استولت علي فكرة الموت من موقف حصل معي، كيف أزيل هذه الفكرة؟

2013-08-22 02:27:19 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أشكركم على ما تقومون به من جهد جبار لأجل راحة المرضى، ويعلم الله أنكم سوف تؤجرون عليه بإذنه.

اسمي محمد، وعمري 26 سنة.

مشكلتي الفعلية: بدأت معي قبل شهرين، ولكن أريد أن أفصل لكم الحالة لكي تعرفوها جيداً.

في البداية: أنا إنسان كثير القلق، ومتشائم جداً، تخرجت من الجامعة -ولله الحمد- قبل 6 أشهر، وجلست عاطلا والفراغ يلعب بوقتي كثيراً، وقبل شهرين ذهبت لأحد الأصدقاء الذين يعملون في المستشفى لزيارته في مكتبه، فجلست عنده، فمزح معي قائلاً إننا احتجزنا طاقماً طبياً كاملاً لاشتباهنا بأنهم مصابون بفيروس كورونا -أعاذنا الله وإياكم والقارئين منه- فضحكنا قليلاً ثم خرجت، ذهبت إلى البيت ونمت، ثم استيقظت وإذا بي أشعر بحرارة في جسمي فزاد توتري، فجاء في خاطري هذا الفيروس فضاق صدري، مر يوم وأنا أفكر بهذا الفيروس، جاء اليوم التالي وذهبت الحرارة -الحمد لله- فارتحت قليلاً، ولكن لا زال في بالي هذا الفيروس ويشغل بالي، أنا طبيعي وليس بي أي أعراض، ولكن الوسواس لعب بي.

مر أسبوع على هذه الحادثة، استلقيت أريد أن أنام فإذا بي أتعب وأحس بكتمة في صدري، وأنني عاجز عن التنفس، وبدأ جسمي يتعرق، وبدأ قلبي بالخفقان حتى ظننت أن هذا هو الموت، قمت من مكاني واستعذت بالله تعالى من الشيطان وأنا خائف جداً، ذهبت إلى المستوصف وأخذت أوكسجين، ولكن لم تذهب الأعراض التي بي؛ فذهبت إلى المستشفى ودخلت على الطبيب فكشف علي، وقال: أنت سليم 100٪ ولله الحمد؛ فخرجت وأنا مطمئن، وعدت طبيعيا.

لكن في ليلة رمضان وأنا أصلي التراويح جاءني شعور مرعب جداً، بدأ قلبي بالخفقان، وبدأ جسمي يرتعش، وبدأت أحس بكتمة، وأن روحي ستخرج؛ خفت وكدت أقطع صلاتي، ولكن لله الحمد أمسكت نفسي وأكملت صلاتي، وخرجت وأنا خائف جداً، وبدأت أفكر بالموت، وأنني سوف أموت بسكتة قلبية، حتى بدأت وأنا أمشي أتخيل أن قلبي سيقف، وأنني سأسقط على الأرض، وبدأ قلبي بالخفقان، فأتاني هم لا يعلم به إلا الله، جلست على هذه الحالة لمدة 5 أيام.

ذهبت إلى المستوصف وعملت تحاليل، وكشفا كاملا، وحينما دخلت على الدكتور ضحك، وقال لي: لا يوجد بك شيء، ولكن الذي بك قلق نفسي.

خرجت وأنا مرتاح قليلاً؛ فقال لي أخي -وهو أخصائي مسعف-: عليك أن تستعمل دواء اسمه (لوسترال) تأخذ منه حبة في اليوم، -وإن شاء الله- سوف تشفى، وبدأت بالعلاج وذهبت نوبات الهلع التي تأتيني -والحمد لله- ولكن عجزت عن التخلص من الخوف من الفكرة.

إذا جلست مع عائلتي أو جلست مع أصدقائي تأتيني فكرة الموت، وأنني سوف أموت الآن، ويضيق صدري واكتئاب، وأحاول أن أقاومها، وأقنع نفسي أن هذا من الشيطان، وأنه يفعل هكذا ليضيق صدري.

يا دكتور: أنا أعلم أن الذي بي هو وسواس الموت من كثرة ما قرأت عنه، ولكن -يا دكتور- أنا أريد أن أتخلص من الفكرة، أريد أن أكون طبيعيا، أضحك وألعب وأستمتع.

شاكراً لك يا دكتور، وأتمنى أنني فصلت لك حالتي، وأعتذر عن الإطالة، وأرجو من العزيز الجبار أن يغفر لي ولكم، ويطيل أعمارنا في طاعته، ويجعلنا ممن خدموا الإسلام والمسلمين.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير، وتقبل الله طاعاتكم.

هذا العرض الجيد والمفصل لحالتك جعلني على قناعة كبيرة أن شخصيتك التي تحمل طابع القلق والتشاؤم هي التي أوقعتك فيما نسميه بالتأثير الإيحائي السريع، حيث إن ما ذكره لك صديقك الذي يعمل في المستشفى حول احتجاز الطاقم الطبي لأنهم مصابون بفيروس (كرونا) هذه الدعاوى كان لها أثر إيحائي كبير عليك، وجعلتك تكون قلقًا ومتخوفًا؛ مما جعل أعراض نوبات الهرع تظهر عليك، ونوبات الفزع أو الهرع هي: نوع من قلق المخاوف الحاد والشديد، والذي تتولد عنه المخاوف الوسواسية.

وموضوع الموت هو موضوع أساسي ومركزي في هذه المخاوف؛ لأن نوبة الهرع حين تأتي، ونسبة لتسارع ضربات القلب، وإفراز مادة الأدرينالين، وخفة الرأس والدوّار الذي قد يأتي للإنسان، والشعور بأن الواحد سوف يفقد السيطرة على الموقف؛ هذا كله يعطي الشعور بدنو الأجل، وهنا تتولد المشكلة النفسية لتتفاقم وتثبت، وتجعل قلق المخاوف الوسواسي يظهر بأبعاده الكلية الكاملة.

والنقطة الفارقة والأساسية هي: أن الذين يعانون من هذه النوبات من الطبيعي أن يذهبوا للمستشفى كما حدث في حالة شخصك الكريم، ويقوم الأطباء بالفحص وإكمال الجُهد الطبي، وفي النهاية يُقال للمريض: إنك سليم وكل شيء صحيح مائة بالمائة، هذا قطعًا جيد، لكن يجب أن يُعطى التفسير للحالة، بمعنى: أن الإنسان إذا عرف من الوهلة الأولى أن هذا نوع من القلق الخاص يُسمى بنوبات الهرع، هذا يساعد كثيرًا في عدم تعقيد الأمر.

المهم أنت الآن على اطلاع واستفسار كامل بحالتك، والحمد لله تعالى تحسنت كثيرًا بعد أن تناولت عقار (سيرترالين) والذي يسمى (لسترال) وهذا الدواء بالفعل مشهود له بفاعليته في علاج مثل هذه الحالات، لكن نوبات الخوف المتعلقة بالموت -كما تفضلت وذكرت- سوف تظل موجودة بطابعها الوسواسي، وهنا نقول: إن الجرعة الدوائية الصحيحة التي تساعد في اختفاء هذه الحالة هي: مائة مليجرام -أي حبتين في اليوم- وبجانب العلاج الدوائي لا بد من تغيير معرفي سلوكي حول قلق المخاوف وحول مفهوم الموت.

فإذن: إن كنت لا زلت تستعمل اللسترال أعتقد أنه من الأفضل أن ترفع الجرعة إلى حبتين يوميًا، وتستمر عليها لمدة شهرين، ثم تخفضها إلى حبة واحدة يوميًا، تستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعلها نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

ممارسة الرياضة، وتمارين الاسترخاء تعتبر أيضًا أمرًا مهمًّا وأساسيًا في إزالة قلق المخاوف الوسواسي، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم (2136015) يمكنك أن ترجع إليها وتطلع عليها وتطبق تفاصيلها، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.

هنالك تغيرات مزاجية فكرية معرفية حول الموت، لابد أن تقنع نفسك بها، وكما تعرف الموت حقيقة ثابتة، والخوف منه لا يزيد في عمر الإنسان ولا ينقصه، إذًا هذه الحقائق يجب أن نستدركها.

الأمر الآخر -وهو مهم جدًّا- هو: أن الإنسان يستطيع أن يدير حياته، فهو مخير في ذلك، لكن لا يستطيع أن يُدير قضية الموت، وقته أو كيف سوف يحدث؟ هذه خارج الإرادة البشرية تمامًا، لذا يجب ألا تشغل نفسك بهذا الأمر، إنما تعمل لما بعد الموت، واشغل نفسك بأن تجعل حياتك فعالة، ابحث عن عمل، دراسات عليا، وأعتقد أن أمامك فرصة عظيمة لأن تعيش حياة طيبة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وكل عام وأنتم بخير.

www.islamweb.net