أخذت أموالا من الدولة لا تحل لي وبنيت بها بيتا فما السبيل للتوبة؟

2011-11-23 10:49:05 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،،

أنا مقيمة في بلد أجنبي، ومنذ فترة طويلة قمت بشيء، وقد ندمت عليه، حيث إن صديق زوجي له شركة في هذه البلد، وأعطانا أوراقا تقول: إني قد اشتغلت عنده كي أحصل على راتب من الدولة، وهذا غير صحيح، وأضاف أننا قد قمنا باستغلال هذا المال ضمن نفقات بناء بيت لنا في بلدنا الأصلي.

أنا ندمت الآن ندما شديدا، ولا يمكننا بيع البيت أو هدمه.

فما الحل يا شيخ كي تقبل توبتي؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم إبراهيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك صلاحًا وتقىً، وهدىً واستقامة، وأن يتقبل توبتك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - فإنه ومما لا يخفى عليك أن الله تبارك وتعالى حرّم أكل أموال الناس بالباطل، حتى وإن كانوا على غير الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم -كما تعلمين- كان يُسمّى في مكة قبل الإسلام بالصادق الأمين، وكان أهل مكة يودعون عنده الأشياء النفيسة, والغالية والثمينة، فكانوا يضعون عنده أموالهم وذهبهم وحُليّهم وكل ما يحبون ويخافون عليه، ومن هنا سمّوه بالصادق الأمين.

ولما أذِن الله تبارك وتعالى له بالهجرة - وأهل مكة -كما تعلمين- ناصبوه العداء واضطروه إلى أن يخرج من مكة, بلد الله الحرام, أحب بلاد الله إلى الله, وأحب بلاد الله إلى نبيه ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

كان من الممكن أن يقول: بأن هؤلاء كفارًا فجّارًا أخرجوني من بلدي, فلا مانع أن أصادر هذه الأموال, وأن آخذها معي, ولن يعلم بذلك أحد، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم سيخرج محفوفًا بعناية الله ورعايته، ويعلم أنه سيصل آمنًا مطمئنًا إلى المدينة، ولكن لأن هذا الموقف لا يتناسب أبدًا ولا يتفق مع مبادئ الإسلام العظيمة، وكّل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يؤدي الودائع إلى أصحابها، بل لعل من أهم أسباب بقاء عليّ رضي الله عنه في مكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم, حتى يرد الودائع لأصحابها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بإخباره بالودائع وأصحابها, وأهلها, وقيمتها، فلما كان الصباح -عقب هجرته صلى الله عليه وسلم- قام عليٌ رضي الله عنه برد الحقوق إلى أصحابها.

هذا هو الإسلام، وكونك تعيشين في هذا البلد الأجنبي, وأهل هذا البلد يعاملونك بالمعروف, ويعاملونك بالإحسان، فتحوا لكم بيوتهم، وأطعموكم من طعامهم، وعلَّموكم في مدارسهم، وآووكم في بلادهم، هل من المعقول - بالله عليك - أن يكون الجزاء أننا نسرق أموالهم, وأننا نكذب عليهم؟!

هذا قطعًا لا يتفق بحال من الأحوال مع الإسلام, وقيمه, ومبادئه العظيمة التي تقوم على الوفاء, وعلى حفظ الحق، وعلى تقدير أصحاب الفضل والإحسان إلينا.

ومن هنا فإني أقول - أختي الكريمة الفاضلة - : أحمدُ الله تعالى أن شرح صدرك لمعرفة الحق، وأنك على استعداد الآن للتوبة النصوح؛ لأن هذه الأموال يقينًا أموال محرمة, لا يجوز لك بحال أن تأخذينها، خاصة بهذه الطريقة التي قامت على التزوير والكذب -كما ورد في رسالتك-.

ومن هنا فإني أقول - بارك الله فيك - : مما لا شك فيه أنكم لا تستطيعون هدم البيت, أو بيعه الآن، ولكن تستطيعين أن تدفعي هذه الأموال للدولة الآن, ولو في صورة أقساط.

الأموال التي جاءتك قطعًا معلومة المقدار، فأنت تعلمين كم من الأموال الذي أخذتها بهذه الطريقة، وبذلك عليك أن تتفقي أنت وزوجك على أن تردوا هذه الأموال للدولة، ولو بصورة أقساط، ولو شهريًا، وأن تكون لكم النية على أن تُدفع هذه الأموال، ولذلك في أي مصلحة من مصالح الدولة تستطيعون أن تردوا هذه الأموال.

وأعتقد أن الأمر ليس صعبًا، فكما تحايلتم أنتم لأكل هذه الأموال، أعتقد أنكم تستطيعون أيضًا أن تجدوا ألف وسيلة ووسيلة لرد الأموال لأصحابها.

ومن هنا فإني أرى - أختي الكريمة أم إبراهيم - أن تردوا هذه الأموال، إما دُفعة واحدة إذا كانت متوفرة لديكم، وإذا لم يكن المال كله متوافرا لديكم الآن فمن الممكن أن تكون في صورة أقساط تُدفع للدولة في أي مجال من المجالات, ما دامت هي أموال الدولة, فهي تدفع للدولة في أي مجال من المجالات، وفي أي مشروع من المشاريع، شريطة أن تعود فعلاً إلى ميزانية الدولة العامة.

بذلك تكونين قد تُبت إلى الله توبة نصوحًا؛ لأن من شروط التوبة رد حقوق العباد, ورد المظالم لأصحابها، فلو أن إنسانا الآن أكل مال إنسان وأراد أن يتوب نقول له: ردّ المال لصاحبه أولاً؛ لأن هذا من شروط التوبة، فشروط التوبة أربعة، ثلاثة من حق الله تعالى، وواحدة في حق عباد الله تزيد شرطًا رابعًا، وهو رد المظالم إلى أصحابها.

فعليك - بارك الله فيك - أولاً بالتوقف عن مثل هذه الأشياء،
وثانيًا: عليك بالندم على فعلها.
وثالثًا: عليك بعقد العزم أن لا تعودي لمثل هذا الأمر أنت ولا زوجك.
ورابعًا: عليك أن تردي هذه الأموال إلى الدولة، وبذلك -إن شاء الله تعالى- تكون توبتك توبة نصوحًا، مع الإكثار من الاستغفار والتوبة, وإظهار الندم لله تعالى؛ لأن الذي حرّم أكل أموال الناس بالباطل إنما هو الله.

أسأل الله أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يعينك على أداء هذه الحقوق لأهلها، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net