أحاول أن أبتسم وأفرح ولكن عقلي يقودني إلى الحزن.

2020-05-12 03:48:00 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو التكرم من الدكتور محمد عبد العليم بالرد على رسالتي، وله جزيل الشكر، كما أشكركم على الدعم الذي تقدمونه لأبناء الوطن العربي جزاكم الله خيرا.

أنا أعاني من الاكتئاب المزمن والشديد، وأيضا الاكتئاب المبتسم، عمري 45 عاما، وأصبت بالاكتئاب منذ أن كان عمري 13 عاما، والسبب الرئيسي كان بسبب حالات وفاة متكررة لأصدقاء لي بنفس عمري حينذاك في المدرسة، وأقرباء، كما أن حالة وفاة حصلت لصديق العائلة عندما كنت في عمر 19 عاما بسبب سقوط الطائرة التي كان على متنها -رحمه الله-، وهذه الحادثة جعلتني أتجنب الطيران، وخسرت وظيفتي لرفضي السفر، وفي الوظيفة الجديدة لا أستطيع الترقي لعدم قبولي السفر للعمل.

أصبحت لا أفكر في الحياة إنما أنا أحيا لأفكر في الموت، والقبر، والحساب ويوم القيامة، بل وكنت أرفض الإنجاب لكي لا أنجب أولادي وأقدمهم للموت في يوم ما.

طلبت العلاج في عمر 34 عاما، وقد شخص الطبيب حالتي بالاكتئاب المزمن، ووصف لي افكسور 75 مغ يوميا، وقد ساعد في معالجة بعض الأعراض وخاصة الفوبيا الاجتماعية، ونوبات الهلع، ولكن لم يعالج الخوف أو رهاب الموت، ولا الشعور بالذنب الشديد، ولم يعالج فقدان اللذة في الحياة، ولا فوبيا الطيران والمرتفعات، وللعلم لم أكن منتظما في أخذ الافكسور من ناحية التوقيت ونسيان الجرعات، ولم أرغب في زيارة الطبيب دوما، حيث أن العلاج النفسي في بلدي مكلف جدا، خاصة العلاج السلوكي المعرفي والذي نصحني فيه الطبيب، وقد أخذت جلسة واحدة فقط وكانت مبدئية، ولم أعد للجلسات بسبب الكلفة العالية.

بعد 6 سنوات من العلاج حصلت انتكاسة عند بلوغي 45 عاما، حيث رجعت نوبات الهلع والشعور الفظيع بالذنب والحزن على الماضي، وأيامي التي أضعتها في عز شبابي بالمرض، شعور بالذنب مع فقدان لذة الحياة، أحزن على كل شيء فات، لا أستطيع رؤية أي شيء قديم من الزمن الماضي فأحزن جدا، حتى صوري القديمة أحزن إذا رأيتها، وكلما حاولت الابتسامة والفرح لحدث ما يقول لي عقلي لا تفرح فأنت ستموت في يوم ما، فما الفائدة؟ فأتكدر وأحزن وأفقد لذة الفرحة.

كما أنه حصل لي شيء غريب، ألا وهو الخوف من قراءة القرآن، والخوف من الحديث في أمور الدين، مع أنني للعلم شخص مؤمن جدا بالله، ومواظب على صلاتي وقراءتي للقرآن منذ فترة طويلة، بل وعندي إيمان عميق بالدين، وبار بوالدي بفضل الله، ولكن هذا الشعور بدأ لدي منذ فترة 4 شهور تقريبا.

توقفت عن أخذ الدواء تدريجيا لتفادي أعراض الانسحاب، وبدون استشارة الطبيب، حيث أنني لم أستطيع زيارته بسبب الحجر والحظر العام في بلدي بسبب جائحة كورونا وطبعا الكلفة العالية.

اليوم أنا أتألم بأنني وصلت للـ 45 من عمري، لا أصدق بأنني ضيعت شبابي بدون علاج، أشعر بقسوة الذنب على حالي التي تركتها بدون علاج لجهلي بموضوع الاكتئاب، فهل يوجد علاج لحالتي؟ أريد أن أعيش بقية حياتي أفكر في الحياة وليس الموت.

أرجو التكرم بالرد على حالتي، مع جزيل الشكر والتقدير لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ سنوسي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأرحب بك في الشبكة الإسلامية، وتقبّل الله صيامكم وطاعاتكم.

أخي: أتفق معك أن الاكتئاب مرض سخيف، لا شك في ذلك، والاكتئاب حين يُطبق على الإنسان قد يُعطّل حياته، لكن بفضل من الله تعالى الآن أصبح العلاج متوفرًا، وأصبح الناس يتفهمون الاكتئاب، لأن أحد المشاكل المتعلقة بالاكتئاب هو تشخيصه، ليس كل كدرٍ أو حزنٍ يعني وجود اكتئاب، وليس كل فرحٍ يعني أنه لا يوجد اكتئاب.

أخي الكريم: الإنسان له مكونات سلوكية أساسية، وهي: التفكير، والمشاعر والأفعال. دائمًا الاكتئاب يُعطل الثلاثة (التفكير والمشاعر والأفعال)، ولذا نقول للناس: عيشوا على الأمل، عيشوا على الرجاء، الكون خُلق في ثنائية عجيبة، كلُّ شيءٍ يُقابله شيء آخر، الشر يُقابله الخير، الحزن يُقابله الفرح، ... وهكذا. والإنسان لا بد أن يرجّح كفّة الخير دائمًا.

وأنت الحمد لله – يا أخي – في عمر النضوج التام، لا تأس ولا تأسف على ما فاتك – يا أخي – لو كنتُ في مكانك لابتدأتُ وانطلقتُ انطلاقة قوية في الحياة، وهذا ليس مستحيلاً، لا تنقد بأفكارك أو بمشاعرك، إنما انقيادك بأفعالك، ما الذي يجب أن تقوم به الآن؟ على النطاق المهني، على النطاق الاجتماعي، على النطاق الشخصي، يجب أن تعيد خارطة ذهنك بصورة فاعلة، وهذا ليس مستحيلاً، الله تعالى أعطانا القدرة على التغيير، نعم هذا التغيير قد يتأخّر، الطاقات والخبرات والإمكانات هي موجودة قد تكون كامنة، والإنسان يمكن أن يُخرجها ويستدعيها، اجعل هذه الأمور مبادئك في الحياة – أخي الكريم -.

أهم شيء تقوم به في الحياة هو أن تقوم بالواجبات الاجتماعية، هذا علاج نفسي مهمٌّ جدًّا، لا تتخلف عن واجب اجتماعي أبدًا (الدعوات، الأفراح، الأتراح، المشي في الجنائز، تقديم واجب العزاء، زيارة المرضى، صلة الرحم، الخروج مع الأصدقاء من وقتٍ لآخر ... ) وهكذا، هذا علاج مهمٌّ جدًّا، وبناء شبكة اجتماعية أعتقد أنه أمرٌ ضروري، كذلك الصلاة مع الجماعة فيها خير كثير جدًّا وعظيم جدًّا، فيها خيري الدنيا والآخرة.

ممارسة الرياضة أمرٌ ضروري، الرياضة الآن أصبحت علاجًا نفسيًّا مهمًّا، لأنها تؤدي إلى تغيير كامل في كيمياء الدماغ، تُنشّط مادة السيروتونين، تؤدي إلى توازن في مادة النورأدرينالين، والمادة (ب) وكذلك الدوبامين، أصبح الآن أمرًا علميًّا، الرياضة تقوّي النفوس قبل الأجسام، فيجب أن تعطي نفسك فيها نصيبًا.

إذًا لدينا شيئان مهمَّان: تواصل اجتماعي، وممارسة الرياضة.

الأمر الثالث هو: حسن إدارة الوقت بصورة طيبة، ومتوازنة، وتُبدع في عملك وفي محبتك لأسرتك وبرّك لوالديك، كل هذا سيُخرجك من الاكتئاب إذا جعلته نمط حياتك، وهذا ليس مستحيلاً.

نأتي بعد ذلك للأدوية: أنا أعتقد أنك إذا تناولت أحد مضادات الاكتئاب الفاعلة بانتظام سيكون أمرًا جيدًا ومفيدًا بالنسبة لك، هي كثيرة جدًّا، ودواء مثل السيرترالين – والذي يُعرف تجاريًا باسم لسترال – ممتاز، يمكن أن يُدعم بعقار مثل (لامتروجين/لامكتال) وهو مثبت للمزاج، لكنه يُفيد في مثل هذه الحالات، وأرجو أن تستشير طبيبك في نوعية العلاجات التي تأخذها.

الخوف من الموت يجب أن يكون موجودًا كخوف شرعي وليس خوفًا مرضيًا، نسميه التفكير المعقول في الموت، بمعنى أفكر في مآلي في قبري وفي عرضي أمام الله، وهذا يدفعني للعمل الجاد في الدنيا وللآخرة معا، (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تعيش غدا) وهي نظرية عظيمة لمن استطاع تطبيقها بشكل منظم، فلا يغلب جانبا على جانب، فنبينا صلى الله عليه وسلم مع أنه كان لديه مهام النبوة والرسالة، ولكن ذلك لم يمنعه من الزواج وإنجاب الذرية، والاهتمام بواقعه حتى آخر لحظة.

نسأل الله أن يُحسن خواتيمنا، بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net