الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما العلاقة بين انخفاض المستوى الدراسي للفتاة وتغير علاقتها بأمها؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا وأمي كنا شيئاً واحداً حتى فترة قريبة، ولكن من حوالي (4) سنوات بدأت تبعد عني، بل وعلاقتنا فقدت الاحترام المتبادل، على الرغم من أنني عندما كنت في سن صغير كانت تحترمني أكثر.

بدأت في التفرقة بيني وبين إخوتي، مع العلم أنني أكبر إخوتي، أنا لم أتغير في شيء إلا شيئاً واحداً، هو أنني كنت متفوقة في دراستي، ولكن منذ حوالي (4) سنوات انخفض مستواي، فهل هذا يعطيها الحق لتعاملني هكذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ساندرا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح ما بينك وبين أمك، وأن يرزقك برها، وأن يعينك على الوفاء بحقّها، وأن يعيد المودة والمحبة بينكما إلى ما كانت وأفضل مما كانت عليه.

وبخصوص ما ورد برسالتك فإني أرى - أختي الكريمة الفاضلة - أن عدم التفوق في الدراسة لا أعتقد أنه هو السبب الرئيس في فتور العلاقة بينك وبين والدتك وابتعادها عنك وعدم احترامها لك، قد يكون هذا أحد الأسباب، ولكن لا أعتقد أنه سبب كاف لذلك؛ لأن هذه القضية تأتي في أواخر القضايا التي تهتم بها الأم في علاقتها مع أبنائها، بل إنها عندما تشعر بأن أحد أبنائها بدأ مستواه الدراسي ينحدر أو يضعف تقف معه ولا تقف ضده، وتبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف وإلى هذا الانخفاض.

ولذلك أقول: لعل هناك أشياء أخرى أنت لم تذكريها، أو لم تشائي أن تذكريها أو نسيتي أن تذكريها هي السبب الجوهري، قد تقولين أنت شخصياً: أنا لا أعرف لماذا؟ أقول لك: ولماذا لم نسأل؟ هل هناك أحد أقرب إليك من أمك، فأنت أقرب إليها من أي أحد وهي أقرب إليك كذلك من أي أحد، بحكم أنها أمك وأنك جزء منها، ولذلك إذا عرف السبب بطل العجب كما يقولون، فهذا التغير لابد له من أسباب؛ لأن الله تبارك وتعالى قال هذا في القرآن الكريم: (( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ))[الرعد:11]، فإن موقف أمك الجديد الذي تشكين أنت منه الآن لابد أن وراءه أسبابا ودواعي، وأنت مطالبة بالبحث عن تلك الأسباب ودراستها دراسة متأنية.

قد تكون هناك أمور أنت لم تفصحي عنها أدت إلى هذا النفور وإلى هذا البعد وإلى عدم الاحترام وإلى التفرقة بينك وبين إخوتك، وأعتقد أن أمك ليست في كوكب آخر ابنتي، وإنما أمك قريبة منك في نفس البيت، فمن الممكن أن تطلبي منها جلسة خاصة بينك وبينها بعيداً عن إخوانك وأخواتك ووالدك إذا كان موجوداً، وتبدئي فتقولين: أنا ألاحظ كذا وكذا يا أمي، ما السبب؟ وتحاولي أن تتبسطي معها ولكن بدون عصبية وبدون نرفزة وبدون إساءة أدب وبدون رفع صوت، وإنما بالتواضع الجم وبالأدب الشديد؛ لأن هذه أمك التي أوصانا بها الإسلام ثلاث مرات وأوصانا بالأب مرة واحدة: (من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك).

فإذن ثلاثة أرباع البر حقها؛ لأن حقها علينا قطعاً أعظم من حق الآباء على الأبناء، ومن هنا أقول: جلسة كلها محبة وكلها احترام وكلها تقدير وعدم رفع صوت، ونسأل: ألاحظ أن هناك بعض التغير كالتفرقة بيني وبين إخوتي، فأنا أريد أن أعرف السبب، إذا كنت أنا المخطئة فأنا أعتذر. وقومي إليها وقبِّلي يدها وقبلي رأسها، ولا مانع أن تقبلي قدمها ترضية لها، وتقبيل القدم ليس بدعة، فإن كثيراً من الصحابة كانوا يفعلونه مع أمهاتهم، ولذلك لا حرج أن أقبل رأس أمي وأن أقبل قدمها أيضاً إذا وجدت في ذلك علاجاً، أنا واثق من أنك إذا سألتها بهدوء فسوف تخبرك.

أما بالنسبة للتفوق الدراسي فلماذا أيضاً أنت أصبحت بهذا المستوى المنخفض؟! قطعاً لهذا التغير أسباب، فقد تكون هذه الأسباب أمك تعلمها؛ ولذلك هي تقاطعك من أجلها وليس من أجل انخفاض المستوى، ولذلك أتمنى أيضاً أن تبحثي بأمانة وبصدق في تلك الأسباب التي أدت إلى انخفاض مستواك التعليمي، وأن تجتهدي في القضاء على تلك الأسباب حتى تتميزي، وأنت ما زلت تدرسين الآن وأمامك فرصة أن تكوني رقماً أو أن تكوني شيئاً.

فحاولي البحث عن تلك الأسباب التي أدت إلى الفرقة والنفور بينك وبين أمك، كذلك حاولي البحث عن الأسباب التي أدت إلى انخفاض مستواك، وضعي خطة للقضاء على تلك الأسباب بالكامل، حتى تصبحين متميزة رائعة تحققين رغبة أمك فيك، وتحتفظين بهذا الحب العميق الذي لا غنى لنا أبداً عنه؛ لأن هذه الحياة بعيداً عن عواطف الأم ومشاعرها كالصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء.

أسأل الله أن يوفقك في إدارة الحوار، وأن يجعلك مستمعة جيدة، وأن تستمعي إلى أمك وأن تقبلي نصيحتها وألا تعارضيها في الأمور التي هي أشبه ما تكون بالمسلّمات، وأن تتفاهمي معها، وأن تكسبي رضاها وودها.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً