مرض استسقاء الحبل الشوكي (Spina Bifida).. كيف يمكنني أعيش الواقع مع هذا المرض؟

2013-11-03 23:19:30 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

مشكلتي أنني منذ الولادة أعاني من: Spina bifida، وهذه الحالة من المعروف أنها تؤثر على المشي وعلى القدرة بالتحكم بالبول والبراز، هذا الأمر جعلني وحيداً من غير صداقة ولا علاقات اجتماعية لمدة مديدةٍ جداً، وكنت أحس أنني أصلاً غير قادر على إقامتها، وعانيت لفترة قريبة جداً من الرهاب الاجتماعي، ومررت بأطوار كثيرة لا أطيل في ذكرها.

المهم أنني تطورت كثيراً في كل النواحي، وتميّزت في كثيرٍ منها وفهمت نفسي وعرفت محاسنها وعيوبها، وأنعم الله عليّ بتيسير كثير من الأمور الصعبة صحياً ونفسياً وعقلياً، وتخفيف ذات هذه الصعوبات أو آثارها.

وقد صارعت نفسي طويلاً، وأظنني غلبتها في كثير من الأمور، وأظن أنني أيضاً وصلت لمراحل من التطور والتفكير عالية نسبيّاً، ولله وحده الحمد والمنة على ما أنعم وتفضّل بأمره وتوفيقه لا شريك له في ذلك، الآن أنا طالب جامعي في السنة الثانية.

بقيت الناحية التي أراني متأخراً فيها هي الناحية الاجتماعية، فأمشي غالباً وحيداً ولا أكلم أحداً إلا سلاماً أو مرور الكرام أو نادراً داخل المحاضرات، وكان هذا منذ البداية؛ لأنني كنت أرى نفسي غير مؤهل لإقامة أي علاقة اجتماعية أو للشعور بالنقص أو ما شابه.

لكن مع قناعتي بوفرة حظ من تعمق في التفكير وترقى بعقله وصفّى وزكّى نفسه، وأطلق العنان لخياله، وكسب الفضائل والنبائل وتحلى بها، وجمع الخير من منابعه، واستمر بالسمو بالنفس عن السفاسف والنقائص والتطور وتحقيق الأهداف النبيلة الصغيرة منها والكبيرة، وهذه الأشياء المحببة إليّ في كثير من الأحيان لا تَخلُصُ لأحدٍ إلا في حال اختلائه بنفسه وروعة وحدته.

مؤخراً رأيتُ حقيقتين بعدما أحسست بهما:
إحداهما: أن الإنسان يحتاج دوماً إلى من يشاركه طريقه وإلا سيشعر بقلبه بفراغ لا يملؤه علم ولا مال ولا راحة جسدية ولا عقل كبير ولا أي شيء، يحس عندما يكون وحيداً وحدةً كاملة أنه لا يحتاج إلا إلى شخص واحد يبوح له بمكنونات نفسه وما يعرض له من كآبة وحزن وأحوال صعبة.

وأخراهما: أن الناس ينظرون إلى من يكون وحده على الدوام بلا انقطاع على أنه ساذج أو (أهبل) خصوصاً عندما يقترن ذلك بمنظر حزين أو كئيب في وجهه، وهدوء مفرط في طبعه، ولعله يفقد احترامه ورونقه ومحبة الناس له التي جاءت حتى من غير مخالطته لهم، ولله الفضل و الأمر من قبل ومن بعد.

وهذا لا يرضيني مع أنني أعلم أنه غير مؤثر في طريقي، لكني أحب الكمال والتكامل بين الذات الداخلية والخارجية، أما الآن فأجدني قادراً على إقامة علاقة مميزة ولا أرضى أصلاً أن تكون غير ذلك، لكن مشكلتي كيف أبدأ؟ ومن أين أبدأ؟ ومع من أبدأ؟

طلاب دفعتي هذه سنتهم الثانية، ولا أحد ينتظرني ليتخذني خليلاً أو أتخذه صديقاً، بعد عام كامل كل واحد اتخذ صديقاً أو أصدقاء كثر، أما أنا فقد تأخرت. لقد اعتاد من حولي رؤيتي وحيداً إلا نادراً جداً، ويقيناً صاروا يظنون أنني أفضل ذلك ولا أريد أصدقاء منهم.

كما ذكرت أودُّ أن أقيم علاقةً مميزة تعينني على إضفاء شيء من الروعة الزائدة في حياتي، وشيئاً من الرونق على شخصيتي، وتساعدني على إنجاز ما أطمح إليه في حياتي، فهل من نصيحة؟

وفقكم الله وسددكم وجزاكم عن أمة نبيه خير الجزاء على ما تقدمون للناس من خيرٍ وعون في أمور دينهم ودنياهم.

أسأل الله لنا ولكم الثبات على الخير والدوام عليه، وأن يرزقنا الإخلاص فيه.
مع أطيب الأماني.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ الفارس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك أخي الفاضل على سؤالك، والذي قرأته أكثر من مرة، وخاصة ما بين السطور، ومما حاولت الحديث عنه تلميحا أو تصريحاً.

نعم إنه ابتلاء غير قليل، أن يصاب الإنسان بمرض استسقاء الحبل الشوكي (Spina Bifida) والمسمى أيضا "الفتق السحائي" أو "فتق النخاع الشوكي" وكما تعلم هو عبارة عن خلل ينتج عن مشكلة في مرحلة النمو المبكر جدا للجنين عندما لا تنغلق بعض فقرات العمود الفقري في الظهر على الحبل الشوكي، ونتيجة لذلك تبقى هنالك منطقة طرية غير محمية قد تنتفخ وتبرز عبر الجلد ككيس، وهو مغطى بغشاء رقيق قد يرشح من خلاله سائل من الحبل الشوكي، وكما ورد في سؤالك أنه يؤثر على بعض الوظائف الحيوية للجسم.

وكما شرحت بالتفصيل عن بعض الآثار النفسية والاجتماعية لهذا المرض، والتي أنت تعاني منها بشكل كبير.

ولكن -ولله الحمد- فقد تمكنت أنت من تجاوز الكثير من الصعوبات والتحديات، ومن الواضح أن هذا قد زادك حكمة وخبرة في الحياة.

ونعم، معك الحق في أهمية وجود من تتحدث معه، وتفتح له قلبك وتشاركه طريق الحياة، ولكن مازال هذا ممكن التحقيق في حياتك، وخاصة إذا خلعت عن نفسك فكرة أنك مصاب بالسبينا بيفيدا، وحاولت التعامل مع الناس بالشكل الطبيعي، أو القريب من الطبيعي، قدر الإمكان، ونعم أنت محق بأن الناس إذا شاهدوك منعزلا عنهم فقد يستنتجون بأنك تفضل هذه العزلة، وأفض حلّ لهذا هو بأن تقترب منهم، وتتحدث معهم، وتضحك معهم، فليس كل تعاملك وتفاعلك معهم يجب أن يمرّ من باب هذا المرض وهذه الإعاقة... فأنت ككل إنسان آخر، لك طموحاتك وآمالك وأحلامك ومخاوفك.

اعذر الناس فأنا أعلم من ممارستي بأن الغالبية الكبرى لا تعلم الكثير عن هذا المرض بهذا الاسم الأجنبي الغريب، وكما يقال أن الإنسان عدوّ ما يجهل، وهنا يأتي دورك في الاقتراب من الناس ليروا ويعيشوا ليس مع السبينا بيفيدا، فأنت لست مجرد سبينا بيفيدا، وإنما أنت إنسان له كل ما سبق من الطموحات والآمال.

من الغد، لا تسر بالطريق والطريقة التي اعتدتها مبتعدا عن الآخرين، ولكن أعطهم فرصة ليتعرفوا على الشاب "الفارس" الذي يعيش بينهم ويدرس معهم.

ومن يدري من خلال الزمن سيتعرف الناس عليك، وستجد من تشاركها حياتك، وتبوح لها بمكنونات قلبك.

الأمر الآخر، هل عندكم في الأردن -والغالب أنه يوجد- جمعية خاصة لتقديم الخدمات والدعم لمن أبتلي وأصيب بهذا المرض، ولعلك تلعب دورا هاما في عمل هذه الجمعية، وتوعية الناس بهذه الحالة، والمطالبة بالخدمات المناسبة لمن أصيب بهذا وأسرته.

وفقك الله، مع أطيب الأماني لك.

www.islamweb.net