تبت إلى الله لكني لا أبكي من خشيته...فهل في توبتي خلل؟

2012-06-11 08:57:39 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد عصيت الله كثيرًا وستر الله علي، ثم تبت إليه، والحمد لله أقبلت على الصلاة وحفظ القرآن، وطلب العلم الشرعي.

وأذاقني الله سعادة لم أشعر بها من قبل، لكن أشعر أن هناك خللا في توبتي، ولطالما يراودني هذا الإحساس خصوصًا عندما أسمع أخبار البكائين، فأنا لا أبكي من خشية الله أبدًا، من الممكن أن تدمع عيني، لكن سرعان ما تجف دون بكاء حقيقي، ليس هو البكاء الذي يبكيه الإنسان مثلا عندما يكون مهموما أو لديه مصيبة.

لاسيما وقد علمت أن هذا حال التائبين، وقد عملت من الذنوب ما تجعل الجبل يبكي لو كان عملها هو.

وجزاكم الله خيرا على مجهودكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرحب بك ابننا الكريم في موقعك، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وهنيئا لك بهذه التوبة، ونسأل الله تعالى لك الثبات والسداد.

والواقع -ولله الحمد- أنك على خير؛ لأن الحسنات التي بعد التوبة دليل على أنك إن شاء الله مقبول عند الله تعالى، ونسأل الله أن يديم عليك فضله وندعوك للمزيد من المحافظة على الصلاة، وحفظ القرآن، وطلب العلم الشرعي.

وكونك أيضا ذقت السعادة، فهذه نعمة من الله، وهذا أثر من آثار الطاعات المباشرة، لأن الله قال{من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة}، فواظب على هذا الخير، واحمد الله تعالى، ولا تشغل نفسك بمثل هذه الوساوس، فإنك ستصل إن شاء الله لهذه المرحلة مرحلة الخشية من الله التي وصل إليها السلف بعد سنوات طويلة أنت على كل حال على خير، ولكن ينبغي أن لا تشتغل بهذه الأحوال، وهذه المقامات، وتفكر في أنك لماذا لا تبكي كما بكى بعض السلف، ويكفي أن تنزل دمعة، ولو كانت مثل رأس الإبرة بشرط أن تكون خالصة لله تعالى، فالعبرة ليس في البكاء، لكن العبرة أن تكون الدمعة لله تعالى خالصة، ونسأل الله تعالى أن يعينك على الخشوع، وأن يلهمك السداد، وأرجو أن تعلم أن البكاء ليس من شروط القبول للتوبة.

والشروط التي ينبغي أن يراعيها التائب الإقلاع عن الذنب، أن يندم على ما مضى، أن يعزم على عدم العودة أن يرد الحقوق لأصحابها، أن يقلع عن كل ما يذكره بالمعصية، وعليك إذا تذكرت مثل هذه المعاصي أن تجدد التوبة والإخلاص؛ لأن الشيطان هو الذي يذكر بذنوبه يذكر الإنسان بمثل هذه الأشياء من أجل أن يشوش عليه، وأن يدخل عليه الحزن، وأن يوصله إلى اليأس، وهذا عمل العدو كما قال الله {ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا}.

فإذن ينبغي أن تستمر على ما أنت عليه من الخير، ونسأل الله تعالى لك الثبات والسداد على هذا الطريق حتى تلقى الله تعالى، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، وهنيئا لك بطلب العلم الشرعي، فإنك من خلال العلم الشرعي ستعرف الأشياء التي ينبغي للمؤمن أن يكون عليها، وإذا كان يوم التائب أفضل من أمسه فهو على خير، وأنت -ولله الحمد- عندك هذه الطاعات من الصلاة، وقراءة القرآن، وطلب العلم الشرعي، وأنك ذقت حلاوة هذه الطاعات، وهذا الاحساس الذي يراودك ينبغي أن لا تقف عنده طويلا، وأن لا تشغل نفسك بمثل هذه المظاهر، وأنك لم تبك كما بكى فلان أو كالذي قرأته عن فلان، فبعض الأشياء التي وردت عن السلف نحن نمر عليها للعبرة، والعظة، ولكن الكمال في هدي رسول الله، وفيما كان عليه صحابة رسول الله وسلفهم أن المطلوب شرعا هو صدق التوبة، والإخلاص في الرجوع إلى الله تعالى، فإن جاءتك بعد ذلك دمعة من خشية الله، أو وجدت في نفسك انكسار دفعك إلى مزيد من الطاعات حتى الانكسار عند التائب ينبغي أن يكون فيه آثار إيجابية بأن يدفعه لمزيد من العمل.

أما الانكسار السلبي، والبكاء، وترك العمل، والاشتغال في مثل هذه الأشياء، فإن هذا ليس من هدي أهل العلم من السلف، والفقيه الواحد أشد على الشيطان من ألف عابد، فنسأل الله أن يرزقك الثبات، والسداد، وأن يعينك على التفقه في الدين، ونسأل الله تعالى، أن يعصمك، وإيانا جميعا من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، وأن يتوب علينا لنتوب، وأن يحشرنا بصحبة رسولنا صلى الله عليه وسلم، ووصيتنا لك أن تستمر على هذا الخير، وأن تواصل هذا الطريق، وأن تكثر من ذكر الله والصلاة، وأن تردد الاستغفار، وإذا ذكرك الشيطان بالمعصية فجدد التوبة.

ونسال الله لك الخير، والتوفيق هو ولي ذلك والقادر عليه.

www.islamweb.net