حائر في مستقبلي بين الوطن والغربة

2020-04-16 02:49:16 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أنا شاب أحاول جاهدا التقرب من الله بكل السبل، وأحتاج لتوجيهكم الطيب، عسى أن تتضح لي المعالم أكثر.

منذ سنوات وأنا أعمل كفني خاص بالهواتف المحمولة - عمل مستقل حر دون قيود - في نفس الوقت أقوم بالتجارة بين الحين والآخر في هذا المجال طبعا، عملي أقابل يوميا العديد من الناس، وأكون سعيدا جدا عندما أقوم بتقديم يد العون خاصة للناس البسطاء، فأنا أحب عملي كثيرا.

وللعلم فقد حصلت على شهادة في اللغة الألمانية من أجل أن أتم دراستي هناك، وكل الطرق -ولله الحمد- اجتازتها، لكنني قوبلت بالرفض من طرف سفارة بلدي دون مبرر يقبله العقل، وقد مر على هذا الأمر ست سنوات، لكنني في الأشهر الأخيرة فكرت أن أقوم بعمل طلب من جديد في اختصاص التمريض وهو -العناية بالمسنين- لأن لدي خبرة فيه أيضا.

الذي يشغل بالي هو أني أخاف أن أصاب بالاكتئاب في بلاد الغربة، بحكم علاقتي مع الله، عدا عن أني اجتماعي أحب الجلوس مع مختلف الناس، وقضاء وقت مع الأصدقاء، والسفر، الخ، كما أحب زيارة الأهل كل مرة، وأحب الصلاة في المسجد، والكثير من الأعمال التي أرى أني سأحرم منها هناك.

والخوف الأكبر هو أن يقع لي خلل في ديني وأنا غارق هناك وحدي، وأني بذلك سأخسر وقتي وأندم على ما فات، فهل فكرة الهجرة إلى هناك صائبة يا إخوتي؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زكريا حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - ابننا الفاضل - في موقعك، ونشكر لك هذا السؤال الرائع، وهنيئًا لك على رضاك بما أولاك مولاك، ونسأل الله أن يُديم عليك النِّعم، وأن يُصلح الأحوال، وأن يُحقق لنا ولكم في طاعته السعادة والآمال.

الحمد لله أنت على خير، وهنيئًا لك بسعادتك بتقديم العون للبسطاء والضعفاء، وهنيئًا لك بحبك لعملك، وما عمل الإنسان أطيب من أن يكسب من عمل يده، ونبيُّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده - عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه -.

لا مانع من أن تطور من مهاراتك، أو تنتقل إلى مهنة أخرى ووظيفة أخرى، وهي أيضًا الحمد لله فيها الخير الكثير، وهي مسألة العناية بالمُسنِّين، واحتسب الأجر والثواب، فالمؤمن يعتبر كل إنسانٍ أكبر منه سِنًّا في مقام الأب، نسأل الله أن ينفع بك حيثما حللتَ.

أمَّا بالنسبة لمسألة الهجرة: فنحن لا نؤيد فكرة الاستعجال بالهجرة خاصة قبل الزواج، لأنك ستجد نفسك في بلاد الشهوات، بل نحن نقول: إذا كان في بلدك تجد ما يُغنيك ويُسعدك فالخير كل الخير في أن يكون الإنسان في بيئته يُعان فيها على الطاعات، ويُعان فيها على صلة الأرحام، يجدُ فيها من الإخوان مَن يُذكّرُ بالله تبارك وتعالى، ويُعين على طاعة الله تبارك وتعالى.

فالسفر إلى بلادٍ غير بلاد المسلمين ما ينبغي أن يلجأ إليه الإنسان إلَّا لضرورة مُلجئة، لا يجد ما يُغني عنها في كل بلاد المسلمين، أن تكون هناك ضرورة، أن يتمكّن من إقامة دينه، أن يأمن على عرضه وشرفه، أن ينجح في تجاوز الشهوات، ولن ينجح إلَّا إذا كان له ورعٌ يحميه، ودينٌ يردعه، وزوجة تعفُّه.

ولذلك على كل حال: نحن لا نؤيد فكرة الاستعجال بالهجرة إلى بلاد الغرب، ولعلّك أيضًا تتابع الآن ما يحدث من انتشار للأمراض، وكيف أن الإنسان يفقد قيمته في تلك البلاد التي ربما فيها التطور المادي، لكن ثبت أن عندنا القيم والمعاني والمحبة والأخوة والطاعة لله تبارك وتعالى، وأُمّة الإسلام بحاجة إلى أن تفهم إسلامها، بحاجة إلى أن تُطبق هذا الإسلام، بحاجة إلى أن ننشر هذا الإسلام، وعندها ستخضع الدُّنيا، فالدُّنيا محتاجة إلى البضاعة التي عندنا.

لذلك فكرة الهجرة إذا كان في بلدك ما يُغنيك وما يُرضيك، وأنت بهذه السعادة وبهذا النجاح وبهذا الرضا؛ لا نُشجع فكرة الاستعجال بالهجرة إلى بلادٍ أخرى، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُديم علينا وعليكم النعم، وأن يُلهمنا السداد والرشاد.

وهذه وصيتنا لك ولأنفسنا بتقوى الله، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

www.islamweb.net