أعاني من هلع شديد من الموت وأخاف أن أتعذب عند خروج روحي.

2013-08-21 00:17:46 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم على هذا الموقع وجعله الله في ميزان حسناتكم.

مشكلتي: أني منذ أشهر بدأت أمر بوسواس الهلع أو وسواس الموت، مع العلم أني قرأت عنه وأحاول أن أساعد نفسي بتجاوز الأمر لكني أفشل؛ فأصاب بضيق التنفس، وغصة في حلقي وكأن الروح ستخرج، كما أبدأ بتحسس قدمي اليمنى؛ لأني أعلم أن الموت عندما يحضر يبدأ من الأقدام.

وللعلم فإني كنت قبل ذلك أتشوق كثيرا للقراءة حول الموت والحياة البرزخية، أما الآن فمجرد قول هذه الكلمة صارت ترعبني، وأقول: هذا آخر يوم لي.

لا أدري ما العمل؟ علما بأني تدنيت كثيرا في الأكل، وأصبحت أتكاسل في كل شيء، أمضي النهار كله فوق الفراش، وإذا ما أذن أركض أتوضأ لأصلي لئلا أموت وأنا غير مصلية، أعلم أن الموت حق، وأعلم كل شيء عنه، والخوف الذي يزيد من درجة هلعي هو: أن أتعذب وروحي تخرج، أنا خائفة من أن أتعذب؛ لقد عملت سيئات خطيرة في حياتي لكني تبت، لكني مع ذلك ما زلت خائفة.

أطلب من الله كثيرا في دعائي أن يطيل عمري مع حسن عملي، وأن يرزقني ذرية صالحة تكون لي صدقة جارية، وأن لا يعذبني الله عند الموت، وأن يجعل يوم مماتي هو أجمل يوم في حياتي، هل أنا أبالغ بهذه الدعوات؟

أرجوكم أجيبوني، لقد اسودت الدنيا في عيني، مع العلم أني طالبة جامعية، وعمري 21 سنة، ولا أرى أي سبب لأنجح أو أنجز شيئا، وملامح الحزن بادية علي، ولا أنكر أنني أعيش في محيط متذبذب قليلا إذ تكثر فيه المشكلات وسط عائلتي، لكني لا أعير الأمر أهمية بالغة، ولا أتركه يؤثر فيَّ لدرجة الكآبة، وحالتنا لا تسمح بأن استشير طبيبا نفسيا.

أرجو منكم الدعاء لي بظهر الغيب؛ بأن يشفيني الله ويغفر لي ويتجاوز عن سيئاتي، وأن يشملني برحمته، وأن يستجيب لدعواتي.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ abir حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

من الواضح –أيتها الفاضلة الكريمة– أنك تعانين من قلق المخاوف الوسواسي، والوساوس حول الموت لا شك أنها مزعجة، لكن أؤكد لك أنها ليست خطيرة.

أنت لديك ما يعرف بالحوار الوسواسي، يعني: أن الفكرة حين تأتيك تسترسلين فيها، وتحاولين أن تضعي بعض الإجابات الافتراضية على أسئلة قد تكون افتراضية في بعض الأوقات، وهذا يُدخلك في الحلقة المفرغة، تتقاذفك المخاوف والتوترات والاكتئاب هنا وهناك.

الأمر في غاية البساطة، أولاً: أريدك أن تتفهمي حالتك أنها حالة نفسية قلقية بسيطة؛ حتى وإن كانت مزعجة.

ثانيًا: الخوف من الموت ليس كله سيئًا؛ لأن الذي لا يخاف من الموت لا يعمل لما بعد الموت، ومن الأسس السلوكية الصحيحة جدًّا أن الإنسان يجب أن يعرف ويُدرك ويستوعب أن موضوع الموت لا يمكننا أن نعمل حياله أي شيء؛ لأنه ليس تحت إرادتنا، والخوف من الموت لا يزيد في عمر الإنسان لحظة ولا ينقصه مثل ذلك، لكن نستطيع أن نعمل الكثير فيما يخص حياتنا، نستطيع أن نديرها، نستطيع أن نتخير ما هو طيب، نستطيع أن نرفع من مستوياتنا، أن نقوي هممنا، وأن يكون لدينا المقدرة والجلد والصبر على فعل الخيرات.

إذًا إدارتك لحياتك بصورة فعّالة هي التي سوف تقنعك بالفعل أن موضوع الموت يجب ألا تشغلي نفسك به كثيرًا ولا تخافي منه؛ لأنه أصلاً لا مفر منه، ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بأي شيء حياله، الشيء الوحيد الذي نقوم به هو أن نعمل لآخرتنا؛ لأن حياة البرزخ هي أول مراحل الآخرة، ومن مات قطعًا قامت قيامته.

هذا تعبير مجازي لكن يعني أن الإنسان يجب أن يُدرك أن استثماره لحياته بصورة صحيحة فعّالة؛ أن يكون مفيدًا لنفسه ولغيره، أن يعبد الله على حق، أن يفر إلى الله حين يكون خائفًا، واعرفي -أيتها الفاضلة الكريمة- أن الإنسان حين يخاف من أي شيء يفر منه، لكن الإنسان حين يخاف من الله تعالى يفر إليه، وذلك من خلال: الالتزام بالعبادات، والصلاة على رأسها، فالصلاة جوهر الأمر، بل هو الأمر كله، وهي عمود الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، إن صلحت تصلح جميع أعمال الإنسان، والحمد لله أنك تحرصين على أدائها في وقتها، ولكن يجب عليك أن تنزعي عنك هذا الخوف والهلع الذي يأتيك عند أدائها في أول وقتها، فجميل أن تصلي بعد رفع الأذان، ولكن ليس من الجميل أن تؤدي العبادة وقلبك مشغول بالخوف والهلع من الموت، واعلمي أن لك ربا رحيما غفورا يعلم ما بنفسك ويعلم صدقك وإخلاصك.

تغيير مسار حياتك على هذه الشاكلة تكون هناك أنماط إيجابية جديدة: الاستمرار في الحرص على صلاتك، التفاعل الاجتماعي الصحيح.

مشاكل الماضي هي مجرد نوع من الخبرات حتى وإن كانت سلبية، لكن الإنسان يمكن أن يؤصلها ويستفيد منها ويستثمرها ليجعلها تفتح له الحاضر وآفاق المستقبل.

ركزي على دراستك، نظمي وقتك، يجب أن يكون لك رفقة طيبة ونماذج تسترشدين بها في حياتك.

أنا أقدر أن الذهاب إلى أطباء نفسانيين قد يكون مكلفًا، وفي بعض الأماكن قد لا يوجد هؤلاء الأطباء، أعتقد أنك لو أخذت بما ذكرته لك من إرشادات بالرغم من بساطتها لكنها مفيدة قطعًا بإذن الله تعالى.

وأريدك أن تتناولي علاجًا دوائيًا، هنالك أدوية ممتازة جدًّا تساعد في حالتك، والحمد لله تعالى الآن لدينا مجموعة من الأدوية نعتبرها سليمة ومتميزة لدرجة كبيرة؛ من أفضل الأدوية التي سوف تناسبك عقار يعرف باسم (فلوفكسمين) هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريًا (فافرين) وربما تجدينه تحت مسميات تجارية أخرى.

الجرعة التي تبدئين في تناولها هي: خمسون مليجرامًا، يتم تناولها ليلاً بعد الأكل، تناوليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى مائة مليجرام –وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك– تناوليها ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم خفضيها إلى خمسين مليجرامًا لمدة شهرين، ثم مثلها يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، ونشكر لك تواصلك مع إسلام ويب.

www.islamweb.net