الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الزواج التقليدي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لماذا يريد مجتمعي لي أن أتزوج من شخص لا أعلم عنه سوى اسمه وعمره فقط لا غير، ورؤيته التي لا تتعدى بضع دقائق؟! وإن فشلت زيجتي لاحقاً وضعوا اللوم علي بحجة أنني رأيته رؤية شرعية .. فكيف لا تتفق طباعي معه ولا أجد فيه الحبيب والصديق والمؤنس، هل قلوبنا أصبحت مجرد عجينة نشكلها كيف، أردنا ونرغمها على حب من أتوا به على أنه زوج المستقبل وعريس الغفلة!
كيف أحب شخصاً بدوافع أن (راتبه طيب .. عنده بيت .. أخلاقه جيدة ...إلخ)؟
كيف أحب شخصاً أتى بأهله ليـفحصوا هل شكلي الخارجي لائق لأصبح زوجة له أو لا؟ هل أنا سمراء بيضاء ... نحيفه سمينة ... طويلة أم قصيرة؟ هل أنا (سيارة) ينظر لها وتفحص قبل شرائها؟ ويدعي لاحقاً أنه لم يتزوجني لمظهري ولا لجسدي؟
أُحرم طول عمري من الحب أو تجربته أو حتى الحديث عنه.. وفي غضون بضعة أشهر يطالبونني بحب من كان غريباً عني قبلها.. رؤية الجنس الآخر وإن كان من أقاربي محرم منذ صغري .. لم أتحدث قط لواحد منهم، ولم أعرف فيما يفكرون وكيف للحياة ينظرون، ويطالبونني بعدها بتسليم جسدي ومشاعري وروحي لواحد منهم والتوافق معه ومحبته.. كيف وأنا لا أعرف عنه سوى وجود جنسه في هذه الحياة.
الحديث عن العلاقة الحميمة كبيرة لا تغتفر، وبمجرد قدوم العريس يصبح الحديث عنها مشروع وواجب!

لا تنظروا لي على أنني مجرد مراهقة تعيش فورة مشاعرها، فقد مللت هذه النظرة، ولا تتهمني بأني أدعو إلى الانحلال والإباحية والاختلاط المحرم والصداقات والعلاقات مع الجنس الآخر، وأعلم جيداً أن استشارتي أقرب إلى الخواطر والبوح منها إلى الاستشارة، ولكن اعذروني.
وجزاكم الله عني كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ قنديل حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذا ما يريده دينك منك، ومن حقك وحقه النظرة الشرعية وهي بضع الدقائق التي ذكرتها، ومن حكمته جلت قدرته أن بهذه النظرة أحرى أن يؤدم بينكما، كما قال صلى الله عليه وسلم، ولك القرار بعدها، فليس لأحد أن يرغمك بأن تتزوجي من لا تريدين، هناك مقياس حدده لك الشرع (دينه وخلقه)، وتأتي الأمور الأخرى بشكل ثانوي ترتبط بتقديرك للأمور ونضجك العقلي.
حبيبتي: من قال أنك إذا وجدت فيه الصديق والحبيب والمؤنس أن زيجتك فيما بعد لن تفشل؟ ما هي البراهين والأدلة؟
انظري إلى الغرب وإلى الدول المتسمة بالانحلال الأخلاقي، كم يكون من الحب والعشق والأنس والغرام بين الجنسين لاسيما الشباب ... وبعدها تمتلئ الملاجئ بأطفال بلا أبوين، هذا نتيجة الحب والصديق والمؤنس قبل الزواج.
ابنتي: أهله حين جاءوا، قد لا يكون قصدهم (فحصك) على حد قولك، وإنما جاءوا إكراماً لك وتقديراً لأسرتك، وهذا هو العرف بين الناس.
ثقي حبيبتي أنك لو تزوجت بنوايا صالحة وكان قصدك إعفاف نفسك وإسعاد زوجك وإنجاب ذرية صالحة تكون خليفة الله على أرضه فستعيشين وتحققين الحب العفيف الشريف والحياة الكريمة مع شريك العمر، قال تعالى: ((وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً))[الروم:21]، لم يقل جل وعلا حباً، وإنما قال تعالى: (مودة ورحمة) والمودة أعلى من المحبة إضافة إلى الرحمة، هذا قول الله عز وجل ومن أصدق من الله حديثاً.

غاليتي: لا تتأثري بالأفلام والمسلسلات التي لا تراعي للأنثى كرامتها: ألم تسمعي في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، متى كانت العذراء ترضى أن تحب شخصاً ويكون لها مؤنساً وصديقاً وحبيباً وليس بينه وبينها ما يحلل هذه العلاقة ويسبب هذه المحبة.. هل استوعبت قدر هذا الحياء عند العذراء حيث يشبه حياء خير البشر عليه صلاة ربي وسلامه بحياء العذراء.

ابنتي: ليس عيباً أنك مراهقة، فهذه مرحلة تمر بها كل أنثى مهما رجح عقلها ولكن تختلف أنثى عن أنثى في نظرتها واتزانها ونضجها، فهناك من تفكر بعقلها، وأخرى تفكر بعواطفها ومشاعرها، ولا تقع أكثر المراهقات في الخطأ إلا بسبب انجرافها لعواطفها ومشاعرها.

إطلاقاً يا ابنتي لا يمكن أن أتهمك بهذه الاتهامات التي ذكرتها، فأنت أكرم وأحشم في نظري وحاشاك عن هذا الدنو وهذا الامتهان، أنت المسلمة الحرة الكريمة منبتك الستر والعفاف، ولكن قد ينقصك النضج وقلة الخبرة.

عزيزتي: أنا كوالدتك أنصحك نصح المحبة وأتمنى أن تقبلي نصيحتي، زني كل كلمة قبل أن تتفوهي بها، واعلمي أنك إذا نطقت بها لن تعود .. بل ستحسب عليك، انظري إلى نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه، حين أخذ صلى الله عليه وسلم بلسانه وقال (كف عليك هذا) أنا متأكدة أن ما بداخلك يختلف عن ما تفوهتِ به وأعطيت عن نفسك هذه الصورة التي لا تليق بفتاة مثلك.

نصيحة أخرى غاليتي - يشهد الله أني محبة لك - اتركي مشاهدة المسلسلات والأفلام فإنها لا تعطي إلا أفكاراً مغلوطة، وحاولي أن تتفقهي في دينك وشريعتك، وتتأملي محاسن هذا الدين وهذه الشريعة الغراء كيف تتوافق مع الفطرة البشرية، وكم كرمت المرأة ورفعتها من الانحطاط والذل والقهر، إلى الكرامة والمنزلة الرفيعة بهذه التشريعات وهذه القوانين، يا ابنتي فكري معي: هل هناك شريعة على وجه الأرض أو قانوناً أعز الأنثى ورفع قدرها هكذا؟
أسأل الله المنان الذي يعطي النوال قبل السؤال أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، وأن يريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، وأن يسدل عليك جلابيب ستره وعفوه وصفحه.
وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً