الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم القدرة على التعبير عند بعض الأطفال

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أهنئكم على الشكل الجديد للموقع، وجزاكم الله خيراً على ما تقدموه من خدمات رائعة ومفيدة، جعل الله هذه الجهود في ميزان حسناتكم.

عندي طفل عمره الآن 6 سنوات، تطوره اللغوي أقل من سنه، حيث لا يستطيع التعبير الجيد عن نفسه، ويستخدم بعض الكلمات غير المفهومة لنا، لكنه يفهمها، مثل أن يصف شكل الشيء ولا يعرف اسمه، علماً أننا في بلد أوروبي، وقد تعلم لغتهم بسرعة، لكن معلمي الحضانة يقولون نفس الشيء: إنه لا يعبر جيداً عن نفسه بهذه اللغة، كما أنه كثير الحركة جداً، وعنيف مع أقرانه، ويضربهم، ويقذف من يده الألعاب بدون سبب، وهو سريع الغضب، كما أنه بالبيت يحب اللعب مع أخته ذات الـ 3 سنوات، ولكن بعنف شديد ويضربها، وكذلك عنيف مع أخته الكبرى ذات 8 سنوات.

أيضاً هو الآن سوف يبدأ الدراسة، لكنه يرفض تماماً أن يكتب أو يتعلم مع أني ألاحظ أنه ذكي، فهو ماهر جداً بألعاب الكمبيوتر، وأحاول اختبار قدرته على حل المشاكل وأراه يتصرف جيداً، مع العلم أنه:

1ـ يتبول في فراشه لهذا العمر، ولم يحدث أن توقف في أي فترة من عمره.

2ـ بدأ الكلام في سن عامين، وكان عمره 3 سنوات ونصف عندما سافرنا للبلد الأوروبي.

3ـ أشعر من طريقه كلامه وتعبيره عن نفسه أنه أصغر من سنه بعام على الأقل، بل هناك من هم أصغر منه سناً بعامين وأراهم أفضل منه في الكلام والتعبير عن النفس.

4 ـ كان يبكي ويصرخ بشدة عندما يريد أي شيء ونرفضه ويستمر فترة طويلة يبكي، لكن توقف عن ذلك، كما أنه كان يجري في الشارع أمام السيارات ويعرض نفسه للخطر، وأصبح الآن جيداً جداً في هذا الجانب.

5 ـ إلى أن أتم 5 سنوات، كان لا يستوعب معنى حكاية أو قصة ولا يتابعني، ولا يفهم ما أحكيه، لكنه الآن أصبح يطلب مني أن أحكي له قصة عند النوم، ويفهم إلى حد كبير، ويتابعني وإن كان ما زال هناك قليل من القصور في هذا الجانب.

6 ـ ينام جيداً ولفترات طويلة، وليس لديه أي اضطرابات في النوم.

7 ـ كان لا يأكل جيداً، ولا يطلب الطعام، ولا يقول إنه جائع، لكنه الآن أصبح يأكل جيداً، ويطلب الطعام ويقول أنه جائع.

8 ـ قوي الملاحظة وذاكرته جيدة، ويستطيع لعب الألعاب التي تعتمد على الملاحظة.

أرجو أن توضحوا لي هل هو مصاب بمتلازمة فرط النشاط وضعف التركيز؟ وإن كان كذلك فهل هناك أدوية تفيد في حالته؟ وكيف أتعامل معه حتى لا يتأثر مستواه الدراسي؟

عذراً على الإطالة وأشكركم على سعة صدوركم لاستشارتي، وجزاكم الله خيراً عني وعن المسلمين أجمعين.

والله الموفق.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى تهنئتك على الشكل الجديد للموقع، ونسأل الله تعالى أن يحفظ لك ذريتك وأن يجعلهم من الصالحين الفائزين.

فإن هذا الابن -حفظه الله- لديه صعوبات في التعبير اللغوي، كما أنه سريع الاندفاع، وربما يكون قليل التركيز بعض الشيء.. هذه هي الأعراض الرئيسية، ومن الواضح أنه قد تحسن في أمور كثيرة فيما يخص تناوله للطعام، كما أن نومه ممتاز وأنه قوي الملاحظة، وبدأ الآن لا يعرض نفسه للخطر أمام السيارات في الشارع.

إذاً: الطفل من الناحية الارتقائية والمعرفية ينمو ويتطور بصورة جيدة، ولكن يبقى موضوع عدم القدرة على التعبير باللهجة الدارجة، فقد يكون ذلك راجع إلى الاختلاط اللغوي الذي حدث للولد، ونعرف أن الأولاد أكثر عُرضة للاختلاط اللغوي مما يُفقدهم التركيز الجيد، أما بالنسبة للبنات فهذا نادراً ما يحدث؛ لأن البنت دائماً أكثر فصاحة وأسرع في الكلام من الولد.

الاحتمال الثاني: أن بعض الأطفال يكون لديهم مقدرات طبيعية أو حتى فوق الطبيعية في كل شيء، مع إخفاق وضعف في مقدرات معينة، مثلاً من المصاعب الخاصة المحدودة هي افتقاد القدرة الجيدة على القراءة أو الهجاء أو المعادلات الرياضية، هذا حتى نشاهده عند بعض الشباب أو الكبار، هذا افتقاد لمقدرات معينة وتميز في مقدرات أخرى معينة، وهذا لا يعتبر علة أساسية، وغالباً يكون ذكاء هؤلاء الأطفال طبيعي، وحتى فوق المعدل الطبيعي، ويتم تعليمهم وتدريبهم على الجوانب الناقصة هذه، وذلك بالتكرار وبالتحفيز وبالتشجيع.

هذا الابن ربما ينطبق عليه شيء من هذا، أي أن مقدراته الكلامية فقط هي المضطربة أو الناقصة نسبياً، وهذا سوف يتحسن إن شاء الله بمرور الزمن ويتطلب التدريب والإكثار من الكلام معه ومنعه قدر المستطاع من اللغة الحركية.

لكن عامل كثرة الحركة الذي ذُكر في الرسالة وسرعة انفعاله ربما يكون أيضاً سبباً رئيسياً، والآن داء فرط الحركة موجود وكثير لدى الأطفال، وهذا الداء يتفاوت من طفل إلى آخر، فهنالك من يعانون منه بشدة بالغة، وهنالك من يصابون بدرجة أقل منه، والمقاييس التي يعتمد عليها الأطباء هي أن تكون كثرة الحركة في جميع المواقع والمواقف، بمعنى ألا تكون مثلاً خارج البيت فقط أو داخل البيت فقط، ويكون الطفل هادئًا وجيدًا في خارج البيت، يجب أن تكون في كل المواقف وفي كل المواقع، حتى حين يُحضر لنا هؤلاء الأطفال في غرفة الكشف نحاول دائماً أن نلاحظ حركتهم، وإذا كان هناك فرط في الحركة أمامنا، فهذا دليل قاطع على أن الطفل يعاني فعلاً من فرط الحركة.

الطفل إذا كان يستطيع أن ينتبه لشيء يجذبه انفعالياً كمشاهدة برنامج معين في التلفزيون، أو هكذا، هذا أيضاً يقلل من احتمالية أنه مصاب متلازمة فرط الحركة، على الأقل ليس النوع الشديد منها.

فأود أن تطبق هذه الأسس على الطفل، هل هو انفعالي وكثير الحركة في جميع المواقف؟ هل فعلاً نشاهد أنه لا يستطيع الانتباه؟ عصبيته وتوتره قد تكون جزءًا من هذا.. فإذا انطبقت عليه هذه الشروط فنعتبره من الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، وكما قلت لك هذه المتلازمة هي درجات ودرجات كثيرة ومختلفة، البسيط منها يختفي قطعاً بمجرد التشجيع والتحفيز وتجاهل التصرفات السلبية بقدر المستطاع، أما الشديد منها فيتطلب تناول أدوية، ويفضل تناول الأدوية بعد عمر السابعة.

هنالك عقار يعرف (ريتالين Ritalin)، وعقار آخر يعرف تجارياً باسم (كونسيرتا Concerta)، وعقار ثالث يعرف باسم (ستيراتيرا Strattera)، كلها أدوية مفيدة ومفيدة جدّاً لهؤلاء الأطفال، لكن هذه الأدوية لا تُعطى إلا تحت إشراف الطبيب المختص، أما الطبيب النفسي المختص بالأطفال، أو الطبيب المختص في أمراض الأعصاب لدى الأطفال.

فربما يكون من الأفضل الذهاب بالطفل وتقييمه لدى الطبيب المختص، وهنالك أمر آخر ضروري أعتقد أنه يجب إجراء اختبار لذكاء الطفل، فأنت ذكرت أنه ربما يكون متأخراً بعض الشيء، فإذا كنت ترين وملاحظتك جيدة أن عمره العقلي أقل من عمره الميلادي فهذا يجب أن يتم تأكيده أو نفيه عن طريق الأخصائي النفسي الذي يقوم بإجراء مثل هذه الاختبارات، ووجود تخلف عقلي ولو كان بسيطاً ربما يفسر الكثير من الأعراض التي ذكرتها، حتى التبول اللاإرادي يكثر لدى الأطفال محدودي المقدرات العقلية.

أرجو أن لا تنزعجي لما ذكرته، فالأمور تُؤخذ نسبياً في هذه الحالات، تأخر الذكاء البسيط لا يعتبر علة أساسية مطلقاً، وكل الذي يطلب في مثل هذه الحالات هو التركيز على تدريب الطفل وتكرار الأشياء له أكثر من غيره، وأن نتيح له الفرصة لأن يلعب مع بقية الأطفال، وأن نجعله يستفيد أيضاً من الألعاب ذات المميزات التعليمية، هذا كله يصب في مصلحة الطفل.

التبول الليلي -كما ذكرت لك- نشاهده لدى بعض الأطفال خاصة الطفل إذا كان غير مستقر نفسياً، والذي أنصح به في حالة ابننا هذا هو أن يُدرب بقدر المستطاع على حصر البول ومسكه في أثناء النهار؛ لأن ذلك يساعد في توسع المثانة.

أعرف أن ذلك قد لا يكون سهلاً، ولكن بتشجيع الطفل ومراقبته وأخذه إلى الحمام في أوقات معينة ونهيه عن الذهاب إلى الحمام لفترات أطول يجعله يتدرب إن شاء الله، ولابد أيضاً أن ندربه على الذهاب قبل النوم للحمام وأن يفرغ مثانته تماماً، ويجب ألا نعطيه الحليب والمشروبات المدرة بعد الساعة السادسة مساءً بقدر المستطاع.

هذا إن شاء الله كله يساعد الطفل، ولا داعي أبداً لأن نلجأ لاستعمال الأدوية في مثل هذا العمر.

الذي أنصحك به هو ألا يعامل الطفل معاملة خاصة، يجب أن تطبقي عليه كل الأسس التربوية المعروفة: التشجيع والتحفيز والترغيب، وتجاهل التصرفات السلبية، والتوبيخ في بعض الأحيان، ويجب ألا يميز على أختيه مطلقاً.

أعرف أنك مدركة لذلك تماماً، ولكن ذكرته فقط من قبيل التحوط والتذكرة، نسأل الله تعالى له العافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً