كل شيء في حياتي به صعوبة رغم أني لا أفعل الذنوب، فما السبب؟
2025-06-28 23:27:56 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
ما سبب أن كل شيء منذ أن خُلقت في هذه الحياة -غير صحيح أبدًا-، وحتى اختياراتنا، وكل شيء فيه مشقة وألم، فهل هذا قدر ومكتوب؟
أنا محتارة منذ فترة حول مفهوم القضاء والقدر؛ فقد أصبح كل شيء به صعوبة، على الرغم من أنني لم أخطئ بحق أحد، ولا حتى عائلتي، ونحن مؤمنون بالله عز وجل، وأعلم أن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر، إلا المصائب تبدأ كبيرة ثم تصغر مع الوقت، ولكن ما هذا الألم الذي يرافقنا؟ وهل نحن المخطئون؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fofeta حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك في إسلام ويب، ونشكرك على ثقتك الطيبة، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويزيح عنك الحيرة والضيق، ويبدل أحزانك سكينة ويقينًا.
لقد وصفتِ بعباراتك ما يعتصر قلوب كثير من الناس، حين تضيق عليهم الحياة، وتتشابه أيامها، فلا يرون في الأقدار إلا مشقةً، ولا في الطريق إلا تعبًا، ويتساءلون: هل هذا قدر؟ وهل نحن المخطئون؟ أم أن ما بنا ليس لنا يد فيه؟
وفيما يلي جوابنا لك:
القدر ليس مرادفًا للعذاب، بل هو وجه من وجوه الحكمة الإلهية، والله جلّ جلاله لا يُقدّر على عباده شرًّا محضًا، بل ما من قضاء إلا وفيه من الخير ما يخفى، كما قال سبحانه: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾، فربّنا لا يبتلي ليُعذّب، بل ليُطهّر، ويرفع، ويعلّم، ويقرّب.
وأساس هذا السؤال عند البعض مبني على ظنّ خاطئ: أن الدنيا دار راحة لا دار امتحان، والحقيقة أن الدنيا ليست موطن جزاء، بل ساحة ابتلاء، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾؛ فالناس يبتلون بالغنى والفقر، بالصحة والمرض، بالعطاء والمنع، بالرضا والغضب، والناجي من عرف أن الدنيا دار عبور، لا دار حبور، كما أن الضيق، والتعب، والمشقة، أو الابتلاء بصفة عامة، ليست علامة على أن الإنسان مخطئ، بل قد يكون دليلاً على رفعة مقامه، ولا أدل على ذلك من حياة الأنبياء قالﷺ: "أشدُّ الناسِ بلاءً: الأنبياءُ، ثمَّ الأمثلُ فالأمثلُ".
أختنا الكريمة: لا أحد يختار أقداره، ولكنّه يختار موقفه منها؛ نحن لا نملك متى نُخلق، ولا في أي بيت نُربّى، ولا من سيمرض فينا، ولا من سيموت، لكننا نملك الإيمان، والرضا، والعمل الصالح، والدعاء، والتوكل، وهذه هي مفاتيح التعامل مع كل قضاء، ولهذا قال ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".
الحيرة التي تسكن قلبك، هي في أصلها بحث عن المعنى، لا عن الشك، وهذا شيء نبيل، فالسؤال عن الألم هو الذي أنطق أيوب عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾، وأنت ما دمت لم تجحدي حكمة الله، ولم تُنكرِي قضاءه، فأنت على خير، وما عليكِ إلا أن تُطوّري هذا السؤال ليصبح: كيف أواجه قدري بإيمان لا ينهار؟ بدل أن يكون: لماذا أنا فقط؟ فالجواب قد لا نراه الآن، ولكن الثبات فيه نَجاة.
ذكّري نفسك دائمًا أن الله لا يُضيع أحدًا، وليس هناك من دمعة تسقط إلا وهو يعلمها، ولا حزن يمرّ بكِ إلا وله في كتابٍ: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ وأفضل ما يقال عند الوجع: "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها"، كما علّمنا رسول الله ﷺ.
اعملي باليقين، لا بالشعور المتقلّب؛ فالمشاعر موج، ولكن اليقين مرسى، وثقي بأن الله أرحم بك من نفسك، وأنه إن منعك فهو لأجل، وإن أبطأ عليك فهو لحكمة، وإن تألمت فليأجرك.
لا تجلدي ذاتكِ بالسؤال: "هل نحن المخطئون؟"، فإن هذا السؤال لا يورث إلا ضعفًا إذا كان بصيغة الجلد، لكن اسألي: "هل هناك ما أستطيع إصلاحه؟" فإن وجدتِ، فبادري، وإن لم تجدي، فسلّمي الأمر لمن بيده ملكوت كل شيء.
وفي الختام، نسأل الله أن يرزقكِ من اليقين ما يسكّن قلبك، ومن الرضا ما يُطفئ شكّك، ومن الفرج ما ينسِيكِ ما مرّ بكِ من ألم، وأن يُريكِ من لطفه ما يجعل كل تعب مرّ بك مقدّمة لرحمة أوسع.
والله الموفق.