بقاء والديّ معي يكلفني ماديًا ويسبب ألمًا لزوجتي..ماذا أفعل؟

2025-07-01 02:30:18 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أنا شاب في منتصف الثلاثين من عمري، متزوج، ولدي طفلان، منذ فترة، قمتُ بإحضار والديّ للإقامة معي في بلد الغربة؛ وذلك لأن بلدنا الأصلي لم يكن آمنًا حينها، أما الآن فقد تحسّنت الأوضاع الأمنية، وأصبح البلد –ولله الحمد– آمنًا، كما أن لوالديّ منزلًا خاصًا هناك يمكنهما العودة إليه.

إقامتهما هنا تُكلّفني ماديًا بشكل كبير، ورغم أنني ميسور الحال نسبيًا، فإن هذا الوضع يشكّل عبئًا ماليًا عليّ، خاصة مع التزاماتي المتزايدة تجاه أسرتي.

ومن الناحية النفسية، هناك توتر دائم بين والدتي وزوجتي، إذ إن والدتي لا تحب أن تراني مهتمًا بأي طرف غيرها، وهذا يسبب ألمًا نفسيًا لزوجتي التي صبرت كثيرًا، لكن الوضع بدأ يزداد سوءًا.

وأود أن أؤكد أنني بارّ بوالديّ، وسأستمر في زيارتهما، وخدمتهما، والإنفاق عليهما، ولكن سؤالي هو: هل يجب عليّ شرعًا الاستمرار في إبقائهما معي في الغربة والإنفاق عليهما رغم توفر الأمن والسكن لهما في بلدهما، أم أن من حقي طلب عودتهما بما يحقق المصلحة العامة لجميع الأطراف دون أن أُعدّ عاقًا؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك يا -ابننا الفاضل- في إسلام ويب، وشكرًا لك على اهتمامك بأمر والديك، وعلى حسن رعايتك لمشاعر زوجتك، ونسأل الله أن يعينك على أداء جميع الواجبات كاملة تجاه الجميع.

بر الوالدين واجب عظيم، وحقهما كبير، ربط الله حق الوالدين بعبادته ورضاه برضاهما، بل قال: {أنِ اشْكُرْ لي ولوالديك إليَّ المصير}، فبرهما سبب للبركة في هذه الحياة، وهما سبب في وجودنا بعد الله تبارك وتعالى.

وهذا لا يعني بأي حال أن يكون هناك تقصير في حق الزوجة أو ظلم لها؛ إذ إن الذي أمر ببر الوالدين هو ذاته الذي أمر بالإحسان إلى الزوجة والمبالغة في إكرامها، ونسأل الله أن يعينك على أداء هذه الواجبات جميعًا.

أولًا: نود أن ننبه إلى أن الرجل لا ينبغي أن يُظهر حفاوته وزيادة اهتمامه بزوجته أمام والدته؛ لأن ذلك قد يجرح مشاعرها، ولكن من المهم أن تتفق مع زوجتك على أن مكانها محترم ومكرم، وأنك تزيد من إكرامها واحترامها وتوقيرها، وتحملها على رأسك، وتُقدِّر وقفتها معك وإكرامها لوالديك، المرأة في حاجة إلى دعم معنوي مستمر؛ لأن الغيرة متصورة.

فإذا لاحظت الأم اهتمامك بغيرها قد يُحرّك كوامن الغيرة عندها؛ ولهذا نقول: إن تعامل الرجل مع زوجته له أثر كبير؛ لذلك لا ننصح بأن يُظهر الإنسان اهتمامًا زائدًا بأمه أو أخواته أو خالاته في حضور الزوجة، ولا أن يظهر العكس بأن يُظهر اهتمامًا خاصًا بزوجته في حضور أمه وأخواته؛ لأن هذا قد يوقظ مشاعر الغيرة والحسد لدى الجميع، ويستغل الشيطان هذه الفرصة ليزرع الضغينة والعداء بين القلوب، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

ويمكن للإنسان أن يعطي كل ذي حق حقه؛ فإذا كنت مع والدتك فأكرمها وبالغ في إكرامها، وأحسن معاملتها أشد إحسانٍ وبِرٍّ، وإذا كنت مع زوجتك في مكانكما الخاص وغرفتكما الخاصة؛ فبالغ في الثناء عليها، وكن كريمًا معها، وبالغ في الإحسان إليها.

وينبغي أن تعلم الزوجة أيضًا أن حب الرجل لأمه لا يؤثر على حبه لزوجته؛ لأن نوع الحب مختلف، فحب الوالد يختلف عن حب الزوجة، وبالتالي لا ينبغي أن تحزن أو تقلق من هذا الذي يحدث.

وإذا كانت الزوجة تشعر بوجود مواقف من والدتك تُثقل عليها أو تؤثر في نفسيتها، فدورك أن تُصبّرها وتُشجّعها، وتُظهر لها أنك تُدرك ما تعانيه، وتُبين لها أن من شيم الأبناء الصبر على الآباء والأمهات، وأنك تقدر مشاعرها وما تواجهه، فالمرأة بطبيعتها تحتاج إلى دعم معنوي مستمر، وإذا وجدت هذا الدعم والتقدير من زوجها، وشعرت بتشجيعه لها، ومبالغته في إكرامها – كما أشرنا سابقًا – لا سيما إذا كان ذلك بعيدًا عن أنظار الوالدة أو الأخوات؛ فإنها غالبًا ترضى وتصبر، لأنها بحاجة دائمة إلى الدعم العاطفي والمعنوي.

أمَّا فكرة إخبار الوالدين بأنك تريد التخلص منهم، أو تريد أن يسافروا، فلا نريد لهذه المشاعر أن تظهر بهذه الطريقة وبهذا الشكل، ونحن نقترح عليك -إذا توفر الأمن والأمان- أن تذهبوا جميعًا زيارةً بالأهل، ثم بعد ذلك تترك الوالدة والوالد هناك مثلًا، وإذا كان لهم رغبة في البقاء معكم كأسرة فأرجو ألَّا تستعجل القرار في هذا الشأن، ويجب أن تعلم أن وجود الوالدين نعمة، لا يعرف الإنسان قدرها ولا قيمتها إلَّا إذا فقدها.

واحفظ لزوجتك خصوصيتها ومكانتها ومكانها (بيتها)، وتجنب مظاهر الاحتكاك بينها وبين والدتك، وشجعها على الصبر على الوالدة، وعوضها عن ذلك إكرامًا وحفاوةً بها، وشعورًا بما تُقدِّمه وبما تبذله تجاهك وتجاه والديك، يعني بهذه الطريقة، وننتظر أن تنجح بتوفيق الله تبارك وتعالى.

وإذا اضطرت الظروف إلى عودة الوالدين، فأرجو أن يتكلّم في هذا خالة أو عمّة، أو طرف ثالث، دون أن يشعروا أنك وراء هذا الأمر؛ حتى لا تجرح مشاعرهم ويؤثِّر عليهم، وهذا قد يزيد الأمور توترًا وغضبًا على الزوجة، وأنها أثّرت عليك، وأنك تسمع كلامها، وأنك تفضّلها عليهم، لا نريد لمثل هذه المشاعر أن تكون.

فإمَّا أن تصبروا، أو تسافروا جميعًا، ثم تتركهم هناك، أو تطلب من العمَّة أو الخالة أن يؤثروا على الوالد أو الوالدة، ليكون القرار منهم، وبعد ذلك يمكن القول لهم: "والله نحن مشتاقون لكم، وسنأتي بعدكم ونزوركم، وكانت أياماً جميلة"، يعني: المجاملة بالكلام الطيب مطلب كريم، والناس -خاصة الوالدين- تسرُّهم الكلمة الجميلة.

ونسأل الله أن يجمع بينكم على الخير، وأن يؤلف بين القلوب، وأن يغفر الزلّات والذنوب.

www.islamweb.net