كيف أصبر على أذى أهلي ومضايقتهم لي؟

2013-03-18 18:33:39 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عامًا، أعاني من ظلم والدايّ منذ الصغر، فمنذ وعيي على هذه الدنيا، وأنا أُضرب ضربًا مبرحًا بسبب وبلا سبب من أمي وأخي الكبير, حتى أمام الجيران على الشرفة، حتى أن بعض الآثار لا زالت على جسدي بسببهما.

ودائمًا ما كانت أمي تصرخ عليّ، أما عن والدي فقد كنت أشكو له كثيرًا ظلمهما لي فيقف في صفهما، وكان دائمًا ما يغضب ويصرخ عليّ حتى أمام الأقارب، لم أجد منهما الحنان، ولا الأمان، مع العلم أنني ابنتهما الوحيدة، وأنني الناجحة الوحيدة بين أبنائهما.

والديّ ظالمان في تعاملهما معنا، خاصة معي، وغالبًا ما يرفضا لي أي طلب، على الرغم من بساطته وعدم ضرره عليهما، والسبب أن ذلك رغبتهما, ولم أعرف النقاش معهما يومًا، وحينما أنهيت الثانوية توقف الضرب، لكن السِباب والشتم والاستهزاء والسخرية والشك بكل صغيرة وكبيرة أفعلها ما زال مستمرًا.

حاليًا أنهيت دراستي الجامعية، وأنتظر حصولي على الشهادة لأعمل بها، خطبتُ لشاب كنت أعرفه في الجامعة، والذي كان مرفوضًا من أبي حينما تقدم لخطبتي بناءً على عمره، والبلد الذي أصله منها.

حاليًا لا زلت أعاني من المشاكل بيني وبين أهلي، فما أن تهدأ مشكلة إلا وتشتعل مشكلة أخرى، وأبي غالبًا ما يكون خارج البيت، ليس لأجل العمل، وإذا ما جلس معنا في البيت أقام المشكلات مع أمي أو معي, أو قام بمضايقتي بأي أسلوب، ولربما كل هذا بسبب خطبتي لذاك الشاب.

بالنسبة للنفقة: فقد أصبح بعد جلوسي في البيت بخيلًا جدًّا عليّ، لا يعطيني المال الذي أريد أو المصروف إلا بعد ترجٍ كثير على رغم يسر وضعه المادي، وأصبح يضربني أحيانًا بوجه عابس على أنه يمزح، ولكن تفاصيل وجهه وطرق ضربه توضح أنه يضربني بناءً على كراهية، ولا يتعامل معي أو مع خطيبي جيدًا, وكثيرًا ما يتحدث إلينا باستهزاء أو بتقليل قيمة، ويرفض أن أخرج برفقة خطيبي إلا بعد ترجٍ أيضًا من أمي ليقتنع، ودائمًا ما يقول: إلى أين ستذهبون؟ رغم أنني أكون قد ذكرت له وجهتنا, كأنه يتهمنا بأننا سنخرج لنفعل الفاحشة مثلًا.

أما أمي فأنا أقدم لها كل ما أستطيع، ونادرًا ما أرفض لها طلبًا، على رغم ما فعلته معي قديمًا، ولا زالت تفعل ذلك معي حاليًا من إهانتي أو السخرية من خطيبي حتى أمام الأقارب، وهي تقلل من قيمتي، ولا تظهر اهتمامها بي إلا نادرًا، وتنكر كل ما أفعل لأجلها، ودائمًا ما تشكوني للأقارب أو لأبي، ولا أسمع منها ثناءً ولا تقديرًا، أما الرضا فلا أعرفه منها إلا إذا طلبته، وإذا ما قصرت في شيء بسيط اشتعل غضبها عليّ، ونسيت كل ما قدمته.

أما أخي الكبير: فإنه يستهزئ بي حاليًا، ويسخر مني بكراهية أمام أمي وأبي وزوجته، حتى أنه يسخر من خطيبي, ويستهزئ به أمامي كثيرًا، وإذا ما شكوت لهم سخريته به قالوا: يمزح، وأصبحت زوجته تستهزئ بي أيضًا، وإخوتي الصغار يقومون بمثل فعلهم من باب التقليد، فقد كانوا دومًا يسخرون ويشتمون خطيبي في بداية خطبتنا تقليدًا منهم لأخيهم وأبيهم، وكثيرًا ما يشتمونني أو يؤذونني، ولم يتوقف ذلك ولم يقل إلا بعد مشكلة حصلت، وهم يعطون أخي الأصغر المجال بالاستقواء عليّ، والتجسس على حديثي مع خطيبي في الهاتف، حتى أنهم هم أنفسهم يقولون: إنهم لا يحبونه، ولا يحبون مجيئه إلينا، ودومًا ما تشكو أمي من قدومه إلينا، وإذا ما قلت لهم: سيأتي اليوم، يقولون ببرود: لماذا يأتي؟

وهم يقومون كذلك بإحراجي أمام أهل خطيبي، وفي مواقف كثيرة أبدوا لهم أنهم بلا قيمة، وأن قيامهما - خاصة والدي - بأي شيء تجاههم هو أمر عادي، سواء كان شيئًا سيئًا أم جيدًا.

وإذا ما جلست بينهم اشتعلت المشاكل والإهانات والمضايقة لي، والسخرية مني على كل شيء، وأنا لا أعترف بتربيتهم لي، وإنما تربيتي كانت من هداية الله لي منذ الصغر - والحمد لله -، فهل حقًا عليّ برهما بعد كل هذا؟ وهل غضبهما عليّ جائز لهما؟ على الرغم أنني لا أريد, وأحاول إرضاءهم إلا أن المشاكل تحدث رغمًا عني بسبب مني - لعدم تحملي وضيقي أحيانًا - أو بسبب منهم، وما حكم تعليم الأب أولاده - خاصة البنات -؟ وبما أن المؤمن يُبتلى على قدر إيمانه، فهل الصحيح أن يُبتلى طول عمره في الدنيا أم أنه من المقدر له أن يسعد في الدنيا وتُفرج همومه وترحل عنه مصائبه قبل الآخرة؟

شكرا لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ المشتاقة للجنة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبًا بك - أيتها البنت العزيزة – في استشارات إسلام ويب، ونسأل تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يُقدر لك الخير حيث كان، وأن يُصلح ما بينك وبين والديك، ويهدينا وإياكم جميعًا.

لا شك – أيتها البنت العزيزة – أنك أحسنت بصبرك على والديك، وحرصك على إرضائهما، وهذا عمل صالح تؤجرين عليه، وستكون له عاقبة حسنة في حياتك، فإن العمل الصالح من أعظم الأسباب التي تُستجلب بها السعادة، وتُستدر بها أرزاق الله تعالى، ونصيحتنا لك أن تستمري على ما أنت عليه من المبالغة في البر بوالديك، والحرص على إرضائهما ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.

ولا ينبغي أن تلتفتي كثيرًا – أيتها البنت العزيزة – إلى مسألة: هل يجب عليك برهما والإحسان إليهما أو لا مع إساءتهما إليك، فلا تشغلي نفسك بهذا البحث، فإنك ما دمتِ موصلة طريق الإحسان والبر إلى الوالدين، فإنك بذلك تُحسنين إلى نفسك، وتتسببين في أن يجعل الله - عز وجل - ذلك العمل سببًا لفتح أبواب السعادة أمامك.

ومما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى قد أوصى بالوالدين والإحسان إليهما مهما بلغت إساءتهما للولد، فقال سبحانه وتعالى: {وإن جاهدك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} ففي هذه الحالة الشديدة من الإساءة والوالد يُجاهد ولده ليكفر بالله تعالى فيكون من أصحاب النار الخالدين فيها، أمر الله تعالى الولد بمصاحبتهما بالمعروف، مع عدم طاعتهما في الكفر.

فهذا هو الميزان الشرعي للمسألة، أن الولد مأمور بالبر والإحسان والصبر على الوالدين مهما فعلا، وليس له أن يُطيعهما في معصية الله تعالى.

وأنت – أيتها البنت الكريمة – إن بذلت وسعك في استرضاء والديك، والتذلل لهما، والتواضع لهما؛ فإننا على ثقة تامة من أن هذا السلوك سيغيّر - ولو شيئًا يسيرًا - من تصرفاتهما تجاهك، فإن النفوس البشرية جبلها الله سبحانه وتعالى على حب من أحسن إليها، وهذا هي القاعدة المستمرة، فحاولي أن تتغلبي على نفسك، وأن تتناسي ما يحاول الشيطان أن يُذكرك به دائمًا من إساءة والديك إليك، حاولي أن تتغلبي على ذلك كله، وتبدئي بممارسة أنواع الإحسان إلى والديك بقدر استطاعتك، بالكلمة الطيبة، والتذلل بين يديهما بالخدمة، والقيام بشؤونهما، وإدخال السرور إليهما، واستئذانهما فيما تريدين فعله، فإن هذه التصرفات ستجلب حبهما إليك بلا شك، وإن لم تُثمر الثمرة العاجلة فإن ما عند الله سبحانه وتعالى خير وأبقى، فالله عز وجل لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

والحكماء يقولون – أيتها البنت العزيزة –: (الحيلة فيما لا حيلة فيه: الصبر) فأنت لا تستطيعين التخلص من هذا الواقع الذي أنت فيه إلا بالصبر والحكمة، فإذا احتسبت أجرك على الله سبحانه وتعالى وأخذت بهذه الأسباب فإننا نأمل - بإذن الله تعالى – أن يتغير واقعك عن قريب.

أما خروجك مع خطيبك: فإن كان لم يعقد عليك العقد الشرعي، فإن ما يأمرك به الأب من الامتناع عن الخروج هو المفروض عليك شرعًا، فإن الخاطب لايزال أجنبيًا، ومن ثم يجب على المخطوبة أن تعامله كغيره من الرجال الأجانب، فلا يجوز لها أن تختلي به، ولا أن تتحدث إليه بكلام فيه خضوع ولين، ولا أن تضع حجابها أمامه، فهو كغيره من الأجانب.

والتزامك بأحكام الله تعالى وحدوده ووقوفك عند ما يأمرك به سبحانه وتعالى من أعظم الأسباب التي تجلب لك الأرزاق، فإن معصية الله سبب أكيد في الحرمان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه).

أما تعليم الآباء للبنات: فهو واجب شرعي في حدود ما يأمر الله تعالى به من التعليم، فيجب على الآباء أن يعلموا أبناءهم ما يُنجيهم من عذاب الله تعالى، فيعلمونهم الفرائض، ويُبينون لهم المحرمات، ويهيئونهم للحياة بحيث يُصبحون قادرين على التعامل معها، والله - عز وجل - سيسأل الآباء والأمهات عن حقوق أبنائهم عليهم، فنصيحتنا لك أن تتعاملي مع والديك بالبر والمسامحة.

وأما البلاء الذي ذكرتِ مما ينزل على المؤمن فإن الله - عز وجل - يبتلي الإنسان ليُمحص عنه ذنوبه وسيئاته، وليرفع درجاته، ولا يقدر الله - عز وجل - لعبده المؤمن إلا ما هو خير له، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بمستقبل زمانه, وهل سيستمر معه البلاء أو لا، فينبغي لنا أن نُحسن الظن بالله، ونسأله العافية، والله - عز وجل - لا يُعجزه شيء، فهو قادر سبحانه وتعالى على أن يرفع عنا ما نكره، ويسوق إلينا ما نُحب، فينبغي لنا أن نأمل في الله تعالى خيرًا، وأن نسأله سبحانه وتعالى أن يدفع عنا المكروه ويصرفه عنا، وأن نُحسن الظن بالله، فإن الله - عز وجل - يفعل بالعبد ما يظنه به هذا العبد، فقد قال في الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي) وفي رواية: (فمن ظنَّ خيرًا فله، ومن ظنَّ شرًّا فله).

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان، ويجعل لك من أمرك رشدًا.

www.islamweb.net