رفضني الخطاب وأشعر أن ذلك بسبب ذنوبي!

2024-05-09 02:44:20 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة، أبلغ من العمر ٢٣ سنة، تخرجت قبل سنة من الجامعة، تقدم لي خلال هذه الفترة عدة خطاب، ولكن بعد النظرة الشرعية يخبرنا الخاطب بعدم الارتياح بعد الاستخارة، مع العلم أن جميع الذين رفضوني متدينون وملتزمون على الأقل ظاهريًا.

بالنسبة لي فأنا لا أشعر أبدًا أنني متدينة، لدي الكثير من الذنوب والأخطاء ولا يمكنني أن أنكر هذا -أسأل الله أن يعفو عني-، ولكنني تمنيت من قلبي أن يرزقني الله بشاب صالح متدين يعينني على نفسي، ويساعدني في أن أتحسن وأتوب إلى الله.

بعد رفض شابين متدينين لي بدون سبب واضح، لمجرد أنهم لم يرتاحوا لي بعد الاستخارة جعلني أشعر بضيق شديد، وخفت أن يكون السبب هو أنني غير طيبة، والله تعالى يصرفني عنهم رحمة بهم؛ لأنه سبحانه يجعل الطيبين للطيبات، وهذا الأمر أحزنني كثيرًا، وقررت أن أحاول أن أتوب إلى الله وأرجع إليه حتى يرزقني بشاب طيب، ولكن أحيانًا أشعر باليأس -والعياذ بالله-، وبأنني تأخرت كثيرًا، وأنني لن أستطيع أن أتوب؛ لأنني سيئة، وقد أعطاني الله فرصًا كثيرة للتوبة ولكنني لم أستغلها.

أشعر أن قلبي شديد القسوة، وأن الله طبع على قلبي، فلم أعد أخشع في الصلاة ولا في تلاوة القرآن! حاولت قليلًا أن أحسن من علاقتي بوالديّ وأن أبرهما؛ لأنني أعلم أن برهما هو مفتاح كل سعادة، حاولت أن أصل رحمي ولو باتصال، حتى لا أكون قاطعة، ولكن مع ذلك لا أشعر بتحسن، وأشعر أنني لا أزال سيئة، ولا أعلم ماذا أفعل!

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سمية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلًا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يرزقك الزوج الصالح، إنه جواد كريم، وبعد:

اعلمي -بارك الله فيك- أن شعورك بالتقصير أولى درجات الارتقاء والصلاح، والاعتراف بالخطأ والتقصير هو البداية الصحيحة لإرضاء الله تعالى عنك، فإذا رضي الله عنك أصلح حالك وأسعد قلبك ورزقك من خير النعم، نعم -أختنا- ستشعرين بفارق كبير حين تكون علاقتك بالله سليمة، ستدركين قول بعض السلف: "إنه لتمرُّ على القلب ساعات إن كان أهل الجنة في مثلها إنهم لفي عيش طيب"، تلك ساعات الصفاء والأنس بالله -عز وجل-، وهذا ما ينبغي أن يكون مطلوبك.

أختنا الكريمة: قد ذكرت قسوة القلب، وأنها لا زالت موجودة أو هكذا تشعرين، ونحن نقول لك -أختنا- إن الارتقاء إلى درجات الصلاح يحتاج إلى طاعة ومداومة وصبر، قال بعض السلف: "إن الإيمان ليبدو لمعة بيضاء، فإذا عمل العبد الصالحات نمت فزادت حتى يبيضَّ القلب كله، وإن النفاق ليبدو نقطة سوداء فإذا انتهك الحرمات نمت وزادت حتى يسودَّ القلب كله، ثم تلا قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }(المطففين:14).

فالإيمان -أختنا- يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، قال تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً}، وقال تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون}، فكلّما زاد عمل المرء زاد إيمانه، وكلّما زاد إيمان المرء أثمر عملاً صالحاً، وهذا ما أدركه السلف -رحمهم الله- فكانوا يتواصون بينهم بما يزيد إيمانهم، ويقوي يقينهم، فكان عمر -رضي الله عنه- يقول لأصحابه: "تعالوا بنا نزدد إيمانًا"، وكان معاذ يقول لأصحابه: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".

وحتى تستشعري لذة الطاعة ننصحك بما يلي:

أولًا: الاجتهاد في تعلم العلم الشرعي أو ما يجب عليك معرفته، وستجدين في الموقع عشرات الصفحات التي تتحدث عن العلم بالله وأسمائه وصفاته، وما يجب عليك وما يحرم، وهذا من العلم النافع الذي قال عنه الإمام ابن رجب: "العلم النافع يدلُّ على أمرين:

أحدهما: على معرفة الله وما يستحقُّه من الأسماء الحسنى والصفات العُلَى والأفعال الباهرة؛ وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوكُّل عليه، والرضا بقضائه والصبر على بلائه.

والأمر الثاني: المعرفة بما يحبُّه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فيُوجِب ذلك لِمَن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعُد عمَّا يكرهه ويُسخِطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علمٌ نافعٌ، فمتى كان العلم نافعًا ووقَر في القلب فقد خشَع القلب لله وانكسر له، وذلَّ هيبةً وإجلالاً، وخشيةً ومحبة وتعظيمًا".

ثانيًا: التأمُّل في آيات الله الكونية ومخلوقاته -جل وعلا- وعظيم صنعه، فإن هذا مما يرقق القلب، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، وقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، وقوله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].

ثالثًا: قراءة القرآن وتدبره: فكثرة القراءة تصلح القلب ويزداد العبد بها إيمانًا، قال الله: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}، قال ابن القيم -رحمه الله-: "قراءة آية بتفكُّر وتفهُّم خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبُّر وتفهُّم، وأنفع للقلب، وأدعَى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن"، وقال أيضًا: "فليس شيءٌ أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبُّر القرآن، وإطالة التأمُّل، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تُطلِع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها... وتثبِّت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيِّد بنيانه وتوطِّد أركانه"

رابعًا: كثرة ذكر الله تعالى على كل أحوالك، قال الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي موسى: (مثَل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه مثَل الحيِّ والميت) رواه البخاري، وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "لكلِّ شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله -عز وجل-".

خامسًا: تقديم ما يحبُّه الله ورسوله على هوى النفس:قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار).

سادسًا: التعرف على بعض الأخوات الصالحات، فالذئب يأكل من الغنم القاصية، ومصاحبة الصالحات يعينك على الطاعة والبعد عن المعصية، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم مَن يخالل)، وكلمة (على دين خليله) أي: على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.

فَصَاحِبْ تَقِيًّا عَالِمًا تَنْتَفِعْ بِهِ فَصُحْبَةُ أَهْلِ الخَيْرِ تُرْجَى وَتُطْلَبُ
وَإِيَّاكَ والفُسَّاقَ لاَ تَصْحَبَنَّهُمْ فَقُرْبُهُمُ يُعْدِي وَهَذَا مُجَرَّبُ
فَإِنَّا رَأَيْنَا المَرْءَ يُسْرَقُ طَبْعُهُ مِنَ الإِلْفِ ثُمَّ الشَّرُّ لِلنَّاسِ أَغْلَبُ

وفي المثل "الصاحب ساحب".

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مثَل الجليس الصالح والسوء كحامِل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أن يحذِيَك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا تجد ريحًا خبيثة).

سابعًا: البعد عن المعاصي: فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشرِبها نُكِت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نُكِت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين؛ على أبيض مثل الصفا فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخَر أسود مُربادًّا كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلاَّ ما أُشرِب من هوَاه).

قال ابن المبارك:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلوبِ وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

ثامنًا: الحرص على أداء الفرائض في أوقاتها، مع الإكثار من النوافل والطاعات: فكلما أكثر العبد من النوافل نال ثمرات كثيرة، منها: محبة الله له ومعيَّته، فلا يصدر من جوارحه إلا ما يُرضِي الله -جل وعلا- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاري، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله -عز وجل-: وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).

هذا -أختنا- مع ما فعلتيه من بر والديك وصلة الأرحام والصبر على الطريق سيوصلك -إن شاء الله- إلى الاطمئنان والسكينة والرضا بأقدار الله -عز وجل-، فلا تقولي تأخرت بل قولي الحمد لله قد عرفت الطريق.

نسأل الله أن يثبتك على الطاعة، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يسعدك في الدنيا والآخرة، والله الموفق.

www.islamweb.net