أحب التسامح وأن أكون من الكاظمين الغيظ.

2021-01-24 04:59:56 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم..

تربيت على أهمية التسامح، وأن أكون من الكاظمين الغيظ، وكنت أفعل ذلك دائماً ظناً مني أنه الصواب حتى وقعت في مواقف كبيرة تتطلب الرد أو أخذ الحق، فوجدت أني لا أمتلك أقل مهارات أستطيع أن آخذ بها حقي، ولا أمتلك أصلاً المقدرة حتى أحقق قول \"العفو عند المقدرة\" شعرت بالضعف الشديد والتيه واضطراب الأفكار.

ما هو المعيار الذي أحدد من خلاله أن هذا وقت آخذ الحق وهذا وقت الكاظمين الغيظ؟ أي كيف أصل لحالة التوازن أن أسامح غيري، وأحفظ حقي ونفسيتي؟

فيم أقرأ من الكتب أو المقالات حتى تتضح لدي الفكرة ولا أكون مثالاً للمؤمن الضعيف؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإياك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو.

بداية نشكر لك هذا السؤال، ونحبُّ أن نُصحِّح أن ما يراه الناس ضعفًا ليس من الضروري أن يكون هو الضعف الذي ينبغي أن يحذره المسلم، هناك مفاهيم تحتاج إلى تصحيح، والشريعة جاءت بهذا التصحيح، فليس الشديد بالصُّرعة ولكن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب، وليس هناك أقوى من هذا الحليم الذي يصبرُ على الأذى، يرجو بهذا الصبر ما عند الله تبارك وتعالى.

حقيقة كنا نتمنَّى أن تذكري نماذج من المواقف التي حصلت حتى نُحدد كيف يكون التصرُّف، ونحن نريد أن نقول: الحلم ليس ضعفًا، والحياء ليس ضعفًا، والرحمة ليست ضعفًا، بل هذه هي القوة بعينها، ولكن نوعية المواقف التي تعرَّضتِ لها هي لها علاقة وثيقة جدًّا بتحديد التصرُّف المناسب مع تلك المواقف.

نحبُّ أن نؤكد أيضًا أن المسلم له حق أن يُدافع عن نفسه، ولكن لا يُبادرُ بالاعتداء، لكن {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مثل ما اعتدى عليكم}، {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلَّا مَن ظُلم}، لكن في كل الأحوال العف والحلم والصفح هو الأعلى، {وإن تعفوا أقربُ للتقوى}، {والكاظمين الغيظ} هناك ما هو أعلى منها، قال: {والعافين عن الناس}، وهناك ما هو أعلى منها قال: {والله يحب المحسنين}.

الذي يكظم الغيظ قد يحمل في نفسه بعض الكُرْه، وقد يفرح إذا أُذيَ هذا الذي قابله بالأذى من ناحية أخرى، لكن والعافين عن الناس يدلُّ على أنه غسل قلبه ونظَّفه من أثر هذه الإساءة، والله يُحبُّ المحسنين هي ما كان يفعله السلف بأن يُقابل الإساءة بالإحسان.

قد دخل رجل على ابن عباس رضي الله عنهما وأساء إليه، همَّ الطُّلاب بالانتقام وتأديب هذا المُسيءُ؛ فنهاهم وقال للرجل: (ألَكَ حاجةٌ فنقضيها؟) ثم أعطاه مائة ألف درهم، فنكَّس الرجلُ رأسَهُ حياء وانصرف.

كما دخل رجل على الحسن بن علي رضي الله عنهما فأساء إليه، فغضبوا منه وأرادوا أن يأخذوا منه الحق؛ فنهاهم، ثم قال: (يا هذا فيَّ من العيوب أكثر ممَّا ذكرتَ، وأحمد الله الذي سترها عنك، ألَكَ حاجة فنقضيها؟) ثم كانت عليه جُبَّة فأعطاهُ إيَّاها وأعطاهُ سبعين ألف درهم، فنكّس الرجل رأسه حياءً وقال: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).

لذلك المسألة فعلاً تحتاج إلى أن نعرف المواقف التي حصلت، ونُكرر الترحيب بك في الموقع، ولا مانع أيضًا من التواصل مرات بالموقع حتى تصلك الإرشادات التفصيلية في هذا الجانب، وأرجو أن تُدركي أن مفاهيم الناس – من أن الذي يعفو ضعيف وأن الذي عنده حياء هذا عيب ونقص، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على رجلٍ يعِظُ أخاه في الحياء فقال: (دعه، فإن الحياء يأتي بخير)، والجزء المذموم هو الخجل، والخجل يترتّب عليه ضياع الحقوق.

ممَّا نحبُّ أن ننبِّه إليه أن كظم الغيظ لا يجوز إذا كان هناك عدوان على حرمات الله، ولكن الإنسان يحتمل في نفسه، وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان الصحابة يحتملون الأذى إذا كان في أنفسهم، ولكن لا يحتملون ذلك إذا كان في أمرٍ يُغضبُ الله تبارك وتعالى، فكان غضبهم لله وليس لأنفسهم.

(كما أن التسامح وكظم الغيظ أحد أهم أساليب الدعوة إلى الله تعالى، بالدعوة العملية الأخلاقية السلوكية).

نسأل الله أن يُفقِّهنا في الدِّين، ونشكر لك هذا التواصل والسؤال، ونكرر الترحيب بك في الموقع.

www.islamweb.net