الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ظاهرة السرقة عند الأطفال

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

لدي ولد عمره 13 عاماً، أحرص على تعليمه وتهذيبه، وأمنحه مصروفه اليومي مثل أقرانه، وأوفر له ما يريده حسب المقدرة، وعندما يطلب شيئاً مني أحاول أن ألبيه له، وعند عدم المقدرة أفهمه بأن ذلك لا قدرة لي به، ولا أشعر أنا أو والدته بأنه بحاجة إلى شيء، ومرة ذهبت إلى السوق وهم برفقتي في السيارة، وكان المبلغ الذي معي بسيطاً، مما جعلني أشعر بوجود نقصٍ في المحفظة، وعندها أعلمتهم بذلك من غير اتهام لهم، وعند الذهاب للبيت قال لي ابني بأنه وجد الدينار بجانب الكرسي، مما جعلني أشك به، وعند سؤاله عن قول الصدق اعترف بأنه أخذ المبلغ من جيبي، فسألته عن عدد المرات التي عملها معي ومع أمه، فقال ثلاث أو أربع مرات، ولم يعملها مع أحد غيرنا، فقمت بمعاقبته بالضرب لعدم إعلامي عن ذلك، ليس بسبب النقود؛ لأني أفهمته سابقاً بأن أي خطأ يعمله أن يعلمني عنه مهما كان، ويعفى عن العقاب؛ لكونه صغيراً وأريد أن أعلمه الصح من الخطأ، وأفهمته أن عقابه كان لعدم إعلامي عن الخطأ الذي قام به، علماً بأنه اعترف لي سابقاً بخطأ قام به وأعلمني عنه، إلا أنني لم أعاقبه عليه كونه أعترف لي به، وأخبرته بأن هذا العمل خطأ، وأن لا يعود إليه مرةً أخرى، أرجو منكم الإجابة كيف أتصرف معه حتى لا تصبح عادة عنده؟

مع احترامي وشكري لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / السائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً يسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلاً ومرحباً بك ، ونسأله جل جلاله أن يعينك على تربية أولادك تربيةً ترضيك عنهم، وتجعلهم قرة عين لك ولأهلك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك وإياهم للمتقين إماماً، وبخصوص ما ورد بسؤالك حول موضوع السرقة، فاحمد الله تعالى أن الأمر ما زال في بدايته، وأنك اكتشفت هذا الأمر في هذه المرحلة المبكرة، وأنصحك بدايةً بعدم تضخيم الأمر أو تهويله؛ لأنه حدثٌ بسيط وسوف يزول بحسن التصرف معه، ومعالجته بالطرق المناسبة، كما أنصحك بل وأحذرك من إطلاق هذه الكلمة البغيضة على ولدك ولو على سبيل المزاح؛ لأنك بذلك سترسخ هذا العادة الذميمة لديه، كما أحذرك من توبيخه أمام أحد مهما كان قربه، أو ذكر هذا الأمر أمامه، كذلك يجب عليك أنت وزوجتك البحث عن الأسباب التي أدت إلى تكرار هذا الفعل، مع العلم أن الأمر ما زال في غاية البساطة من فضل الله، وسأعرض أمامك مجموعةً من الدوافع والأسباب التي تؤدي عادةً لهذه العادة لتنظر فيها وتقيس وضعك عليها، ثم أذكر لك بعد ذلك بعض صور العلاج، مع التركيز على  أن هذا الأمر إلى الآن ليس مخيفاً، ولا يستحق منك مزيداً من الاهتمام، حتى لا تلفتوا نظر الولد إليه وأنتم لا تشعرون، وإليكم بعض وأهم الأسباب والدوافع: 

1- الجهل بمعنى الملكية:إن غريزة الاقتناء أو الامتلاك قوية عند كثير من الأطفال، إلى أن يتعلموا بخبرتهم أن كثيراً من الأشياء محرمة عليهم، غير أن الخوف من العقاب في بداية حياة الطفل هو العامل الوحيد تقريباً الذي يردعه عن السرقة، وعندما يمد الطفل يده ليستولي على ممتلكات غيره، إنما يمدها لأنه يجهل تماماً معنى أن يحترم ملكية الآخرين، فصغره لم يمكنه من التمييز بين ممتلكاته وممتلكات غيره، وهو أيضاً لا يدرك أن احترام ملكية الآخرين تعني ألا يحصل عليها أو يستخدمها إلا بإذنٍ من أصحابها، وقد يعود لذلك مرةً بعد مرة رغم التنبيه عليه؛ لأن هذا المعنى لم يرسخ عنده.ومثل هذا الطفل لا  يمكننا أن نعتبره سارقاً، ويكفي لكي نعوده على سلوك الأمانة أن ننمي فكرته على الملكية الخاصة والملكية العامة، وذلك بأن تخصص له أدوات خاصة يتناول بها طعامه، وأن تخصص له كذلك اللعب والكتب والأدوات التي يحتفظ بها في مكان يخصه وحده، في الوقت الذي نطالبه بضرورة الحفاظ عليها من التلف مع العناية بها. 

2- الحرمان والحاجة لسد الرمق، وهذه مستبعدة بالنسبة لولدك.  

3- الغيرة والانتقام، فقد يسرق الطفل من والديه إذا وجد أنهما انصرفا عنه وأهملا شؤونه، والسرقة هنا انتقامية كرد فعل لتجاهل الوالدين، وقد تكون نوعاً من التنفيس عن الغضب أو الحنق المكبوت. 

4- الرغبة في الامتلاك : قد يسرق الطفل شيئاً ما؛ لأن لديه رغبة ملحة في استخدام أو امتلاك الشيء المسروق، ومن هنا يتحتم على الآباء والأمهات توفير الأدوات والمقتنيات واللعب التي تروق لأطفالهم وتجتذب أبصارهم قدر الإمكان؛ حتى لا يلجئوا إلى السرقة بدافع الرغبة في الامتلاك. 

5- التخلص من المآزق:كثير من الأطفال يسرقون ليتخلصوا من مآزقٍ قد يمرون بها، فقد يقسو المعلم على أحد تلاميذه بالتأنيب أو التوبيخ كلما أخفق في أداء واجباته، أو في عدم سرعة فهمه للدرس، مما يسبب له مآزق سيئة كأن يضحك عليه زملاؤه بالصف مثلاً، فيحاول الطفل الخروج من تلك المآزق بشراء بعض الهدايا ليقدمها للمعلم لعلها تخفف من حدة التأنيب والتوبيخ، وإذا لم يجد الطفل المال الكافي لديه لشرائها فإنه يلجأ إلى السرقة، فقد يسرق إحدى مقتنيات أبيه ليقدمها هديةً للمعلم، أو يسرق بعض المال ليشتريها، وقد تجد هذه السرقة تشجيعاً إذا تقبلها المعلم شاكراً ممتناً، ثم أصبح المعلم بعد ذلك يتغاضى عن تقصير التلميذ الدراسي. 

6- الخوف من العقاب:مثلاً : أضاع الطفل علب ألوانه أو أحد دفاتره بالمدرسة، فيذهب إلى المنزل يشكو لأبيه أو أمه، فيأبى والده ويصمم على أن يحضرها من أي مكان، وقد لا يتوقف الأمر  عند هذا الحد، بل قد يهددانه بالعقاب الصارم إذا لم يجد الشيء المفقود، فيفكر الطفل في سرقة النقود اللازمة لشراء ما فقده؛ حتى لا يتعرض للعقاب الذي هدده به أهله، ثم يفاجئ  أهله بأنه وجد العلبة أو الدفتر المفقود، وبالتالي يزول خطر التهديد والعقاب، وبعد ذلك يتعلم الطفل أن السرقة قد تقي وتمنع أحياناً، وهذا ما ينبغي أن يحذره الآباء إذا ما فقد الصغار بعض أدواتهم، وأن يوجهوا أطفالهم بنوعٍ من المودة والحب متغاضين عن العقاب لأول مرة ، أما إذا تكرر الموقف مرةً أخرى فليتعرفوا على أسباب هذه الظاهرة.
 
7- التفاخر والمباهاة :يعاني بعض الأطفال من عدم امتلاك الأدوات واللعب التي يحبونها، إما لضيق ذات اليد، وإما لسوء  تقدير الأبوين بشأن توفير ما يحتاجه أطفالهم من أدوات ولعب، فيذهب الطفل إلى المدرسة أو زيارة بعض منازل الأقارب أو الأصدقاء فيشعر بنوع من الحسرة والألم؛ لأنه يرى بحوزة أصدقائه أو أقاربه  عدداً من اللعب لا يملك مثلها، ومما يزيد الأمر سوءاً أن يجد من رفاقه المباهاة والتفاخر بما يملكون، والسعادة الغامرة بهذه اللعب، فتدب الغيرة إلى قلبه، ويترسخ بداخله شعور بالنقص لفقده الأمل في اقتناء مثل هذه اللعب، ولا يجد أمامه مخرجاً أو مسلكاً سوى السرقة، فيهم بسرقة مثل هذه الأشياء من أصدقائه وأقرانه ليلهو بها ويتمتع بصحبتها، وعندما يسأله أبواه عن مصدر هذه اللعب فإنه يدعي أن أصدقاءه أهدوه إياها، أو لعله يسرق بعض النقود ويشتري هذه اللعب ويحتفظ بها، ولا شك أن هذا الطفل يعاني من شعور شديد بالنقص، ويشعر دائماً أنه دون مستوى أقرانه، ولذلك على الأبوين توفير ما يمكنهم توفيره من تلك الأدوات واللعب ولو من اللعب الرخيصة المتوفرة بكثرة.

8- التقليد والمحاكاة:يتابع الأطفال أو معظمهم باهتمام شديد ما يجري في عالم الكبار، خاصةً في محيط الأسرة، فنجد الطفل يستمع لأقوال والده ويحاول فهمها وترديدها، وقد يتحمس لها، والفتاة تبدأ في الاهتمام بما تردده الأم فتتابع أحاديثها بإنصاتٍ شديد، هذه السمات من شأنها أن تؤثر على الطفل، ويحدث أن تمتد الأم إلى حافظة نقود زوجها لتستولي ( في تكتم وسرية) على بعض النقود، فيراها الطفل دون أن تشعر بوجوده، ومهما يكن موقف الطفل فإنه يكون قد تأثر تأثيراً سيئاً بفعل أمه التي هي النموذج  والقدوة بالنسب له، وبمرور الوقت قد لا يسأل الطفل والده عما يريده من نقود، بل ستمتد يداه إلى حافظته ليأخذ منها ما يحتاج إليه، ثم تمتد يداه أيضاً إلى حقيبة أمه ليسلب منها ما يريد، وهكذا يصبح الطفل محترفاً للسرقة لا لشيء، وإنما لأن القدوة والنموذج قد رآها متلبسة بالسرقة فيقلدها ويحاكيها. 

9- أصدقاء السوء:إن الطفل يجد نفسه مشدوداً إلى أصدقائه، فيبدي ولاء ً وإخلاصاً لهم، ويكون على استعداد للتضحية في سبيلهم بكل ما يملك، ويكون سعيداً وهو يفعل ذلك، إن أصدقاء السوء هم أخطر ما يكونون على الأطفال الصغار، إذ يقع الطفل تحت تأثير الكبار منهم، وفي غفلة من الأبوين قد يسرق الولد بغية إرضاء هؤلاء الكبار، ولإثبات وجوده وذاتيته وقدراته على مجاراة هؤلاء الكبار، ولذلك لابد من تدخل الوالد في مساعدة الطفل في انتقاء أصدقائه. 

10- يحدث أحياناً أن يعيش الطفل في جو عائليٍ صارم، فيمنع من مخالطة أقرانه إمعاناً في فرض الحماية، أو ادعاء الخوف عليه، كخشية تعرضه للحوادث التي يظن أنها قد تصيبه من جراء ذلك، فيذعن الطفل لأوامرهما، ويمكث في المنزل دون شغل وقت فراغه بما يشبع ميوله، فيضطر في النهاية إلى السرقة كلما سنحت له الفرصة لشراء ما يروق من أشياء، أو يلجأ لسرقة بعض الألعاب من غيره. 

11- البيئة الإجرامية:قد يعتاد الطفل السرقة أحياناً؛ لأنه قد ينشأ في بيئةٍ إجرامية عودته السرقة وشجعته على الاعتداء على ملكية الغير، خصوصاً حينما يشعر الطفل بنوعٍ من الظفر والقوة، لا سيما حينما يفلت من العقاب، ومما يدعو للأسف أن هذا السلوك الذي يكتنف الطفل في الصغر سرعان ما يتطور ويتحول إلى سلوك إجرامي في الكبر؛ لأن البيئة شجعته على السرقة.

وأخيراً: كيف نقي أولادنا داء السرقة؟ 

1- غمر  الأطفال بالدفء العاطفي، والحب والأمان، والتوازن  في المعاملات، والمرونة في التربية، فهذه تساعد الطفل على الوقاية من الانحراف السلوكي. 

2- توفير ضروريات الأطفال من ملابس خاصة، وأدوات لعب؛ حتى لا يشعروا أنهم أقل من الآخرين فيلجئوا إلى السرقة لتعويض النقص. 

3- حماية الطفل المفرطة والمبالغ فيها تساعد على السرقة، فلذلك يجب أن ننمي فيه الحس الاجتماعي للاندماج وسط جماعة، سواءً في المنزل أو الحي أو المدرسة. 

4- احترام الملكية الخاصة للطفل شيء ضروري ومهم، ومن هذا المنطلق لابد أن نعلمه كيف يحترم ملكية الآخرين. 

5- مداومة التوجيه والإرشاد، وغرس القيم الدينية والأخلاقية في وجدانه، مع تقديم النموذج والقدوة الطيبة أمامه. 

6- كل طفل ينمو تكون لديه طاقة ذهنية وجسمانية هائلة، يجب أن نستغلها ونوجهها إلى مشاركته في  الأنشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية.  

7- يجب ألا نسرع بإلصاق التهمة بالطفل قبل التحقق من ذلك، وأن نناقشه بموضوعية وهدوء، وأن ننصره بمواطن الصواب والخطأ.

8- لا بد من دراسة الدوافع التي  دفعت إلى السرقة، فهل السرقة عابرة أم متكررة؟ وهل هو يقلد الآخرين؟ وهل الدافع هو تعويض عما فقده من الحب والحنان والرعاية؟ أدرس هذا، وستوفق في مساعدة ولدك -بإذن الله-.

مع تمنياتنا لكم بالتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً