كيف أستطيع أن أسيطر على نفسي كي لا أعُقَّ أمي؟
2025-07-05 23:46:45 | إسلام ويب
السؤال:
لا أعرف كيف أُحسن برّ أمي، فهي شديدة العصبية، وغالبًا ما تنفعل بسبب أمور بسيطة، وهذا الأمر يضايقني كثيرًا، ويدفعني – للأسف – إلى الرد عليها أحيانًا، ثم تتضايق مني، وتقول لي إن الله لن يوفقني في حياتي بسبب ردّي عليها.
أشعر بالخوف والانزعاج من نفسي، ولا أعلم كيف أتصرف، أخشى أن يُبتليني الله بألا أتزوج، خصوصًا أنني أدعو الله باستمرار، ولكن لا أشعر أن الدعاء يُستجاب، كما أخاف إن تزوجت، أن يكون زوجي شخصًا سيئًا، بل أحيانًا أشعر أنها تتمنى لي ذلك.
كثيرًا ما تكرر أمامي قولها: "لو أنا سامحت، ربنا لا يسامح في حق الأمهات"، وهذا الكلام يُخيفني بشدة. لكن في الحقيقة، هي تستفزني كثيرًا، ولا أستطيع التحكم في ردة فعلي تجاهها!
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سلمى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
بداية، نسأل الله أن يأجرك على سعيك في بر أمك، فبر الوالدين من أعظم القربات والطاعات، كما أن عقوق الوالدين من الكبائر وأعظم الآثام، ورغبتك في هذا البر وحرصك على طاعة أمك دليل خير في نفسك، فنسأل الله أن يعينك على بلوغ ذلك.
أختنا الفاضلة: لا شك أن الناس يتفاوتون في أخلاقهم وإيمانهم، وبالتالي تختلف طريقة تعاملهم مع من حولهم، وأمك ليست ببعيدة عن هذا، لذلك تتأثر طريقة تعامل الإنسان مع الآخرين إيجابًا وسلبًا بأمور كثيرة كالضغوطات الحياتية، أو مشاكل وصعاب متنوعة، ويُؤثر كثير من الآباء عدم الإفصاح عنها حتى تبقى صورة الوالدين قوية أمام أبنائهم، وإنما قد يُشاهد الأبناء التوتر والقلق والانفعال كأحد نتائجها.
كما نشير إلى أن كثيراً من الأمهات والآباء يمتلكون الحب لأبنائهم، لكنهم يعجزون عن التعبير عنه بالشكل الصحيح، بل قد يعتبرون التهديد والصراخ والحرمان، نوعًا من التربية التي تساعدهم في انضباط أبنائهم وتقويم سلوكهم. لذلك لا بد أن تلتمسي لأمك العذر بسبب هذا الانفعال، وتبحثي عن مبررات لها حتى لا يتفاقم الأمر، ويشتد الخلاف بينكما، قال الله تعالى في حق الوالدين: "وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، فحتى لو كانت الأم قاسية، فإن الله أمرنا باللين والكلمة الطيبة، ولكن اللين لا يعني الصمت عن الظلم، بل توضيحه بأسلوب مهذب لا يفسد المودة والمعروف. فلو اضطررتِ لبيان وجهة نظرك أو الاعتراض، فافعلي ذلك بهدوء وأدب، وليس في ذلك عقوق ما دام أن القول كريم ومؤدب.
أما إن زل لسانك يومًا فرفعتِ صوتك، أو قسوتِ على والدتك، فبادري بالاستغفار والتوبة، واجتهدي في عدم تكرار ذلك، فالندم والتوبة طريق النجاة، والله كريم رحيم يقبل التوبة ويعرف ضعفنا واندفاعنا، قال تعالى: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون".
ولو افترضنا أن أمك تدعو عليك من غير حق أو بظلم، فاعلمي أن الله سبحانه عدل، لا يستجيب دعوة الظالم على المظلوم، أما إن كان دعاؤها نتيجة ظلم أو إساءة فعلية صدرت منك، فعليك هنا أن تحذري وتبادري الى التوبة، وإرضاء أمك؛ لأن العقوق من الكبائر، وعقوبته معجلة في الدنيا قبل الآخرة، فراجعي نفسك، وقيّمي موقفك بصدق: هل صدر منك ما يستحق هذا الغضب؟ فإن كان، فبادري بالتوبة وطلب الصفح، وإن كان الدعاء من أمك لمجرد التأنيب أو التهديد، فالله لا يظلم أحدًا.
أختنا الفاضلة: علاقتك بأمك يجب أن تبنى على الحب والتفاهم والإحسان، لا على الشحناء والبغضاء والظلم، فحق الوالدين عظيم مهما كانت طباعهم، فلا بد في حقهما من حفظ اللسان، وخفض الجناح، والإحسان إليهما، وتجنب كل ما يحزنهما.
ولتحقيق التفاهم مع والدتك، ننصحك بما يلي:
أولاً: الاحتواء والحب والإحسان في التعامل: فالمواقف المتوترة تحتاج إلى طرف عاقل لتختفي، فالمواجهة تزيد من التوتر، فاجتهدي في تجنّب ما يزيد التوتر، وخصوصًا الردود وقت الغضب.
ثانيًا: استغلال لحظات الهدوء لتقوية العلاقة: افتحي معها حوارًا هادئًا، أظهري تأييدك لرأيها، وامدحي خبراتها وتجاربها، هذا يُلين القلوب ويخفف التوتر.
ثالثًا: ابحثي عمّا يسعدها: بادري بالأفعال التي تدخل السرور على قلبها، وستجدين أثر ذلك في العلاقة بينكما، كما أن هذا الجهد تأجرين عليه عند الله تعالى.
أخيرًا: المخاوف التي في قلبك المتعلقة بالزواج هي من أمور الغيب، وما دام أنك في قرارة قلبك لا تتعمدين الإساءة، أو الظلم فإن الله عدل رحيم، ولا تفتحي بابًا للشكوك والقلق حتى لا يزيد التوتر بينكما، فلا توجد أم سوية تتمنّى الشر لأبنائها، فلا تفتحي باب سوء الظن، حتى تضعفي كيد الشيطان في الشقاق بينك وبين أمك، فاجتهدي في برّها، وابتعدي عمّا يُغضبها، وثقي أن ربك رحيم، لا يظلم أحدًا، ومطلع على عملك وسيجازيك بنيتك وسعيك.
أكثري من الدعاء واللجوء إلى الله أن يُصلح بينكما، ولا تقولي أن الله لم يجب دعائك، فلعل الله يؤخر الإجابة لحكمة وغاية هو يعلمها، ليختار لك الخير، والله كريم يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.
وفقكِ الله ويسّر أمركِ، وأصلح حالكِ.