الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية التأني في اختيار شريك الحياة

السؤال

السلام عليكم.

راسلتكم وكلي أمل أن أجد عندكم ما يطمئن قلبي، ولا تدرون كم أنا في حاجة ماسة إلى من يأخذ بيدي إلى الطريق الصحيح الذي يرضي الله -سبحانه وتعالى-.

أنا فتاه أبلغ من العمر 17 عاماً، ملتزمة والحمد لله، وأحسب ذلك عند الله تعالى ولا أزكي نفسي على الله جل جلاله، هدفي في الحياة هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، وكل آمالي وطموحاتي تنطلق من هذا الهدف، وأسأل الله سبحانه وتعالى الثبات والقوه، سأبدأ الآن بذكر السبب الذي دفعني لطلب المساعدة منكم واستشارتكم بما يعود علي بالنفع بإذن الله تعالى، أنا أحببت شاباً من أقربائي حباً خالصاً لوجه الله تعالى، وقد بين لي ذلك الشاب نيته بالزواج بي، وهو إنسان ملتزم -والحمد لله- يخاف الله، وهذا الشيء هو ما أراه بأم عيني، وما أسمعه من ذوي الثقة والحمد لله، وأدعو الله له الثبات والهداية، وأرى فيه الزوج الصالح وأتمناه بكل ما أملك، أقسم لكم أني لا أفكر مجرد التفكير أن أغضب الله سبحانه وتعالى مع هذا الشاب، وحبي له زادني تقرباً لله عز وجل،كنت أتكلم مع ذلك الشاب وهو أيضاً وكان حتى في حديثه معي في قمة الأدب، ولكن لا أنكر أنه كان من خلال حديثه وحديثي معه أيضاً نظهر ما نبطنه من مشاعر حب.

ولأنني أخاف الله -سبحانه وتعالى-؛ ولأن مشاعري طاهرة تجاه هذا الإنسان قررت أن نقطع اتصالنا وأيدني، وبين لي هو أيضاً أنه يريدني بالحلال ولا يرضى لي ولا لنفسه أن نغضب الله في حديثنا، وأن نلوث تلك المشاعر الطاهرة، هو يريد إتمام دراسته والعمل، وبعد ذلك سيتقدم بإذن الله لخطبتي، وقبل ذلك لا يستطيع أن يتقدم لخطبتي، وأنا ذكرت لكم أنه من أقربائي، ولذلك أنا أسمع أخباره من أهله وأسرته لأنهم قريبين منا وغير ذلك، لا يكون بيننا اتصال مباشر وهذه يفرض علينا أن نصبر إلى أن يجمعنا الله كزوجين صالحين -بإذن الله-، ولكن أريد أن أبين لكم أني لم أعط ذلك الشاب وعداً بشيء؛ وذلك لأنني شعرت أنه لا يجوز لي أن أعده بشيء (مع العلم أنني في قرارة نفسي مقتنعة وواثقة فيه) ولكنني قلت له: إنه مثل أي إنسان ممكن أن يتقدم لفتاة وإذا كان لنا نصيب ورأيت فيه الشاب الصالح سأوافق عليه عندما يتقدم لخطبتي، ولكنني قبل ذلك مثل أخته.

لا أستطيع أن أنكر أنني أشتاق له وأحتاجه، ولكنني لا أستطيع أن أغضب الله تعالى، وأنا واثقة أن الله تعالى سيجلب لي الخير ويرزقني، وأملي في الله وثقتي هما زادي، وكما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، [الطلاق:2-3].

أقسم لكم أني أتألم ولكني أجد مع ألمي هذا لذة؛ لأن ألمي هذا في سبيل الله، وأدعو الله أن يعوضني خيراً.

عندي مشكلة وهي أنني أخاف أن أقصر في واجباتي تجاه الله خوفاً من عقاب الله، وأيضاً أخاف أن يحرمني الله من هذا الإنسان فهل يجوز لي التفكير بهذه الطريقة، أي أن أتقرب إلى الله وأحرص على طاعته طمعا في أن يجعل ذلك الشاب الزوج الصالح لي؟ مع العلم أن هدفي الأساسي هو رضا الله عني؟ أرجوكم أفيدوني.

وهل في دعائي أن يجعل الله ذلك الشاب الزوج الصالح لي ويجعلني الزوجة الصالحة له لكي يعين بعضنا بعضاً على طاعة الله وحسن عبادته، ويجعلنا من نصيب بعضنا في الدنيا والآخرة، هل في دعائي هذا شي؟

وختاماً: أريد أن أخبركم أني صليت استخارة، وأنا لا أعتمد على الأحلام في صلاه الاستخارة، ولكني رأيت حلماً سألت في تفسيره قالوا لي: إن الحلم يعني أن هذا الشاب يتطهر ونحسبه عند الله صالحاً وأن الله سيستر عليك.

وكان آخر كلامه لي أنه نصحني ونصح نفسه بالصبر وقال لي: ثقي بالله وليكون أملك في الله كبير وثقي بي أنا العبد الفقير لله.

وبإذن الله، سيختم صبرنا على خير، وأن الله تعالى لا يخذل عباده المؤمنين، وإذا سألتموني هل أنت متأكدة من مشاعر هذا الإنسان؟ سأقول لكم: إنني أشعر بحبه وكل مواقفه تدل على صدق مشاعره، ولا أكاد أن أشك في ذلك، وحتى لو في يوم من الأيام تغير هذا الشاب أنا عندئذ ما سأكون خسرت شيئاً؛ لأني لم أعطه شيئاً من كرامتي كفتاة مسلمة -والحمد لله-، ولكن من يخاف الله أنا لا أخاف منه، وكل ثقتي هي بالله تعالى، وأن الله قادر أن يجمعنا، ولكن أنا لا أستطيع منع نفسي أن تتمناه وترجوه الزوج الصالح.

أرشدوني وانصحوني، أنا أرجو رضا الله تعالى، هل كل ما فعلته صحيح، ساعدوني أثابكم الله، ولا تنسوني من الدعاء، وآسف على الإطالة، وجزاكم الله خيراً.

أرجو الإسراع بالرد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الأخت السائلة، اعلمي أن حسن اختيار الزوج لزوجته من الواجبات التي أمر بها الإسلام؛ وذلك لحمل أعباء الرسالة وإمداد الأمة بأجيال مسلمة تحمل الأمانة وتنشر نور الإسلام، ومن هنا يقول عليه الصلاة والسلام: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله) فالأساس الذي تبنى عليه سعادة الفرد بعد تقوى الله زوجة تعين على الخير وتجلب لزوجها الأنس والسرور في خلية مؤمنة ترفرف عليها المودة والتعاون والوفاق.

وفي المقابل رغب عليه الصلاة والسلام في الزوج الصالح وحذر من عضله وعدم تزويجه: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه، قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه "ثلاث مرات").

فالبيت المسلم قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق ولا يستعصي على مهاجم.

ولهذا لا بد من التأني في حسن اختيار الزوج، ولا بد من تقديم شرط الدين والخلق الحسن والمنبت الطيب الزاكي، ولابد من الارتفاع فوق شروط المادة ومغريات الأرض وجواذبها، ولابد من تحكيم الشرع بعيداً عن الأهواء والنزوات.

وأنت تقولين: إنك قد استخرت الله تعالى، وإذا اطمأننت لهذا الشاب فما عليك إلا أن تصبري وتنتظريه حتى ينهي دراسته، ويأتي ويتقدم لك -إن شاء الله تعالى-، ويدخل البيت من بابه الواسع، واعلمي أن كل شيء بقضاء الله وقدره، فأكثري من الدعاء والصلاة حتى يوفقك الله ويرزقك الزوج الصالح الذي يعينك على أمور دينك ودنياك.

وليس في دعائك بأن يرزقك الله هذا الزوج الصالح شيئاً، ولكن اعلمي أن كل شيء بقضاء وقدر، فإن لم يكن من نصيبك، فليس هو إذن خير لك.

وفقك الله لكل خير، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً