أمر بوساوس تنغص علي كل حياتي وعبادتي.

2020-12-06 02:40:29 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي أنا أمر بوساوس تنغص علي كل حياتي وعبادتي، وساوس تجاه الله والرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء والقرآن، وكل شيء، مع أني والله جعلت الله في حياتي قبل كل شيء، واخترت طريق الحق.

أحاول الالتزام قدر المستطاع، وملتزمة بأوراد عبادتي، ولكن هذه الوساوس لا تتركني، تراودني من حين لآخر.

أخاف أن أفر منها فتأتيني علي فراش الموت، فهذه عقيدة أخاف ألا أستطيع الجواب في القبر، وأن تكون هذه الوساوس هي بالفعل ما بداخلي، وحينها لا أستطيع المفر، أبحث عن إجابات ولكن مشوشة كثيراً، لا أعرف عن ماذا أبحث، ولماذا أنا أحب الله كثيراً، وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخجل من الله لما يدور بداخل عقلي ونفسي، ولكن والله لا أستطيع توقفه، لا يقف، ولكن لاحظت أن هذه الوساوس تأتي عند العادة الشهرية، عندما أبتعد عن الصلاة.

هل لها دخل أم لا؟ وكيف أتخلص منها بالله؟ وهل أبحث عن الإجابات وأقرأ عن الأديان؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- ورداً على استشارتك أقول:
قبل أن أدخل في الإجابة على استشارتك فإني أوصيك بالمحافظة على أداء الصلاة في أول وقتها، مع الاستمرار الدائم في تقوية إيمانك من خلال تنويع الأعمال الصالحة، بحيث تكون كورد يومي، وأن تلتزمي بتلاوة جزء من القرآن الكريم، وذلك بأن تقرئي ورقتين بعد كل صلاة، وسيكون ختمك للجزء بعد صلاة العشاء.

حافظي على أذكار اليوم والليلة بحيث لا يفوتك أي ذكر فذلك سيكون سبباً في جعل سد منيع بينك وبين الشيطان الرجيم.

اعلمي أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإن ذكر العبد ربه خنس الشيطان، وإن غفل وسوس يقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

لا يوجد أحد منا إلا ويوسوس له الشيطان الرجيم ولم يعصم منه إلا أنبياء الله تعالى كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ، إلَّا وقدْ وُكِّلَ به قَرِينُهُ مِنَ الجِنِّ قالوا: وإيَّاكَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: وإيَّايَ، إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَنِي عليه فأسْلَمَ، فلا يَأْمُرُنِي إلَّا بخَيْرٍ).

موقف الناس من وسوسة الشيطان على فريقين الأول يحتقر تلك الوساوس ولا يتقبلها ويرفضها ولا يسترسل، أو يتحاور معها ويستعيذون بالله من الشيطان الرجيم فور ورود تلك الوساوس فهذا الصنف يخنس الشيطان منهم وييأس من الاستيلاء عليهم والصنف الثاني هم الذين يتقبلون تلك الوساوس ويصغون لها ويسترسلون ويتحاورون معها فهذا الصنف هم الذين يفترسهم الشيطان لأنهم أبانوا له ضعفهم.

مما لا شك فيه أن الوساوس تكثر في الأوقات التي يغفل العبد عن ذكر الله تعالى مثل أوقات الدورة الشهرية عند المرأة كونها لا تصلي وربما لا تقرأ القرآن وقد تترك أذكار اليوم والليلة،

لذلك على المرأة في حال الدورة أن تكثف من ذكر الله تعالى وتجعل لسانها رطبا من ذكر الله، وبما أن المدة قد تكون طويلة فتنسى القرآن فلا بأس أن تقرأه من حفظها، وأن تستمع من هاتفها من أجل ألا يتسلط عليها الشيطان الرجيم بوساوسه.

وساوس العقيدة أتت لخيرة هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليه وقد اشتكوا للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال لهم واصفا للعلاج: (يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ).

الوساوس التي تأتي للعبد عند الصلاة منشؤها شيطان يقال له خنزب، فقد أَتَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه إلى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: -ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا-، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).

من جملة التوجيهات النبوية لهذه الأمة في اتقاء الوساوس قوله عليه الصلاة والسلام: (يَأتيِ ْالّشَّيْطَاْنُ أحَدَكُمْ فَيَقُوْلُ مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَاْ ؟ حَتَّىْ يَقُوْلُ لَهُ مَنْ خَلَقَ ربَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ) وفي رواية: (فَمْن َوَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاْللهِ)، ومعنى ذلك الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.

قال الإمام المازري رحمه الله: ظاهر الحديث أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين، فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمراً طارئاً بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها، والله أعلم.

أما قوله: فليستعذ بالله ولينته فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله أعلم.

قال الحافظ في الفتح في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: قوله: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.

قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك.

الشيطان ضعيف لا يستطيع مواجهة الإنسان ولذلك لجأ إلى الوسوسة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) فعليك أن تستنهضي قواك وتعزمي على الانتصار عليه من خلال احتقار وساوسه وعدم التحاور معها وقطعها فور ورودها فإن جاهدت نفسك وفقك الله تعالى ونصرك عليه.

لا تقولي لا أستطيع توقيف تلك الوساوس فهذه رسالة سلبية تجعل عقلك يستسلم للشيطان ويخضع له، بل قولي سأوقف هذه الوساوس وسأنتصر عليه مستعينة بالله تعالى.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وتحيني أوقات الإجابة وسلي الله تعالى أن يذهب عنك الشيطان ووساوسه وسليه الإعانة على الانتصار عليه وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق وأن يكفينا الشيطان ووساوسه وينصرنا عليه إنه سميع مجيب.

www.islamweb.net