كنت أحب الله جدا، ولكن اضطربت مشاعري.

2022-10-05 02:03:47 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أنا مراهق، كنت أحب الله حباً شديداً، وفي يوم جاءني إحساس بأني لا أحبه، أصابني التوتر والقلق بسبب هذا الشعور، أنا أصلي وأختم القرآن الكريم، وكنت من حبي لله أريد أن أحفظ القرآن، ولكن لا أعرف كيف جاءني هذا الشعور.

أنا خائف من الله جدا، أخاف أن أصبح من الكافرين، لقد دعوت الله أن يرجع حبي له، وأبكي، وأنا مريض بالوسواس القهري، فهل هذا من المرض أم من الشيطان؟ إني خائف من ربي، وأخشى أن أخسر آخرتي، وأحس أن كل الناس كاذبون حتى شيخ الدين، وأنا غير راض عن هذا الشعور.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به إنه جواد كريم بر رحيم.

أخي الكريم: هل صدقت الشيطان حين أوهمك بهذا العبث؟ هل فجأة ينقلب قلب المحب؟ هل نصدق كيد الشيطان ونتبع حباله؟

لا -يا أخي- أنت محب لله ورسوله، معظم لأمره ونهيه، وما تلك الحرقة التي تحدثت بها إلا دليل صدق محبتك، فلا تحزن ولا تيأس، ولا تتبع خطوات الشيطان فتهلك.

أخي: ليس من شرط المحب ألا تزل قدمه أحيانا، أو يغفل أحيانا، أو ينسى بعض أذكاره أحيانا، قد يقع المؤمن المحب في شيء من هذا فليس معصوما، والله عز وجل قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏]‏‏.

وقد ثبت في الصحيحين أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء وقال‏:‏ قد فعلت، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ‏{‏‏وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 284 ‏]‏ قال‏:‏ دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها قبل ذلك شيء أشد منه، فقال النبي صلى الله علية وسلم‏:‏ ‏"‏قولوا‏:‏ سمعنا وأطعنا وسلمنا"‏‏‏ قال‏:‏ فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى‏ {‏‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏ إلى قوله‏ ‏{‏‏أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏‏ قال الله‏:‏ قد فعلت ‏{‏‏رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}‏‏ قال‏:‏ قد فعلت‏:‏ ‏{‏‏رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ‏}‏‏ قال‏:‏ قد فعلت. وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة.

أخي الكريم: إن النفس مهما بلغت درجة صلاحها فإنها لا تخلو من زلة أو خطأ، وكل بني آدم خطاء كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن بين أن خير الخطائين التوابون.

وفي الحديث القدسي يقول ربنا جل وعز: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب، فاستغفروني أغفر لكم».

وقد ذكرت أنك ختمت القرآن -والحمد لله-، ويقينا مر عليك قول الله تعالى واصفًا عباده المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].

والفاحشة أخي تطلق على كل معصية، وقد بين القرآن أن الصالح قد يقع في الزلل، لكنه متى ما وقع فعل ما يلي:
1- {ذَكَرُوا اللَّهَ} أي ذكروه بألسنتهم، أو أخطروه في قلوبهم، أو ذكروا وعده ووعيده، وقيل الخوف من الله والحياء منه، وقيل ذكروا العرض على الله، وقيل تفكروا في أنفسهم أن الله سائلهم عنه. (القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 4/135). فإذا تذكر هرع إلى ربه مباشرة مبديا ندمه وأوبته وتوبته لربه.

2- {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ثم الأمر الثاني: الاستغفار: أي طلبوا الغفران لأجل ذنوبهم، وهذا الواجب الثاني على من وقع في المعصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، عليه المبادرة إلى الله سبحانه وتعالى بالاستغفار، قال القرطبي: "قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان".

3- {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} يفعل ذلك وهو معتقد أنه لا يغفرها أحد إلا الله، ولن ينجيه إلا الله، ولن يعفو عنه إلا مولاه.

4- {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} الأمر الرابع تجاوز الذنب بالتوبة، ورجع إلى ربه دون إصرار منه على المعصية.

5- {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه، وأن العبد إذا حقق شروط التوبة، واستقام على الطاعة فقد كتب الله له الجزاء العظيم بقوله: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.

وعليه أخي الكريم: فلا تلتفت لما بثه الشيطان في نفسك، ولا تعبأ به، كما لا ينبغي أن تكون أسير ذنب وقع منك أو أسير ذنب وقع فيه غيرك، لا تحكم على الناس ولا على الشيخ من خلال زلة هنا أو هفوة هناك، فأنت قد رأيته يخطئ لكنك لم تر أنينه بين يدي الله يبكي على جرمه، والأصل في المسلم السلامة.

ووصيتنا لك:
1- الوساوس ليس لها حظ من الإنسان إن أهملها وتغافلها ولم يعرها اهتماماً، وما دام القلب مستقيماً محباً لله غير مريد للمعصية فهو على خير وإن أخطأ، وقد تسأل: وكيف أعلم إن كنت على خير أم لا؟ كيف أعلم إن كانت هذه وساوس الشيطان أم أمور أعتقدها؟ نقول لك: إن وجدت حرقة في قلبك عليها، وخوفاً من الله على النطق بها فأنت على الخير وهي من الشيطان، وإن وجدت أنساً بكلام الكفر وأهل الكفر، وعدم خوف من الله، وترداد هذا الكلام اعتقاداً منك فأنت على خطر، ولست منهم فلا تقلق.

2- الزم الصالحين واعلم أنهم ليسوا ملائكة كما أنك لست ملاكاً، وخذ من صلاحهم واستعن بالله عز وجل.

3- الزم شيخاً ترجع إليه كلما أردت، ولن تعدم الخير.

4- نوصيك بقراءة كتاب مبسط في العقيدة ونستحب لك أن تقرأه على شيخ، فإن لم تجد فيمكنك في موقعنا أن تأخذ كتاباً مبسطاً وأن تستمع إلى المشايخ وهم يشرحونه، وهم كثر والحمد لله.

5- الزم الفرائض في المسجد واعلم أنها الحافظة والحصن الذي يقيك شر الهوى والشيطان.

6- الزم أذكار الصباح والمساء واعلم بأنك في أمان من كل ما يخيفك أو يقلقك ما حافظت على الأذكار.

ولا تهجر القرآن -يا علي-، واجعل لك ورداً ثابتاً فيه، وتوكل على الله ولا تتوقف، وراسلنا متى شئت، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

www.islamweb.net