المسلسلات وأحلام اليقظة والأوهام جعلتني لا أتقبل الواقع

2020-12-24 04:50:34 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله

بشكل مختصر: مشكلتي هي عدم تقبل الواقع، لطالما كنت منذ الطفولة عندي توقعات وآمال كبيرة ارتطمت بجدار الواقع الذي كسر هذه التوقعات مسببة لي صدمات متتالية، بداية من علاقتي بأفراد أسرتي إلى علاقاتي الاجتماعية والآن علاقتي بزوجي وأبنائي.

أنا إنسانة مؤمنة بالقضاء والقدر، وأبذل جهدي لأكون مستقيمة في حياتي، أعرف الصحيح والخطأ وتفكيري نظيف، وكلامي للآخرين فيه شيء من المثالية كما هي توقعاتي بكل شيء.

أريد من عائلتي أن تكون سعيدة، وأحلم بزوج حنون يحبني وحدي، ويحن علي ويغرقني باهتمامه وعطفه كما في المسلسلات، وأعرف أن هذا غير موجود بالواقع، وأريد أطفالي أن يكونوا عقلاء هادئين، ناجحين وسعداء، بيت هادئ، لا مشاكل، نظام واستقرار ..الخ.

كل شيء أريده أن يكون مثاليا وأعرف أنني نفسي لست مثالية، بل أملك كثيرا من العيوب.

لذا ألجأ للتخيل، أتخيل نفسي إنسانة أخرى بصفات أرغب بها، وهي غير موجودة لدي، أتخيل وجود الزوج الرومانسي الودود الذي أكون أنا محور اهتمامه وعاطفته، وكل شيء في حياته، مع أنني لا أقدم له نفس الاهتمام.

أتخيل السعادة العائلية بالصورة التي أرسمها، أتأثر بالدراما والمسلسلات كثيرا، وخصوصا الرومانسية والحب وغيرها، وأعيش في عالم الأحلام، وهذا يسرق وقتي ويجعلني مهملة في بيتي ومع زوجي وأولادي الذين لا أستطيع تقبلهم مع مشاكستهم ومشاكلهم وعنادهم، تذكرت أني لا ستطيع التعامل مع الأزمات كما هي.

أعرف أن ما أعيشه خطأ، وأحاول أن أخرج بنفسي من هذه الحالة، أريد النصيحة رجاء.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أمير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
لديك استشارات سابقة أجاب عليها الشيخ الفاضل الدكتور أحمد الفرجابي.

حقيقة ما ذكرته من علة في شخصيتك أو نمط في شخصيتك موجود لدى بعض الناس، خاصة من الإناث، ولا أعتبرك مريضة حقيقة، إنما هو نوع من السمات المتعلقة بشخصيتك، فأنت تُسرفين في أحلام اليقظة منذ الطفولة، وكما تعرفين هنالك هوّة كبيرة جدًّا ما بين أحلام اليقظة والواقع، وأحلام اليقظة في حدِّ ذاتها ليست مرفوضة إذا كانت بالكيفية والكم المعقول؛ لأنها أيضًا تجعل الفكر الإنساني ينطلق، وتجعل الإنسان يُفكّر في أهداف مُعيّنة ويضع الآليات التي توصله إلى أهدافه.

لكن طريقة تفكيرك يجب أن تُغيَّر، فأنت الحمد لله مدركة الداء، وينبغي أن تدركي الدواء، وأحسب أنك مدركة له.

أنت الحمد لله الآن شخص مسؤول، حباك الله تعالى بالزوج وبالذرية، وما عدا هذا الخيال الغير واقعي يفيد، يجب أن تنزلي إلى واقع الحياة، تتحسّسي أقدامك بصورة إيجابية، الإنسان هو عبارة عن أفكار ومشاعر وأفعال، أنت محتاجة أن تركزي على الأفعال؛ لأنها هي التي سوف تُغيّر الأفكار والمشاعر، بمعنى: أن يكون لك برنامج يومي تلتزمي بتطبيقه، يتمثل هذا البرنامج مثلاً: النوم الليلي المبكّر، الاستيقاظ المبكّر، أداء صلاة الفجر، بعد ذلك مثلاً بعض الأعمال المنزلية ... وهكذا، تكونُ هنالك برامج مقيدة، ووقت طبعًا للترفيه عن النفس، ووقت للقراءة، ووقت للعبادة، ووقت للتواصل الاجتماعي، ...

هذا كله يجب أن يُطبق، هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تجعلك أكثر ارتباطًا بالواقع، وسوف تحسِّين أن إنجازاتك العملية قد هيمنت على حياتك ممَّا يجعلك أكثر ارتباطًا بالواقع، وأكثر استبصارًا، وتعيشين الحاضر بقوة؛ لأن قوة الحاضر دائمًا أفضل من ضعف الماضي، وأفضل أيضًا من تخوفات المستقبل.

إذًا عيشي الحاضر بقوة من خلال الأفعال وليس من خلال الأفكار والمشاعر، أفعال، هذا هو الذي سوف يُغيّر حياتك تمامًا، وأنا أنصحك بهذا النمط وعلى هذه الطريقة في السلوك.

أريدك أيضًا أن تقرئي عن الذكاء الوجداني أو الذكاء العاطفي، هذا عالم راق جدًّا، هنالك الذكاء الأكاديمي هو الذي يُساعدنا في الحياة عامَّة، ومن خلاله نتعامل مع الناس، نتحصّل على الدرجات العلمية وخلافه، أمَّا الذكاء العاطفي فهو الذي من خلاله نفهم أنفسنا بصورة صحيحة، ثم نضع الخطط والآليات التي تجعلنا نتعامل مع أنفسنا بصورة إيجابية، وأيضًا من خلال الذكاء العاطفي يتعلم الإنسان كيف يفهم الآخرين وكيف يتعامل معهم بصورة إيجابية.

كتاب دانييل جولمان دائمًا أشير إليه؛ لأن البروفيسور جولمان هو مؤسس هذا العلم، وكتب هذا الكتاب عام 1995، والكتاب موجود باللغة العربية، كتاب رائع ممتاز جدًّا، وتوجد طبعًا مؤلفات وكتبٌ أخرى حول الذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني. أنت محتاجة حقيقة أن تطوري من ذكائك الوجداني.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net