الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علم النفس بين العضوية والنفسية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنا شاب حاصل على درجة بكالوريوس آداب في علم النفس -ولله الحمد-، أجد نفسي ملماً بعلم النفس والاتجاهات الحديثة فيه، ومشكلتي هي الصراع الفكري -إن صح التعبير- حول من الذي يؤثر على السلوك؟ هل هي العضوية أو النفسية، ولماذا نرى أن النفسية منفصلة عن العضوية، وإذا كانت أغلب الأبحاث والدراسات تؤكد بشكل حازم وقاطع أن العضوية والفسلجة هي الفاعل في السلوك البشري وبعد كل هذه الصراعات أجد نفسي أميل إلى جانب التفسير المادي وأقتنع به.

لكن مشكلتي هي التأهيل الدراسي الذي تلقيته في كلية الآداب، مع أني أرى أن علم النفس يجب عليه أن يدرّس في كلية العلوم، وخاصة حينما أتصفح مواقع كليات علم النفس في العالم الغربي خاصة في ألمانيا وأمريكا، أحبط كثيراً حينما أجد أن دراساتهم النفسية معتمدة على المختبرات العلمية، والتصوير الدماغي، والتجريب على الحيوانات، وهذا الشيء يجعلني أعتقد أن كل ما درسته وتحصلته هو بالأساس تاريخ علم النفس وليس علم النفس الحديث العلمي.

وأفكر حالياً بدراسة الطب؛ لأنه سوف يقربني أكثر نحو المفاهيم المادية والعضوية والتشريح والكيمياء الحيوية، والتي سوف تساعدني لفهم علم النفس بشكل معمق، ناهيك عن التدريب الإكلينيكي، فأرجو من المستشارين في الطب النفسي مساعدتي في حيرتي.

ولكم كل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الحاج الكامل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنني أتفق معك تماماً أن دراسة علم النفس تؤدي إلى الكثير من الصراع المعرفي والصراع الفكري، ومنشأ هذا الصراع هو أن النظريات التي يتحصل عليها الطالب في أيام الدراسة يجد نفسه من الصعب تطبيق بعض جزئياتها في الواقع الحياتي، وهذه النظريات أيضاً فيها ما ينفي النظرية الأخرى، وهذا بالطبع نوع من التناقض الذي يجعل الباحث المبتدئ في حيرة كبيرة، والأمر الثالث هو أن المنظومة القيامية الشخصية للإنسان تلعب دوراً كبيراً في استنباطه واستيعابه للعلوم النفسية، وهذا أيضاً ربما يكون سبباً في الصراع.

أحد المشاكل الأساسية والتي تفضلت بذكرها وهي أن علم النفس يُدرس في معظم أو كل الدول العربية في كلية الآداب، نحن مع احترامنا الكبير لكلية الآداب ولكن نعتقد أن من الظواهر الخطيرة جدّاً أن هذه الدراسات بوضعها الحالي تركز كثيراً على ما أتى في المدرسة التحليلية مثلاً أو المدرسة الإنسانية (لكار روجس)، وهذه المدارس نحن لا ننكر فضلها، هي جزء أساسي من التاريخ الذي من خلاله بُنيت ونشأت العلوم النفسية، ولكن معظم الذين التقيت بهم من المتدربين لدينا في القسم من خريجي كليات الآداب أستغرب جدّاً حين أجدهم يتحدثون كلهم عن الأنا والأنا العليا، وهذا كل الذي يشغلهم، وأنا لا أستطيع أن أقول أن هذه النظريات يجب ألا تدرس، ولكن قطعاً يجب ألا تستغرق جُلَّ وقت الطالب، فهنالك علوم متقدمة وهنالك علوم تجريبية، هنالك أبحاث وهنالك مختبرات يُعتمد عليها الآن.

وعلم النفس وحتى الطب النفسي يجب دائماً أن يوفق ما بين النظريات البيولوجية والنظريات النفسية، والآن وُجد أن الكثير من النظريات النفسية هي أيضاً لها منشأ بيولوجي لدرجة كبيرة، فعلى سبيل المثال: في حالة الوساوس القهرية وُجد أن العلاج النفسي السلوكي المعرفي المكثف يُؤدي إلى تغيرات إيجابية في الدماغ، وهذا أُثبت عن طريق فحص معين بوسائل الرنين المغناطيسي الوظائفي.

إذن هنالك تغير بيولوجي يحدث نتيجة لعلاج ليس بيولوجيا وليس عضوياً وليس كيميائياً، إنما هو علاج في المقام الأول نفسي، وأتفق معك تماماً في أن المقررات وطريقة تدريس علم النفس في الدول العربية يجب أن يُعاد النظر فيه، ويجب أن تُوضع أسس ومقررات جديدة لهذا العلم؛ لأن التطور الذي حدث فيه هائل، ولا أقول يجب أن نتحيز التحيز الكامل للمدرسة البيولوجية، هذا ليس بالصحيح، يجب أن نكون متسعي الأفق، يجب أن ننظر إلى الأمور بالمنظار النفسي والاجتماعي والبيولوجي والتحليلي وهكذا، هذا هو الأفضل.

وبعد ذلك -بعد أن يتخرج الباحث ويقوم بدراساته العليا وهكذا- يستطيع أن يحدد المسار الذي سوف يناسبه، لذا أنت تجد في أقسام الطب النفسي المحترمة تجد المتخصصين من ذوي اتجاهات وميول مختلفة، فأنا أذكر جيداً أنني في عام (1984م) عملتُ في إنجلترا مع أحد الاستشاريين واسمه (بيتر كلت)، هذا الرجل يُشار له بالبنان وعملتُ معه لمدة ستة أشهر كطبيب متدرب، لم أره يوماً واحداً يكتب دواءً - لم يكتب دواءً نفسياً - وكان يسمح لي أن أكتب الأدوية، قال لي: (لا، أنت الآن في مرحلة التدريب، ولابد أن تكتب الدواء حين ترى أن الدواء ضرورياً، ولكن أنا منهجي هو المنهج التحليلي النفسي).

إذن يجب أن يكون هناك نوع من المرونة في الأمر، وهذه المدارس لا بد أن تتقبل بعضها البعض، ولابد أن لكلٍ منفعتها ولكلٍ مجاله، والباحث الحاذق هو الباحث المتسع الأفق -كما ذكرت لك-، وأنا لا أنصح أبداً في مرحلة الطلابية أو بعد التخرج أن يتخذ الإنسان منهجاً واحداً، لا، هذا ليس صحيحاً، هذا يأتي بعد الدراسات العليا.

ولا شك أن المدرسة البيولوجية لا أقول يُعاب عليها، ولكن يُعاب على بلداننا أنها لا تُنفق على الأبحاث كما يحدث في الغرب؛ لأن العلم البيولوجي والعلم المختبري يتطلب إمكانيات مالية هائلة، وأما التدريس النظري فلا يحتاج إلى إمكانيات كبيرة مقارنة بالعلوم المختبرية التجريبية.

هذا أيضاً أرى أنه من الأمور الضرورية التي يجب أن ننتبه إليها، ولا أعرف إلى أي مدى سوف توفق في دراسة الطب، فأنا حقيقة لا أحبطك أبداً، هذه خطوة قد تكون جيدة والمثابرة من جانبك، ولكن لماذا لا تختصر الوقت وتقوم بدراسة الماجستير والدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي؟ وأعتقد أن هذا علم محترم وممتاز، ويمكن بعد ذلك أن يكون لك توجهاتك الخاصة فيما يخص الميول أو الرغبة أو المنهج الذي تريد أن تتبعه في هذا المجال، وختاماً نشكرك كثيراً على تواصلك مع موقعك إسلام ويب، وعلى ثقتك فيما يقدمه هذا الموقع، وكذلك أشكرك كثيراً على هذا الموضوع الذي طرحته ويستحق الاهتمام.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات