أحسد أختي فقط في أمور الآخرة، فكيف أتخلص من ذلك؟

2023-09-25 02:46:04 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة أعاني من حزن شديد، لا يفارقني، بسبب أني -والعياذ بالله- أحسد أختي على الأمور الأخروية فقط، يعني على عبادتها، فكلما رأيتها تطيل الصلاة، أو تقرأ القرآن أصاب بغصة في قلبي، وأكره منها ذلك!

علماً بأني أنا أيضاً -والحمد لله- أصلي، ولكن أقول في نفسي: إنها تُقُبلت صلاتها، والله راض عنها، وأنا لا.

الآن هي تعرفت إلى شاب كما تتمناه، وطلب منها ارتداء النقاب والجلباب، ووافقت، وسيأتي لخطبتها، وأنا أتى لخطبتي إمام متدين، ولم أقبل بذلك؛ لأنه لم يعجبني، ولم أشعر بالارتياح، وأنا الآن حزينة، أقول في نفسي: هي أتاها شخص كما تتمنى، وفوق هذا متدين، ويلبسها النقاب، وأشعر بالغيرة، والحسد الشديد تجاهها.

لا أدري ما هذا الحسد؛ لأني لا أحسد أي شخص سواها! لا أتذكر أنه حدث بيننا موقف، ولم يكن انحياز والدينا لها في الصغر، لا أدري كيف أتخلص من هذا الشعور؛ لأني كرهت نفسي بسببه، وأصبحت أشعر بنقص ودونية، وحزن لا يفارقني.

أرجو أن أجد الحل عندكم، وبارك الله فيكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله لنا ولك ولأختك الهداية والثبات، وأن يُلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

أرجو أن تعلمي أن الحسد لا يكون في أمور الآخرة؛ لأن الآخرة هي الباقية الخالدة، وفيها المزيد، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35]، وإنما التزاحم لا يكون إلا في أمور الدنيا؛ لأن الدنيا تضيق بالمتنافسين فيها، فهي مجرد متاع قليل ذاهب {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد: 26]. نسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على الخير.

أمَّا الذي تجدينه في نفسك أو صدرك من حسد: فيَصْلُحُ أن نسمّيه (غِبطة)؛ والغبطة هي تمنّي مثيل النعمة، وهذه ليست ممنوعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (‌لَا ‌حَسَدَ ‌إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) كلها في الآخرة: (رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا، وَيُعَلِّمُهَا).

أو قال: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ ‌يَتْلُوهُ ‌آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ).

إذًا الحسد تمني ‌زوال ‌النعمة عن المُنعَم عليه، وصاحبه مذموم إذا عَمِلَ بمقتضى ذلك من تصميم أو قول أو فعل، وينبغي لمن خطر له ذلك أن يكرهه كما يكره ما وضع في طبعه من حب المنهيات، وأما الحسد المذكور في الحديث: فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازًا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه.

الحرص على هذا يسمى منافسة، فإن كان في الطاعة، فهو محمود، ومنه قوله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26]، وإن كان في المعصية فهو مذموم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تنافسوا)، وإن كان في الجائزات فهو مباح.

لذلك الإنسان يتمنّى مثيل النعمة، وهذه هي الغبطة، وهي مشروعة، أمَّا إذا كان التمنّي لزوال النعم فهذا هو الحسد الممنوع الذي هو آكلٌ للحسنات، قال صلى الله عليه وسلم: (الْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ، كَمَا ‌تَأْكُلُ ‌النَّارُ ‌الْحَطَبَ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَالصَّلَاةُ نُورُ الْمُؤْمِنِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ)، أو قال: (إِيَّاكُمْ ‌وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أو العُشب).

إذا كان هذا الشعور موجوداً (تمني زوال هذا الخير الذي عندها) فهذا الذي يحتاج إلى وقفة منك، أمَّا إذا تمنيت مثلها، وتمنّيت لو أن الله يؤتيك ما آتاها، وأن الله يعطيك كما أعطاها؛ فهذا لا إشكال فيه.

قيل للحسن البصري : أيحسِد المؤمن؟ قال: (سبحان الله، أنسيت حسد إخوة يوسف له! ولكن غُمّهُ بصدرك فلا تُظهره قولاً ولا فعلاً).

المؤمن كما قال ابن تيمية: (مَا خلا جَسَد من حسد، لَكِن ‌اللَّئِيم ‌يبديه والكريم يخفيه)، وروي عن أنس أنه قال: (كل ابن آدم حسود، وبعض الناس في الحسد أفضل من بعض، ولا يضر حاسدًا حسده ما لم يتكلم باللسان، أو يعمل باليد).

إذا كان الأمر خافيًا وتُجاهدين نفسك فأنت على خير، وننصحك بما يلي:

- كثرة الدعاء لنفسك ولها.

- الفرح بأي نعمة تنزل عليها، وسؤال الله مثلها، كما فعل زكريا -عليه السلام-، أو سؤال الله حاجتك، {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا} [آل عمران: 37]، هذا الرزق كان يجده زكريا عندها، فاكهةُ الشتاء في الصيف، وفاكهةُ الصيف في الشتاء، وهو المتكفّل بها، فمثلاً: وجد عندَها عنبًا في غير حينه، عندها لم يتمنَّ زوال النعمة عنها، ولكن قام في المحراب يُصلي ويدعو ربه، يقول: يا مَن أعطيتَ هذه المسكينة وأكرمتها (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38].

المؤمنة إذا وجدت نعمة الله تنزل على أختها، وتنزل على زميلتها، بل وأي مؤمنة تفرح، ثم تسأل الله مثل النعمة إن أرادت، وتسأل الله حاجتها هي، أمر الزواج أمرٌ مختلف، فكلُّ فتاة لها مَن تُعجب به من الشباب، تسأل الله حاجتها، والصفات التي تُريدُها.

أرجو أن نعلم أنه ليس في الدنيا هذه ما يستحق أن نتحاسد عليه؛ لأن الله قال لنبيه: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [طه: 131] والزهرة عمرها قصير، والزهرة جميلة من الخارج، والزهرة إذا فُركتْ فإن ريحها تكون منتنة، هذه هي الدنيا.

نحب أن نقول مرة أخرى: أمور الآخرة ليس فيها حسد، لكن إذا تحاسد العقلاء في ما بينهم؛ فهذا يعني ضرورة مراجعة الإخلاص لله تبارك وتعالى؛ لأنه إذا تحاسد الناس في أي طاعة كحسد الدنيا، كأن يتمنّى زوال هذا منه؛ فهذا يعني أننا نحتاج أن نراجع إخلاصنا لله.

من المهم الاستمرار في المجاهدة، ورفض الجانب السلبي، وسؤال الله من فضله، يعني يمكن أن تقولي: (يا الله مثل ما أعطيتَ أختي أعطني، يا كريم، يا مَن وهبتَ لها هبْ لي) كما فعل نبي الله زكريا - عليه وعلى نبينا صلوات الله وسلامه -.

نسأل الله أن يُعينك على الخير، ونؤكد أن مجرد الضيق من هذا الشعور يدلُّ على أنك رافضة له، وأنك على خير.

نسأل الله أن يُحقق لأختك ما تريد، ويُحقق لك ما تريدين، وأن يُبلغنا جميعًا المقاصد فيما يُرضيه.

www.islamweb.net