أشيروا عليّ زوجي يفعل المعاصي، ويرافق السيئين.

2012-03-06 08:17:27 | إسلام ويب

السؤال:
أنا امرأة متزوجة وعمري 52 عامًا، ومنَّ الله علي بأبناء وبنات أعانني الله على تربيتهم التربية الدينية، فأصبح يشهد لهم بالدين والخلق ممن حولهم، أما زوجي فكان في واد آخر: يفعل المعاصي، ويرافق السيئين، وباختصار تحملت الكثير معه من أجل أولادي وبيتي، لكني كنت حادة الطباع معه، أواجهه بما يقترفه من معاصٍ، وأمسك عليه الشرائط الفاضحة، وكان يدعوني في بعض الأحيان إلى مشاهدتها، وكان أكثر ما يغضبه مني أني أرى آثار معصيته، أو أبحث عنها، فأجده اختنق مني، ومن تذكيري الدائم له بالله، والثواب والعقاب منّ الله علي بأولادي فبدءوا في نصحه هم أيضًا.

أكثر ما كان يمزقني إتيان أحد أبنائي يشكو لي أنه شاهد أباه وهو يفعل كذا وكذا، وقد كنت أخبره، وتحدث المواجهة التي إما أن تنتهي بإصراره على المعصية، أو وعده لي بألا يفعل، لم يراعِ أن بناته شابات في سن الزواج، كنت أخشى عليهم من الفضيحة فكان الله كريمًا معي حتى زوجت بناتي من رجال ملتزمين حافظين لكتاب الله.

بعد فترة وجدت أن ما يفعله معي ينعكس على ابنتي في جني ما يفعله بأمهم، سواء بالمعاملة السيئة أو ارتكاب بعض المعاصي، فقد ابتلي أحد أزواج بناتي ـوهو حافظ لكتاب الله وقضى في السجن 12 عامًا للدفاع عن دينه -ابتلي بمشاهدة الأفلام الفاضحة مما سبب لي نكسة نفسية مرتين لوقوعه في هذا المحذور-، وكانت العلاقة بيني وبينه علاقة أم بابنها الملتزم من الطرفين، والأحرى أن ذلك من جراء فعل زوجي، وكالشخصيات الساخرة في القصص عندما يفعل شيئًا معها فتخبره ابنته أن زوجها يفعل كذلك معها فيثور بشدة، ويسب في زوجها ويتوعده.

نسيت أن أذكر لكم أني حاولت تغيير حدتي معه منذ زمن طويل، وأصبحت تتحسن حالته الإيمانية، لكن هناك معاصٍ لا يستغني عن فعلها، وأنا أعطيه حقوقه التي يريدها خوفًا من ربي، ويشهد لي بذلك، وبعفافي سواء في وجوده، أو ف غيابه، وأنا صابرة لا ألجأ إلا لله، إلى أن منّ الله علي بالحج هذا العام بعد أربعة عشر عامًا من الدعاء به، وكانت إمكانياتنا المادية لا تسمح، فجاءت التأشيرة عن طريق عمله، واستدنت أكثر من ثلاثة أرباع المبلغ، وهو لم يشارك فيه بشيء، فتركته وأولاده وديعة، وأصر أن أذهب مع فوج عمله، وكان يعمل بإحدى المجلات.

أعرف أن أخلاقهم غير طيبة، وقد قدر لي السفر معهم، وأعترف بأنه يحبني بشدة، كما أنه شديد العاطفة، وحدث ما كنت أتوقع، ولكن ليس بهذا السوء، فقد تعرض لي أحد زملائه في الباص ـوهو بملابس الإحرام- بما يشبه التحرش الجنسي، وكنت لا أعلم كيف أتصرف، وأخشى من الحديث مع هذا الرجل بصوت منخفض ليبتعد عني حيث كانت زوجته بجانبه، ولا تشعر بشيء، فيفضح الأمر، وأسيء لنفسي وزوجي في عمله، ولن أنال شيئًا.

من كثرة غضبي وعلمي أن ما يحدث لي نتيجة لمعاصيه، اتصلت به هاتفيًا ولمته بشدة على أن جعلني في مثل هذا الموقف، وهو شديدة الغيرة علي، إلى أن رجعت من سفري، فحدثت مشكلة كبيرة لابنتي مع زوجها وأهله كادت أن تعصف ببيتها، وعلم بهذه الخلافات زوجي، وكنت أبعده عن مشاكلهم لتسير الأمور بخير، فهو عصبي المزاج، وأول الحلول عنده الطلاق على الأقل في حالة غضبه، ثم مع هذه المشاكل الصعبة وجدت فيه تغيرًا من ناحية الهاتف، وحديثه، وصرفه على كروت الشحن، وكنت أخبر أولادي وكانوا يشعرون بما أشعر به ولا يعلمون ماذا يفعلون.

بدأت أتضرع إلى الله, ولا أعلم أأدعوه ليكشف لي صنيع زوجي, أم يبعده عن المعصية, إلى أن جئت مرة بعد قيام الليل وصلاة الفجر فاكتشفت أن زوجي على علاقة بامرأة يحادثها في التليفون, فأردت أن أخبر ابني الكبير (الذي أبحث له عن عروس) لكنه كان نائمًا متعبًا فاستعنت بالله ودخلت عليه, وواجهته, في البداية أنكر, ثم أخبرني –بجبروت- بفعلته, ثم بدأ النقاش يهدأ بعد أن انهرت في البكاء, فأنا التي حفظته في نفسي حاضرًا وغائبًا باعترافه هو, وكان جزائي أن يفعل بي ذلك, لا أصدق! وكأني أعيش قصة فيلم, ثم هدأ من روعها, وقال: إنها نزوة وستمر, وأعطاها الهاتف والخط والخط الجديد الذي اشتراه مخصوصًا ليحدث هذه المرأة, وقد أخبرته أنني لن أخبر أبنائي, لكنه لعوب وكذاب, هكذا عهدته والآن يطلب مني أن أعامله وكأن شيئًا لم يحدث, تحملت إهاناته الكثيرة لي من قبل, لكني عجزت هذه المرة أن أحل مشكلتي, ثم أني لا أفتر عن الدعاء, لكني أنهار من البكاء أحيانًا فيهدأ من روعي, ويتحنن إلي, ثم في نهاية النقاش بجبروته وكبر المعصية عنده يهددني أن يتركني وأولادي ليتزوجها, ضاربًا بعرض الحائط مشكلة ابنتي الكبيرة مع زوجها وأهله, وعندي ابنة أيضًا عمرها 15 عامًا, وأريد أن أوضح لكم أن هذه السيدة التي اتصل بها كانت عن طريق اتصاله بصديق له كان على علاقة بأخته قبل زواجنا منذ ثلاثين عامًا, ورفض أبوه هذه الزيجة لسوء أخلاق الفتاة آنذاك, وهي الآن معها ابن ومطلقة, وقد اعترف لي بعد مجيئي من بيت الله محملة بمشاعر الحج النقية لأصدم بذلك, فبعد أن اتصلت به أخبره عما حدث لي بدلًا من أن يتقي الله فيّ بدأ بعد أيام بفعل ذلك, وأنا أحاول بث المشاعر الطيبة له, وإرسال رسائل له عبر الهاتف وقد أسعده فعل ذلك, ابتغاء مرضاة الله, والمحافظة على بيتي وأسرتي, لكن الجرح الغائر بداخلي يجعل الموضوع يفتح للنقاش فينقلب الحال بيننا ويصرح مرة ثالثة ورابعة بأنه مخنوق, وقد كره البيت والدين, وهو لا يريد زوجة مثلي, ويقول: أنت تعيشين للدين, وأنا أعيش للدنيا, ويكفي 30 سنة عشتها معك, وكل واحد يذهب لحاله, ولكم أن تتخيلوا هذه السكاكين التي يمزق بها جسدي ومشاعري, ولا يبقيني معه إلا الخوف من الله أن أهدم أسرة وأسيء إلى أولادي وبناتي وهم شباب, ولكن أولادي الذين لا يعرفون عنه الأمر الأخير لا يريدونني أن أتحمل من أجلهم أكثر من ذلك.

تعبت وأخاف من الإنهيار أو المرض فأنا عندي ضغط عالٍ, وكل ما أفعله التوجه إلى الله بالدعاء, والصلاة, وأن يلهمني الحكمة في الفعل والقول, أشيروا عليّ رحمكم الله.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وعن أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى -جل جلاله- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يُصلح لك زوجك، وأن يغفر له, وأن يتوب عليه، وأن يجنبه الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله تبارك وتعالى أن يُصلح لك أحوال بناتك وأولادك، وأن يستركم جميعًا في الدنيا والآخرة بستره الذي لا ينكشف، وأن يجعلنا وإياكم من صالح المؤمنين، ومن عباده الصالحين، ومن أوليائه المقربين، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فإن ما ورد فيها يمثل مأساة حقيقية بمعنى الكلمة، وهو من أعظم الابتلاءات التي تتعرض لها المرأة المسلمة عندما ترى أن زوجها قد لعبت به الأهواء، وضحك عليه شيطانه، وسوّلت له نفسه الأمّارة بالسوء أن يقع في أشياء لا تليق بمثله، ولا ينبغي أن تقع منه كرجل كبير عاقل منَّ الله -تبارك وتعالى- عليه بزوجة صالحة، وأولاد يتمتعون بسمعة طيبة وحسن خلق، مع حسن علاقة مع الله تعالى، إنها فعلًا من المفارقات العجيبة والغريبة، ولكن يبدو والله أعلم أن زوجك به عيب في تربيته التي رُبي عليها منذ نعومة أظفاره؛ لأنه مما لا شك فيه -أختي الكريمة الفاضلة- أن كل واحد منا فيه نقطة ضعف، كل واحد من الناس فيه نقطة ضعف، هذه النقطة قد تكون في جانب الجنس، وقد تكون في جانب المال، وقد تكون في جانب الجاه، وقد تكون في أي جانب من الجوانب، ويبدو أن زوجك ضعيف أمام هذه الناحية، ولذلك أعتقد أنه حاول مرارًا وتكرارًا إلا أنه لم يُفلح، لأنه ليس جادًا في ترك المعصية، ولعله لم يجد البيئة التي تُعينه على ذلك خارج المنزل.

أمام هذه التصرفات التي وردت في هذه الرسالة لا أملك إلا أن أقول لك: عليك بالصبر الجميل، عليك بالصبر الجميل، والصبر الجميل ليس معناه الاستسلام، وأنه نوع من التخاذل أو الخنوع، لا، ولكن الصبر الجميل سلاح عظيم رائع جعل الله -تبارك وتعالى- النصر معه، ولذلك كما ورد في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) فالنصر مع الصبر، ولذلك أوصيك به -بارك الله فيك أختي الكريمة الفاضلة- واصبري وتحملي؛ لأن حملك عظيم وثقيل وكبير، فلو قدر الله -كما ذكرت- وأن حدث طلاق بينك وبين زوجك كما يهدد هو فقطعًا ستهتز صورة الأسرة كلها أمام الناس، والذي قد يفكر في الارتباط ببناتك, وقد ينصرف ويبتعد عنكم، بل إن الذي قد تفكر في الارتباط بابنيك الذكور أيضًا قد تعيد النظر في موقفهم؛ لأن الناس يقولون ما حدث الطلاق إلا لأن البيت غير نظيف، أو أن البيت غير مترابط، أو أن البيت به مشاكل داخلية، ولذلك بدأت تطفو على السطح.

فالذي أوصيك به -أختي الكريمة الفاضلة- الصبر الجميل، وواصلي -بارك الله فيك- رحلة الدعاء مع الله تعالى، واعلمي أيضًا أن الدعاء ليس سلاحًا سلبيًا، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء) الدعاء ينفع في تغيير الواقع، بل وينفع في تغيير المستقبل.

فالذي أوصيك به -بارك الله فيك- هذين الأمرين:

الأمر الأول: الصبر الجميل وتقليل الاحتكاك بهذا الرجل، وعدم إشغال بالك بما يفعل؛ لأنه يبدو أنه ابتلي بهذا الابتلاء، ومن الصعب أن يتخلص منه، وإنما بدلًا من هذا التذكير المستمر الذي يرى أنه يمثل نوعًا من الإزعاج بالنسبة له، قللي هذه الجرعة -بارك الله فيك- إلى أدنى صورها، والجئي بدلًا من ذلك إلى الله تبارك وتعالى الذي خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفسه، والذي بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء، الجئي إليه -سبحانه وتعالى- أن يصلح لك زوجك، وألحي على الله بذلك، وأكثري من ذلك، واعلمي أن دعائك الذي فات, والذي ستقولينه الآن، والذي ستقولينه في المستقبل لم ولن تضيع منه دعوة واحدة، ما دام الدعاء مستوفٍ لشروط الإجابة، وليست فيه موانع تمنع من قبوله.

فإذن عليك -بارك الله فيك- بالصبر الجميل، وعليك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى مع البكاء، ولا تشغلي بالك بزوجك كثيرًا، واهتمي بأولادك، واحتويهم تحت جناحك، وحاولي أن تسيطري على مشاكلهم وظروفهم، واعتبري أباهم ميتًا أو غير موجود، وقودي المسيرة أنت بنفسك إلى رضوان الله والجنة، لأني لا أرى أعظم من ذلك، وهو الحل الشرعي الذي علمنا إياه النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي ورد بيانه في كلام الملك -جل جلاله سبحانه-.

أوصيك -بارك الله فيك- بالصبر الجميل، وعدم العجلة، وأن تحاولي أن تقللي من جرعة النصائح التي تزعج زوجك هذه، واكتفي بالدعاء له, وأوصيك كذلك بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بنية أن يفرج الله كربتك، وأن يصلح لك زوجك، لأنه كما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى-:" اعلم رحمك الله أنه بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تُقضى الحاجات التي لا تُقضى بأي وسيلة أخرى", فعليك بارك الله فيك بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والإلحاح على الله تعالى في الدعاء، والإكثار من الاستغفار، فهذه عوامل -بإذن الله تعالى- يجلب الله بها الخير، ويدفع بها الضر.

عليك بالصبر الجميل -أختي الكريمة- وأبشري بفرج من الله قريب، -وبإذن الله تعالى- لن يخزيك الله تعالى ما دمت معه، ولن يتخلى عنك ما دمت تسألينه، والله قادر -سبحانه وتعالى- أن يصلح لك زوجك، وأوصيك بالدعاء له أن يغفر الله له، وأن يتوب عليه، وأن يقيه هذه المعاصي, وأن يجنبه الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net