تخيلات كثيرة بأني سأموت أو سأسقط أو .. فما تشخيصكم؟

2013-04-02 02:36:03 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لكم سمعة طيبة بين الناس، فأنتم القدوة لكل مريض، ولكل تائه، وسأسرد لكم عبارات الشكر والامتنان لما تقدمونه من استشارات، وقد استفدت الكثير من الموقع - ولا زلت -.

أنا لا أعلم الحل بالضبط لما أعاني منه، ولا أعلم - ولست متأكدًا - هل مرضي هذا نفسي؟ أم أنه أذى من الجان والشياطين؟ ورأيي شخصيًا هو أن مرضي نفسي وروحاني، ولكن يبقى الجزء الأغلب والأعلى نفسي بامتياز -والله أعلم - وحيرتي هذه أوصلتني لكم؛ لعلي أجد بين يديكم دواء لدائي، وفرحًا كنت أحلم به.

أراقب نفسي كثيرًا في تصرفاتي مع الناس، وفي تصرفاتي مع نفسي، حتى أني أراقب نفسي حدَّ الإدمان والتناقض، وأضع لنفسي قوانين وجدولًا كاملًا ليومي من استرخاء، وأكل منظم، وتمارين رياضية، وقرآن كريم، ولكل شيء عندي وقت محدد، ولكن مشكلتي في داخل نفسي بسبب مراقبة نفسي، والتشويش القوي لذهني.

وأنا أحيانًا أريد الهروب من واقعي لغير سبب، ودائي هذا أعرفه، وأميزه جيدًا، فهو صوت داخل نفسي يأتي أحيانًا عن طريق أفكار، وأحيانًا وساوس، ولكنه في طبيعته متحكم مسيطر يتدخل في كل شيء: بطريقة كلامي مع الناس, بهمساتي, وحركاتي, ونظراتي، كأنه هو المتحكم بجسدي.

أتضايق جدًّا عندما يبدأ الكلام، فهناك صوت يحادثني دائمًا ويخاصمني, ويدمر نفسيتي لأتفه الأسباب، قد لا تصدقوني، لكني أتكلم بكامل قواي العقلية، ولست مجنونًا، فأنا في صراع مع هذا الداء منذ كان عمري 16 سنة، وعمري الآن 24 سنة.

أعيش في صراع دائم: أهزمه تارة، ويهزمني بطبيعته، ولا يريدني أن أخالط الناس، ولا أن أرتقي للأعالي في دراستي، ولا يريد مني الزواج، يتكلم بصوتٍ هو نفس صوت تفكيري مع نفسي، وأحيانًا تأتيني أفكار وتخيلات وصور ووساوس، وقد اجتهدت في طرد تلك الوساوس والأصوات، ونظمت لنفسي جدولًا للقرآن والأذكار والتحصين.

قرأت كتبًا في تطوير الذات، وأخذت أعمل بعكس ذلك الصوت، وأمشي في طريقي، وقرأت في البرمجة اللغوية العصبية للدكتور إبراهيم الفقي، فأنا منذ زمن لا أرضى بالهزيمة، وتراني تارة أضحك وأملأ دنياي أملًا وابتسامة لا تزول، وتارة منقطعًا تمامًا عن الناس، مغلقًا جهازي المحمول في المنزل، لا أخالط الناس، مع قلق داخلي ووسواس، كأني في عالم الخيال، وقد خسرت صداقات الناس، وكل شيء، ولكن أسأل العوض من الله.

المعاناة أني فقدت السيطرة على نفسي: أفكارٌ متداخلة، ووهمٌ مرضي، وهروبٌ من واقع، وخوفٌ من الخروج من البيت، وقد بدأت قريبًا باستعمال دواء فافرين، فأفادني جدًّا، لكني قطعته لإيماني بأني سأهزم دائي بثقتي بنفسي.

عندما أخرج من المنزل يقاطعني الصوت والأفكار داخل نفسي: "أنت ضعيف الشخصية، أنت مجرد وهم، أنت لن تستطيع, انظر إلى فلان" فأتحطم، لكني سرعان ما أتغير، وأغيِّر من نفسي على الصعيد النفسي والجسدي والروحي، ومداخل ذلك الصوت وأياديه الطوال العادة السرية، ومشاهدة الأفلام الإباحية، والتحكم الداخلي بنفسي، وقد هزمت وأغلقت كل منافذ ذلك الصوت، وهزمت العادة السرية والأفلام الإباحية، ولكن ما ينقصني الآن هو: كيف أقضي على ذلك الصوت، وتلك الأفكار المتداخلة، والخوف الداخلي؟

أحسست فعلًا بضعف غريب، وأحيانًا كثيرة أحس باضطرابات الشخصية، والتشتت الذهني، وعدم التركيز، والانعزال عن الناس، وفي حدة المرض أشعر بخوف من الغد، فكيف أقنع نفسي أني مسيطر وأقلل أو أمنع تلك الهلاوس والأصوات؟ رغم كل شيء سأرجع يومًا سيد نفسي، وقائد ذاتي، فغربتي هذه عن الذات لن توصلني لنتيجة، فما الفرق بيني وبين الناس؟ لا فرق، وكل ابن ادم يبتلى، وذلك هو ابتلائي.

كلامي بين يديك - يا دكتور – هو: هل أنا مصاب بالفصام أو الذهان أو الوسواس القهري المرضي؟ وحتى لو كنت كذلك, فأريدك أن تجتهد معي -جزاك الله كل خير- هل من علاج لدائي الغريب؟ فأنا تائه, وأنت طريقي - يا دكتور - بعد الله، وأنا أخاف من الأدوية النفسية؛ لأني جربتها, فهي تزيد الوزن، ووزني 56، ولا أريد سوى برنامج لهزيمة الوساوس والأفكار والسيطرة عليها، وكيف أفرق بين وسواس النفس الأمارة، والوسواس من الشيطان؟

أكثر ما أعانيه هو عدم الاتزان الذاتي، وتذبذب الثقة في النفس، وعندما أبدأ في تغيير مساري، أو أريد أن أخرج خارج المنزل تأتيني تخيلات أني أبكي، وأني محطم، وأني أترنح وأموت، وأنا لن – ولم – أيأس, ولكن هل من تشخيص لدائي - فعلمكم ينفعني -؟


طمئني - يا دكتور - هل يمكن أن أتعالج وأعود كما كنت؟ وما هو تشخيص مرضي بالضبط؟

دعائي لك في السر: جعل الله دنياك سعادة، وأبعدك الله عن كل ألم، مع امتناني لك.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب، وأشكرك – أخي - على رسالتك الطيبة، وكلامك الجميل في حق الشبكة الإسلامية - نسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعًا -.

أيها الفاضل الكريم: أؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل دقة، وقد ركزت عليها كثيرًا لمعرفة حقيقة هذه الأصوات التي تزعجك: هل هي حديث نفس؟ هل هي أفكار مسموعة؟ هل هي تأملات وسواسية؟ أم هي هلاوس؟

الذي توصلت له - بقناعة مطلقة - أن هذه الأصوات ليست هلاوس حقيقية، إنما هي هلاوس كاذبة، وهو صوت العقل الذي يجعلك تكوِّن صورة ذهنية مصدرها ذات الصوت، وهذا النوع من الصورة الذهنية نعتبره نوعًا من الوسواس القهري.

إذن – أخي -: حالتك من وجهة نظري المتواضعة أنك تعاني من وسواس قهري لا علاقة لك له بمرض الفصام، ولا علاقة له بأمراض أخرى، وربما يكون هنالك شيء من عسر المزاج البسيط، وهذا بالطبع ناشئ من غرابة هذه التجربة ذاتها، حيث إن الوساوس تجعل الإنسان في حيرة من أمره، فهي تجربة بالفعل غريبة، وسخيفة كذلك، وبفضل من الله تعالى يمكن علاجها بصورة فعالة جدًا.

أخي: أود أن أطلعك على بعض ما نشر علميًا حول نتائج علاج الوساوس القهرية في بدايات الأربعينات من القرن الماضي, والخمسينات, وحتى الستينات، فقد بذلت جهود كبيرة جدًا من الأخصائيين النفسيين، وأتى بعد ذلك السلوكيون لعلاج الوسواس القهري، ونسبة نجاح العلاج كانت (20 %) فقط في أفضل المراكز، والوسواس القهري كان يوصف بأنه مرض مزمن انتكاسي، ولكن - بفضل الله تعالى - بعد أن ظهر عقار أنفرانيل في عام 1962 أثبت العلماء في السويد جدواه في علاج الوسواس القهري، وتغيرت الصورة تمامًا، وأصبح نجاح علاج الوساوس أكثر من (50 أو 60%), وبعد أن ظهرت الأدوية الجديدة - الفافرين مثلًا- التي تعمل على موصلات عصبية، خاصة في الدماغ، اتضح أن العامل الكيميائي البيولوجي لا شك في أنه إما أن يكون مسببًا للوساوس، أو يساعد في استمرارها، وكل وسواس لا يستجيب للاستغفار والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم - إذا لم يخنس هذا الشيطان - فهذا وسواس طبي.

ولذا - يا أخي - فالعلاج الطبي مطلوب، والدعاء مهم وفعال، ونسبة النجاحات الآن أصبحت تصل (80 %) - فيا أخي الكريم - أريدك أن تأخذ قرارًا غير وسواسي، وهو أن تقبل العلاج الدوائي، وأنا متأكد أنك إذا ذهبت إلى طبيب نفسي فسوف يشرح لك بصورة أكثر تفصيلًا، وستكون أكثر قناعة - إن شاء الله تعالى -.

هذا النوع من الوساوس ملازم لشخصيتك منذ فترة طويلة، خاصة أن شخصيتك تحمل ميزات الانضباط الشديد، وهذه قد تكون ميزة وسواسية أيضًا، وأعتقد أنك في مثل هذه الحالة تحتاج إلى علاج دوائي لمدة سنتين على الأقل، والجرعة المطلوبة هي الجرعة المتوسطة إلى الجرعة الكبيرة، ولا أعتقد أن عقارًا مثل بروزاك أو فافرين سوف يؤدي إلى زيادة في الوزن، فيجب أن تركز على هذه النقطة، فيجب أن نكون واضحين تمامًا، ويجب أن نتناصح، وأنا أشكرك على ثقتك في هذا الموقع.

لديك تجربة إيجابية مع عقار فافرين، فابدأ في تناوله بجرعة (50) مليجرامًا ليلًا لمدة أسبوعين، ثم اجعلها (100) مليجرام ليلًا لمدة شهر، ثم اجعلها (200) مليجرام ليلًا، وهذه الجرعة قد تكون مفيدة بالنسبة لك، علمًا أن الجرعة يمكن أن ترفع حتى 300 مليجرام في اليوم، وأنت تحتاج أن تستمر على جرعة (200) مليجرام يوميًا لمدة عام على الأقل، وبعد ذلك يمكن أن يكون هنالك نوع من التخفيض التدريجي، وتدخل بعد ذلك في الفترة الوقائية.

بعض الإخوة الأطباء يفضلون أن يضاف عقار رزبريادون (Risperidone) كعقار داعم للفافرين بجرعة صغيرة، والجرعة هي 1 مليجرام، يتم تناولها ليلًا لمدة شهر، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى 2 مليجرام ليلًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم 1 مليجرام ليلًا لمدة شهرين، ثم يتم التوقف عن رزبريادون، وتستمر على الفافرين، وبعض الإخوة الأطباء أيضا يعطون البروزاك والفافرين، أو البروزاك والفافرين ورزبريادون، وأصبح في الأمر سعة كبيرة جدًا - والحمد لله تعالى -.

ونحن سعداء الآن؛ لأننا في بدايات حياتنا المهنية في الطب النفسي كنا نحتار كيف نساعد هؤلاء الإخوة الذين يعانون من الوساوس، أما الآن فالصورة أصبحت واضحة - والحمد لله تعالى - فهذه الأدوية نعتبرها نعمة عظيمة جدًا، وهذا لا يعني أبدًا أن نتجاهل بقية العلاجات، فالعلاج السلوكي مهم، لكن الدواء من ميزاته أنه يمهد للعلاج السلوكي الصحيح، وأنت على دراية بذلك.

فيا أخي الكريم: اطمئن، ولا تحرم نفسك من نعمة العلاج.

أسأل الله لك الشفاء، وبارك الله فيك، وأشكرك كثيرًا على تواصلك مع إسلام ويب.

www.islamweb.net