إصلاح انحراف الطفل

2005-12-24 09:35:20 | إسلام ويب

السؤال:
مشكلتي هي ابن أختي، فهو منذ الصغر وهو شخصية مؤذية، وتبدأ القصة من طلاق أختي من زوجها، وقد أنجبت اثنان، وظل هذا الفتى في بيتنا حتى سن الخامسة حيث أخذه أبوه في القرية وكان يسكنه في أماكن مهجورة لوحده ويتركه في النهار دون أكل أو شراب، وبعد فترة عاد الفتى إلينا لتبدأ معاناتنا معه، حيث كان من النوع الغضوب جداً حتى أنه مستعد لاستعمال أي شيء في يده مهما كان الواقف أمامه (حجر- سكين...ونحو ذلك)، بالطبع نال نصيبا كبيراً من الضرب والعقاب، ثم كبر الفتى وزادت شراسته ولا مبالاته بنصائح الآخرين وتصرفاته وفق هواه، وفي مرة كاد أن يقتل أخاه بسبب مشادة كلامية بينهما، وأخيراً ابتلاه الله بصحبة سيئة فانخرط معهم.

وبدأت رحلة الضياع من السيجارة والتأخر إلى أنصاف الليالي مروراً بالسرقة - مع اعترافه بسرقاته على نحو يشبه التفاخر بهذه التصرفات- المشكلة أننا عائلة محافظة جداً وقد كلمناه كلنا (جميع أفراد العائلة) مراراً وتكرارا بجميع الوسائل دون جدوى، وأخيراً تبرأت منه العائلة بشكل علني وما عاد يأتي البيت، وحاليا هو محبوس في قضية سرقة لجيراننا، (أرجو مراجعة جزئية الغضب الذي يحصل معه الإغلاق مع الدكتور محمد عبد العليم).

سؤال آخر: ابنتي ذات الأربع سنين عصبية، فكيف أعالج ذلك؟ علماً بأن لديها أختاً أصغر منها.

سؤال ثالث: هل سوء الخط يعني بالضرورة الحالة النفسية؟ حيث أن خطي جميل في العادة لكني أراه الآن غير ذلك، وأشكركم جميعاً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يُصلح الشباب، وأن يُلهمهم الرشد، والصواب وأن يُعيننا جميعاً على ذكره وشكره وحسن عباده.

فليت كل من يفكّر في الطلاق أو من تطلب الفراق يتذكرون مستقبل أطفالهم وفلذات أكبادهم، فإن نَتائج الدراسات التي أُجريت على أبناء المطلقات وأطفال الأسر التي لا تعرف نعمة الاستقرار نتائج مخيفة جداً، ولا يفرح بخراب البيوت إلا الشيطان الذي يريد أن يحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، ويثني على من ينجح في خراب البيوت من العفاريت، ويقول له أنت أنت؛ وذلك لأن الطلاق مشكلة تجر وراءها مصائب كثيرة، مثل العداوة والبغضاء والفضائح والغيبة والنميمة، وقطع الرحم، بالإضافة إلى ضياع الأطفال وانجرافهم في زمرة المجرمين الحاقدين على الجميع؛ وذلك لأن الطفل يأخذ صورةً قبيحة عن دور الأبوين، ويشعر أنه غريبٌ في المجتمع المستقر، ومما يزيد في تعقيد المشكلة أننا لا نلتزم بالضوابط الشرعية في زواجنا ولا عند اختلافنا ولا حين افتراقنا، وما من شيء تركناه من شريعة ربنا إلا ندمنا عليه ودفعنا ثمنه غالياً، ونسأل الله أن يتوب علينا وأن يردنا إلى صوابنا.

ولا شك أن الأب الذي يحرض أولاده ضد والدتهم يقع في خطأٍ كبير، وكذلك الأم التي تحمل أبناءها على عقوق والدهم تدفع الثمن غالياً، وفي كل الأحوال فإن الطفل يفقد الاحترام لوالديه، ويتربى على الحقد والكراهية، ويُصاب بالاضطراب والتردد، ويعبر عن ذلك بالتمرد على المجتمع والتحدي للقيم الفاضلة، والارتماء في أحضان أصدقاء السوء ليجد جرعاتٍ من الاهتمام والعواطف، وغالباً ما يفعل الجرائم التي يريد بها أن يلفت الأنظار، وأن ينتقم من المجتمع الذي لم يوفر له أسرةً مستقرة.

وقد كان الخطأ كبيراً في عزل الطفل لمدةٍ طويلة عن والدته، مع عدم وجود أي مظهر من مظاهر الاهتمام بطعامه وشرابه وراحته، ومعلوم أن شدة الجوع والإهمال العاطفي تولّد أمراض عصيبة وعاهات نفسية وهذا هو ما حدث.

ولا شك أن المعالجات الخاطئة تزيد من الأضرار، وتعمق روح العناد والرغبة في الانتقام، فالضرب هو آخر العلاجات، شريطة أن تراعى فيه أشياء عديدة، فإن المربي الناجح يبدأ بالتغافل عن الخطأ، ثم بالتنبيه والتعليم، ثم التهديد والتعنيف، ثم بتعليق السوط مع التذكر بالله والتخويف، ثم نستخدم العصا، مع ضرورة أن نتذكر أن الهدف هو التأديب وليس الانتقام، وأن لا يُصاحب العقوبة توبيخ، وأن لا تكون أمام الناس، وأن تكون العقوبة مناسبة للجرم، وأن لا نتخذ العقوبة عادةً، وأن نـتأكد من فائدة الضرب، وأن ننتقي المواطن الحساسة، وإشعار الطفل بحبنا له وكراهيتنا للخطأ الذي وقع فيه، ومن الضروري إيقاف العقاب إذا بكى أو هرب.

أما اعتداء هذا الولد على أخيه، فهو نوعٌ من التعبير عند عدم العدل، وهذا مؤشر خطير أرجو الانتباه له؛ لأن عدم العدل يولّد روح الانتقام والحقد على شقيقه، ويوجد في نفسه الرغبة في فعل ما يغيظ من حوله، والحرص على الظهور حتى ولو كان يفعل أشياء خاطئة.

ومن هنا يتبين لنا أن الطفل شديد الحساسية والتأثير بما يحدث حوله، فهو يتأثر بالخصام والتوتر حتى وهو في بطن أمه، ويعبّر عن ذلك بكثرة الحركة في بطن أمه، ويرفض الثدي، وكثرة البكاء والتبول، والعناد، ومص الأصبع، ورفض الطعام ...إلى غير ذلك من التصرفات التي تدل على وجود خلل.

وأرجو عدم اليأس من الإصلاح، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، ولكننا ننصحكم بما يلي:

1- اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه .

2- الإخلاص في نصحه، وعدم الخوف على سمعة العائلة، وأرجو أن يكون جهدنا لله وخوفنا منه.

3- الاتفاق على منهج موحد في التوجيه.

4- فتح أبواب الأمل وخطوط العودة إلى الصواب؛ وذلك بتضخيم الإيجابيات وعدم التذكير بالسلبيات والبعد عن التوبيخ.

5- إشعاره بالحب والاهتمام.

6- الاجتهاد في عزله عن قرناء السوء.

7- اختيار الأوقات المناسبة لنصحه وانتقاء الكلمات المؤثرة .

8- زيارته في السجن والاهتمام بأمره.

9- فتح أبواب الحوار معه.

10- منحه نوع من الثقة المشوبة بالحذر.

11- إشعاره بحاجة والدته وأسرته إليه.

أما بالنسبة لطفلتك العصبية فأرجو علاجها بما يلي:

1- اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه.

2- الحرص على الطاعة والبعد عن المعاصي، فإن الإنسان يلمس أثر طاعته ويجني ثمار عصيانه في أولاده وزوجته ودابته ورزقه.

3- أن تتجنب إظهار العصيبة أمامها، وإبعادها عن والدها في حال غضبه.

4- العدل بينها وبين أختها الصغيرة؛ حتى لا تشعر أنها فقدت مكانتها، والعدل حتى في النظرات واللمسات والقبلات.

5- تفادي الأشياء التي تُثير غضبها.

6- الاتفاق على منهجٍ موحد في توجيهها وتربيتها.

7- إيقاف التدخلات السالبة من الأطراف الأخرى كالخال والعم والجدة.

8- عدم تنفيذ رغباتها عندما تتعصب؛ حتى لا تعتاد ذلك.

أما بالنسبة للسؤال الثالث، فأرجو أن تعلم أن سوء الخط قد تكون له أسباب عادية، مثل نوع القلم، أو وضع الإنسان أثناء الكتابة، أو استعجاله في الكتابة، أو انشغاله بأشياء أخرى، وكذلك الحالة النفسية يكون لها تأثير على حياة الإنسان وإبداعاته، وسوء الكتابة، وطريقة المشي في الطريق وطريقة الكلام، وتقاطيع الوجه وتعبيراته، ولغة العيون، وحركة الشفاه، كل ذلك مما يستدل به على الحالة النفسية في الدراسات الحديثة، وأرجو أن أذكر بأن الإمام ابن القيم كان سباقاً لكثير من هذه المعاني عندما تكلم عن دلالات مشي النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تدل على أشياء عديدة، منها: علو الهمة، والجدية، والثقة بالنفس، والتطلع للمستقبل، والنشاط، فرحم الله الإمام ابن القيم رحمة واسعة، وقد قال بعض الظرفاء: إذا خطب رجل ابنتك فيمكن أن تستدل على حالته النفسية من مشيه على الأرض، ومن التزامه بالخطوط الأرضية المنظمة لحركة السير، ولا داعي للانزعاج. فأنت أعلم لحالك.

فأكثر من ذكر الله لتنال الطمأنينة وراحة البال والسعادة، وأكثر من الاستغفار والصلاة على النبي المختار.

والله ولي الهداية والتوفيق.

ملاحظة: نعتذر على عدم تنفيذ رغبتكم بأن يجيب عليها الدكتور محمد عبد العليم بسبب سفره.

www.islamweb.net