هل يُعدّ سفري وابتعادي عن أمي حاليًا أمرًا خاطئًا؟
2025-07-08 00:56:46 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عمري 35 سنة، وقد تمّ عقد قراني بالفعل، وسأسافر قريبًا مع زوجي إلى بلدٍ آخر.
أنا الآن في بلدي، أعمل ولديّ دخلٌ مادي أساعد به والدتي شهريًّا بمبلغ بسيط، حوالي 2000 جنيهاً، وهي تتقاضى معاشًا مناسبًا، لكنّ غلاء المعيشة يجعلني حريصة على دعمها، ولو بالقليل.
سؤالي: هل يُعدّ سفري وابتعادي عنها في هذه الظروف أمرًا خاطئًا؟ فأنا أشعر بالذنب تجاهها، لا سيّما أنّ وجودي بقربها يطمئنها، وأخشى أن تشعر بأي ضيق مادي أو نفسي بعد سفري.
أنا أعلم أنّ الله هو الرزّاق، لكن قلبي معلّق بها، ولا أريدها أن تشعر بالحاجة أو الوحدة.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكِ لصالح القول والعمل.
بداية: نسأل الله أن يأجرك على حُسن برك بوالدتك، فهذا العمل من أعظم القُربات عند الله تعالى، وما تمرين به شعور طبيعي؛ كونه صراعًا وحيرة بين خيارين: بين برّ الأم، وبناء حياة جديدة مستقلة.
وحتى نُعينك على حسن الاختيار، لا بدّ أن تعلمي أولًا أنّ البرّ كلمةٌ جامعة لكلّ خصال الخير والمعروف والإحسان، فبرُّك بوالدتكِ لا يقتصر على مجرّد العطاء المالي، أو صلتها بالمال؛ فهذا بابٌ من أبواب البرّ، وليس هو الباب الوحيد، فحُسن المعاملة، وخفض الجناح، والإعانة في الرخاء والشدّة، والسؤال الدائم، كل ذلك من صور البرّ، وقد يكون بعضها أبلغ أثرًا من المال.
أختَنا الفاضلة: لا شكّ أنّ برّكِ بأمّكِ هو ما يدفعكِ إلى هذه الحيرة بين اتخاذ قرار السفر مع زوجك، وقرار البقاء إلى جانب والدتك، والاستمرار في الإنفاق عليها.
لم تذكري لنا إن كنتِ أنتِ العائل الوحيد لها، أو إن كان هناك من يعتني بها من إخوة أو أقارب، وفي حال كنتِ المسؤولة الوحيدة عنها، فأنتِ بحاجة إلى تحقيق التوافق والتوازن بين الأمرين، بحيث لا تُقصّرين في أحدهما على حساب الآخر، لذلك، ننصحكِ بما يلي:
أولًا: النظر في مقدار الحاجة والضرر الذي قد يقع على والدتكِ في حال انقطاع المعونة التي كنتِ تقدّمينها لها شهريًّا؛ فهل هذا المال، إذا انقطع، سيؤثّر في الضرورات والأساسيات، كالمأكل والمشرب والدواء، ونحو ذلك مما تحتاج إليه، أم أن انقطاعه لن يُلحق بها ضررًا كبيرًا، خاصةً وقد ذكرتِ أن لها مصدر دخل ثابت، وأن ما كنتِ تعطينه إياها كان على سبيل المساعدة في ظل الغلاء الشديد؟
ثانيًا: حدّثي زوجك بشأن إمكانية تقديم معونة لوالدتك لفترة معيّنة، حتى تستقرّي في البلد الجديد، ولو كان هذا المبلغ أقلّ مما كنتِ تقدّمينه سابقًا.
وربما يكون في سفرك سببٌ لزيادة دخلك أو دخل زوجك، وبالتالي زيادة المعونة المقدّمة لوالدتك، المهم أن تتأكّدي من حالها، وتضمَني عدم وقوعها في ضرر أو مشقّة، وأن هناك من يعتني بها، ويقوم على شؤونها في غيابك، والمداومة على السؤال عنها، وإرسال المال إليها بشكل منتظم قبل أن تطلب أو تسأل، وزيارتها كلما سنحت الفرصة، أو حتى التفكير في إحضارها للعيش معك، إذا اتفقتِ أنتِ وزوجك على ذلك؛ كل ذلك مما يُخفّف عنك وطأة قرار السفر، ويعينك على الاستمرار دون شعور بالذنب أو التقصير.
أخيرًا: أنتِ في سنٍّ بحاجةٍ فيه إلى أن تعيشي حياتك، وتبني أسرتك وبيتك، وترك الزواج مع الحاجة إليه قد يكون ظلمًا للنفس، وتعريضًا لها للفتن.
وفي الوقت نفسه، فإن برّك بأمّك في هذه المرحلة من أهمّ صور البرّ، فهي لحظات ضعفٍ وحاجة، تستحق منك العناية والرعاية، ولهذا، فأنتِ بحاجة إلى التوازن قبل اتخاذ القرار، فلا تميلِي إلى جانبٍ وتفرّطي في جانبٍ آخر.
اجتهدي في تحقيق هذا التوازن، وابحثي عن كلّ وسيلة تخفّف عن والدتك وتطمئن قلبك، مع الإكثار من الدعاء والتضرّع إلى الله تعالى أن ييسّر أمرك، ويفتح لك أبواب الخير التي تُعينك على برّ والدتك، والتخفيف عنها.
وفقكِ الله، ويسّر أمرك.