الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما هي طريقة تربية المراهق ورفع معنوياته؟

السؤال

السلام عليكم.

ابني تربى يتيماً في بيت جده وجدته، عانيت في تربيته كثيراً حيث إنه لا يتحمل أي مسئولية أبداً، واتكالي في جميع أموره، كنت أمارس أنا وأخواله معه دائماً التهزيء أو الضرب تجاه تصرفاته؛ حيث كان يتفنن في أذية الغير، ومهمل في دراسته، ومقصر في صلاته، وكان جده هو الوحيد الذي يدللـه ويتلطف معه؛ لأن به مرضاً في قلبه فيعذره على سلوكياته مما جعله يستعلي على أمه وأخواله ولا يستمع لهم ويعذر نفسه بأنه صغير ومريض.

ومشكلتنا الآن الكبرى عدم اهتمامه بالصلاة رغم أنه بلغ، فلا يصلي في المسجد إلا بالقوة وإذا فاتته الصلاة فإنه يؤديها بتكاسل وبدون أي اهتمام وكذلك بدأ يرفع صوته على أمه ولا يحترمها، ورغم بلوغه إلا أنه لا يصاحب إلا الأطفال، وبالنسبة لدراسته فإن مستواه الضعيف فيها هي السبب الأول في ضربه وتهزيئه على الإهمال فيها، وعموماً قد عاملناه باللين في أوقات متفرقة إلا أنه كاره للدراسة.

فنرجوا من سعادتكم التكرم بتحليل شخصية إبني، ومن ثم إرشادي للتعامل معه مع العلم أنه توأم لأخت ذكية ومبدعة في دراستها، ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت /أم جهاد حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك.

أختي الكريمة، نشكرك على هذا الاهتمام بهذا الأمر، وأذكرك بأن الله وصف الأخيار في كتابه فقال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان:74]، وأوصيك بالصبر والدعاء والتضرع إلى الله ودعوة الوالدة مستجابة بإذن الله.
وأرجو أن لا تظهري عجزك أمام هذا الإبن فهذا خطأ تقع فيه الأمهات حين يجتمعن فتقول المرأة: هذا الابن أتعبنا ولسنا قادرين عليه، فيسمع هذا وينتفخ ويشعر بالبطولة الكاذبة.

والتربية في كنف الأجداد لها إيجابياتها، فهي تتيح تواصل الأجيال وتكسب الأبناء خبرات في الحياة، وتدريبا على معاني الشفقة والمروءة وحب الخير للآخرين، ولكن بالمقابل علينا أن نتفادى سلبياتها ومنها:
1) الدلال الزائد عن الحد المعقول.
2) تشكيل حماية وحصانة للطفل لو أخطأ، فالجد لا يرضى أن يعاقب هذا الطفل وهذا يشجعه بكل أسف على التمادي في الأخطاء.
وابننا هذا تربى عند أجداده، وكان يتيماً أيضاً وهذا يعقد المسألة، فمجتمعنا يتعامل مع الأيتام بجرعات كبيرة في العاطفة، وقصدنا أن نعوضهم عن الحنان الذي فقدوه، ولكن هذا أمر له خطورته، وهذا الذي يعلم اليتيم الاتكالية، ويجعله مع صغره سيداً مطاعاً، ويحرمه من ممارسة الحياة بنفسه، ونحن نردد يتيم مسكين اتركوه فيستمرئ في هذه الحالة، ويركن إليها.
وليس الاستهزاء هو العلاج؛ لأنه يحطم الطفل ويفقده الثقة نفسه، ولعل هذا من أسباب تهربه من مواجهة المجتمع وحضور الجمع والجماعات.

وكون هذا الطفل يؤذي الأطفال فهذه محاولة منه لفرض شخصيته وتعويض للنقص الذي أشعرناه به، ونوع من الحقد على الناجحين من أقرانه ولا يجوز المقارنة بين طفل وآخر إلا إذا راعينا جوانب التفوق عند كل منهما، أما أن نقول هذا ذكي وأنت بليد غبي فهذا خطأ كبير جداً.

والعدوانية من أسبابها وجود الحماية والحصانة التي ذكرناها من قبل، أما الضرب فهو وسيلة مهمة في التربية ولكنها تستخدم في إطار ضيق جداً، وهي مفيدة شريطة أن تصادف وقتها المناسب وطريقتها المقبولة شرعاً، ومقدارها المناسب للجرم، وأن تكون بعد مراحل عديدة من التعليم والتنبيه والتعنيف والتهديد، وتعليق السوط، فإن لم يجد هذا كله استخدمنا العصا.

ومن الضروري كذلك أن تتفقوا على منهج موحد للتربية أما أن يكون مدللا عند جده وتشددون أنتم ويستهتر به آخرون، ويبدو أن بعضكم كان يقول: دعوه فإنه مريض صغير، وهذا يجعل الطفل يخطئ ثم يحتمي بمن يسمعه مثل هذا الكلمات، والعقل يقتضي أن نعلم أن الصغير لا بد من تعليمه بحزم، والمريض لا بد من الشفقة عليه ولكن ليس على حساب ثوابتنا وقيمنا وتربيتنا.

أما مصاحبته للصغار فدليل على أنه لا يحب أقرانه لأنكم أشعرتموه بأنه أقل منهم فهم ناجحون وهو راسب، فهو يريد أن يعوض عن هذا الشيء بمصاحبة الصغار ودليل أيضاً على حب الظهور والسيطرة والرئاسة، لكي يعوض ما يجده من إذلال واحتقار.

أما عدم اهتمامه بالصلاة، فعلينا أن نشجعه ونصطحبه إلى بيوت الله ونستخدم معه اللطف حتى يعود إلى هذا المجتمع الذي هرب منه، وقد نحطم شخصية أطفالنا دون أن نشعر إذا استهزأنا به وضربناه واحتقرناه، ومفيد جداً أن نحتفي فرحا بحضوره لصلاة الجماعة.

والخلاصة: علينا أن نتبع هذه الخطوات:
1) بناء ثقته بنفسه وذلك بتشجيعه وبناء الجوانب الإيجابية وهذا منهج نبوي صادق (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)، وعلينا أن نتذكر أننا سوف نتخلص من كل خلق سلبي مع كل جانب إيجابي يكسبه.
2) الاتفاق على منهج موحد في التربية.
3) محاولة الثناء عليه أمام الناس والأخذ بيده.
4) عدم حل الواجبات المدرسية له، وتدربيه على تحمل المسئولية.
5) عدم المقارنات السلبية بينه وبين أخته وأقرانه، ولكن لا بأس أن نقول أختك ممتازة في دروسها، وأنت ممتاز في صلاتك وعبادتك، ولابد من مراعاة الفروق الفردية، فقد لا يوفق الطفل في دراسته، لكنه يصبح تاجراً ناجحاً أو جندياً مخلصاً، فالله قسم الأرزاق والمواهب سبحانه.
6) الحرص على نصحه بعيداً عن الناس، ونتجنب نصحه أمام أقرانه والناس كأن يأخذه عمه إلى السوق وينصحه في الطريق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس يا غلام إني أعلمك كلمات... إلخ، ثم يشتري الحاجات ويجعله يحمل معه ويعوده على الحرص على أمتعته، فإذا جاء وقت الصلاة يقول له: ردد مع المؤذن، ثم يقول: هيا إلى المسجد فلا بركة لعمل يؤخر عن الصلاة.

ونسأل الله أن يصلح لنا ولك الذرية هو ولي ذلك والقادر عليه سبحانه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً