الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التغلب على خلق تذكر إساءة الآخرين وعدم القدرة على نسيانها

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري (30) عاماً، مشكلتي أني لا أستطيع أن أنسى الإساءة، فمثلاً: لو أخطأ عليّ أحد في الشارع فإني أظل في نفسي أتصارع مع هذا الموضوع، وقد يشدني عقلي إلى أنه حصلت وقائع مع هذا الشخص، رغم أن الموضوع انتهى بلحظته، وأظل أتألم سنوات على هذا الموقف، فما الحل؟!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فلا أعتقد أبداً أنك تعاني من مرض نفسي معين، الذي ذكرته من عدم مقدرتك على أن تنسى الإساءات هو نوع من الصفات المتعلقة بشخصيتك، وعدم التسامح يأتي من زيادة الانفعالات، أو أنه قد يكون حدث لك مواقف فعلاً يصعب تناسيها أو قد يصعب التسامح فيها، ومن ثم تكون لديك هذا الشعور الداخلي بعدم التنازل أو التسامح أو الصفح في أي موقف تحس أنه قد أسيء إليك.

الموضوع كله يتعلق بعلاقتك الإنسانية مع الآخرين، أنت محتاج لأن تفكر وتتدبر وتجلس مع نفسك جلسة نفسية صادقة تراجع فيها علاقاتك مع الناس عامة، وتراجع أيضاً هذه المواقف التي تجد أنه من الصعوبة عليك أن تتناساها، أي: مواقف الإساءات من قبل الآخرين، ويجب أن تتوصل إلى أن الإساءات التي قد تبدر من الآخرين تتفاوت في حجمها وفي طبيعتها وفي شدتها، وعليك أيضاً أن تكون متجرداً وصادقاً مع نفسك، وتتذكر ما هي ردود الأفعال التي بدرت منك وجعلت الطرف الآخر يتمادى ويستمر في إساءته: هل أنت ساهمت في هذا الأمر أم لا؟

هذا أمر ضروري؛ لأن محاسبة النفس أيضاً تؤدي إلى التراجع عن المواقف، تؤدي إلى التقليل من ردود الأفعال، وهذا لاشك أنه سوف يدفعك إلى تعلم الصفح والتسامح ومقابلة الإساءة بالإحسان، وكظم الغيظ هو من الصفات العظيمة ومن الصفات الجليلة التي أثنى عليها الحق عز وجل: (( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))[آل عمران:134].

فاجعل لنفسك مخرجاً من هذا التوتر الذي يأتيك حين تتصادم وجدانياً مع الآخرين، وذلك بتذكر أن الإحسان هو الأفضل، وأن التغاضي عن الإساءة هو الأفضل: (( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ))[الشورى:40]، (( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ))[الشورى:43]، فمقابلة الشر بالخير دائماً هو الأحسن، وأن تكظم الغيظ وأن تعفو هذا يُشكل عائداً نفسياً إيجابياً عليك، ولا شك أنه سوف يجعلك لا تهتم كثيراً بما قد يصدر من بعض الناس، ولا أريد أن أصفهم جميعهم بالسفهاء، ولكن قطعاً فيهم من يصل إلى هذه المرحلة.

وتعلم دائماً أن تقابل الناس ببشاشة، تقابل الناس بابتسامة، واجعل التسامح والإحسان شعارك الأساسي، هذا يجعلك - إن شاء الله تعالى – تتغاضى عن الكثير من المشاكل والإساءات، وعموماً: مثل هذه المشاعر التي تسيطر عليك غالباً ما تكون مرحلية، بمعنى أنها تكون ظرفية ومرتبطة بمرحلة معينة في العمر، بعدها يجد الإنسان أنه أصبح أكثر مواءمة مع ما يصدر من الآخرين.

وعليك أيضاً أن تتذكر المعاملة الطيبة التي تتلقاها من الآخرين، فالإساءة يقابلها الإحسان ويقابلها الثناء والاحترام من قبل الآخرين، تذكر الذين يعاملونك بهذه الطريقة، سوف تجد أنهم هم الغالبية الغالبة، ستجد أنهم أشخاص أكفاء وأصحاب خلق رفيع، حاول أن تتذكر هؤلاء حين يسيء إليك أي شخص؛ لأن تذكر الخير وتذكر السمات الطيبة التي يتحلى بها الآخرون تقلل كثيراً من الضيق الذي يأتي مما قد يصدر من تصرفات وسلوك غير مرضي من الآخرين.

بجانب ذلك أنصحك نصيحة خاصة ومهمة، وهي أن تشارك في أي نشاطات وأعمال اجتماعية خيرية؛ لأن العمل الخيري يبني في الإنسان قيماً جديدة، قيماً تقوم على التغاضي وعلى التسامح وعلى مساعدة الآخرين، وبتفهم الظروف التي تجعل الناس تتضايق في بعض الأحيان للدرجة التي تخرج عن طورها، والأعمال الخيرية تعلمك أن تجد العذر للآخرين، وهذه قيمة إنسانية نبيلة.

نصيحتي لك أيضاً أن تعبر عما بداخل ذاتك، فحين يدور بينك وبين أي شخص حوار وإذا بدر منه شيء لا يرضيك حاول أن تعبر عن ذاتك في حدود الذوق والإحسان، ذلك سوف يجنبك الكتمان؛ لأن الكتمان طاقة عاطفية سالبة جدّاً تؤدي إلى مثل هذه المشاعر التي تشتكي منها وأنت نفسك غير راضٍ عنها، إذن التعبير والتفريغ عن الذات هو علاج أساسي وضروري ومهم.

ونصيحتي لك أيضاً أن تمارس الرياضة؛ لأن الرياضة تمتص الطاقات النفسية السلبية، وقد تسألني: ما علاقة الذي تعاني منه بالرياضة؟
أقول لك: عدم التناسي وتضخيم الإساءات هي مشاعر نفسية وطاقات نفسية سالبة، وتؤدي إلى القلق وتؤدي إلى التوتر وتؤدي إلى عدم الشعور بالراحة، والرياضة من خلال تنشيط الدورة الدموية والمساعدة في إفراز بعض المواد التي تسمى باسم (إنكفلين Enkephalins) و(دينورفين Dinorphins) تؤدي إلى راحة نفسية كبيرة، والتخلص من كل الطاقات السالبة خاصة طاقات الغضب والقلق والتوتر، ولا شك أن عدم التناسي أيضاً للإساءات ينتج أيضاً من الغضب، فكن حريصاً على ممارسة الرياضة.

إذا كنت ترى أن هنالك توترات داخلية تعاني منها في الأصل، أنت ذكرت لنا هذه الجزئية، وهي أنك لا تنسى الإساءة، ولكني يشغلني كثيراً أنك ربما تعاني أصلاً من توترات وقلق داخلي وعدم ارتياح، إذا كان هذا هو الأمر فسيكون من الأفضل لك أن تتناول أيضاً أحد الأدوية البسيطة التي تساعد في امتصاص القلق والتوتر، الدواء يعرف تجارياً وعلمياً باسم (موتيفال Motival)، يمكنك أن تتناوله بجرعة حبة واحدة ليلاً لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى حبة صباحاً ومساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله، والدواء بسيط وسليم وفعال، وأنا حقيقة أكثر ميولاً لأن تجربه.

وختاماً: نشكرك على ثقتك فيما يقدمه (إسلام ويب)، وأسأل الله أن يجعلنا وإياك من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ام احمد

    جزاك الله كل خير رد رائع







    جزاك الله كل خير


  • فرنسا السلطانة

    مشكورين علي النصيحة

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً