثم أحسست بالقلق والتوتر ولكنك قمت بتصرف صحيح هو الاتصال بقسم الطوارئ، وبعد ذلك أتى عمال الطوارئ وقاموا بفتح المصعد.

عيشي هذا الخيال بقوة لمدة لا تقل عن عشرين دقيقة لمدة عشرة أيام، وتأملي أي نوع من المواقف المشابهة.

(3) من الضروري جدّاً أن تحاولي في منزلك أن تظلي في الغرفة لوحدك، فحاولي أن تغلقي الباب من الداخل ويكون المفتاح معك، أغلقيه لمدة دقيقتين وظلي داخل الغرفة ثم اخرجي، ثم بعد ذلك ادخلي مرة أخرى وقومي بالغلق، وفي هذه الحالة انتظري لمدة خمس دقائق، ثم اخرجي، ثم عودي وأغلقي عليك الباب بالمفتاح، وانتظري في الداخل لمدة عشرة دقائق، وهكذا تابعي هذا التمرين؛ فهذا نوع من التمرين التدرجي المساعد جدّاً، وحينما تحسين بالقلق والخوف عليك بأن تأخذي نفساً عميقاً وأن تتذكري أن فكرة الخوف هذه هي فكرة حقيرة ويجب ألا تكون معطلة بالنسبة لك.

يأتي بعد ذلك العلاج الدوائي، والأدوية التي كتبها لك الطبيب لا بأس بها، فعقار زاناكس Xanax هو عقار جيد ولكنه يعاب عليه أنه ربما يؤدي إلى التعود والإدمان، كما أنه يعالج الأعراض فقط ولا يعالج المرض في أصله وفي حقيقته، وعقار أنفرانيل Anafranil دواء جيد، ولكنه يسبب الكثير من الأعراض الجانبية مثل الشعور بالجفاف في الفم، وخمسة وعشرين مليجراما منه تعتبر جرعة البداية ولكن الجرعة العلاجية يجب أن تصل إلى مائة وخمسين مليجراما في اليوم.

وبناء على ذلك سوف أقوم بوصف علاج بديل وعلاج ممتاز ومعروف وهو الحمد لله متوفر في المغرب، وهذا الدواء لا يسبب أي آثار جانبية، فقط عليك الالتزام بتناوله بالجرعة الصحيحة وللمدة التي سوف أصفها لك، والعقار يعرف علمياً باسم (باروكستين Paroxetine) ويسمى تجارياً في المغرب بـ (ديروكسات Deroxat)، فأرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة عشرة مليجراما (نصف حبة) ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة ليلاً يومياً، واستمري عليها لمدة شهر، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى حبتين في اليوم، واستمري عليها لمدة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك قومي بتخفيض جرعة العلاج بمعدل نصف حبة كل شهرين حتى تتوقفي عن تناوله.

هذا الدواء علاج فعّال وهو دواء نستطيع أن نقول أنه سليم جدّاً وخالي من الآثار الجانبية، فقط ربما يسبب زيادة بسيطة في الوزن في الأسابيع الأولى للعلاج، ولذا ننصح بالتحكم في كمية الطعام وتجنب السكريات والأطعمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية.

بالتأكيد سيكون من الجميل أن تستشيري الطبيب الذي وصف لك الزاناكس والأنفرانيل، وأنا على قناعة تامة أن طبيبك - إن شاء الله تعالى – سوف يوافق على هذا العلاج الذي وصفته لك؛ لأنه يعتبر من الأدوية الفعالة والحديثة والأكثر سلامة.

ختاماً أؤكد لك أن الأمر بسيط جدّاً وسوف يتم علاجه تماماً، وأسأل الله لك الشفاء والعافية وأن يجعلنا جميعاً من عتقائه من النار وتقبل الله صيامكم وطاعاتكم، وكل عام وأنتم بخير.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً