الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرًا على رسالتك التي تناولت مشكلة الوساوس المتعلقة بالمستقبل، والخوف من المرض والموت.
من خلال رسالتك، يتضح أنك تعانين بشدة من القلق المفرط ونوبات الهلع، ومع ذلك، فقد لفت انتباهي في حديثك وجود العديد من الإيجابيات التي تستحق التقدير.
أرى أنك قد بدأتِ بالفعل السير في الاتجاه الصحيح، ومن ذلك التزامك بالصلاة، وحرصك على الحجاب رغم صعوبة التحديات المحيطة بك، وخاصة بين الصديقات، وهذا الاهتمام يُعد خطوة مباركة، أسأل الله أن يوفقك فيها، وأن يجعلها من أسباب شفائك وتوازنك النفسي.
أختي الفاضلة، كثير من الناس يمرون في فترة من حياتهم بأعراض تشبه ما ذكرتِ، وهي تدخل غالبًا تحت مظلة "اضطرابات القلق"، والقلق مصطلح واسع يشمل أنواعًا متعددة من المخاوف، منها نوبات الهلع، والوساوس، والتوتر المستمر، لكنها -بحمد الله- كلها حالات قابلة للعلاج، ويمكن الاستشفاء منها تمامًا.
ومن الأمور الإيجابية التي ذكرتها، أن أحد الأطباء وصف لك دواءً (مودابكس، Moodapex) شعرتِ بتحسّن معه، ولكن لم توضحي ما إذا كنتِ لا تزالين تستخدمينه أم توقفتِ عن العلاج؟ وهنا أؤكد أن العلاج الفعّال يعتمد على مسارين متكاملين:
أولًا: المتابعة مع الطبيب النفسي المختص، والذي يمكنه تقييم حالتك بدقة، ووصف العلاج الدوائي المناسب إن احتاج الأمر، مع ضبط الجرعة وتوقيتها بما يقلل من الآثار الجانبية ويضمن فعالية العلاج. وهنا أود أن أطمئنك أن اللجوء للطبيب النفسي لا يعني أنك "مجنونة" كما قد يظن البعض - وهذا تصور خاطئ وشائع - بل على العكس، القلق واضطراباته من أكثر المشكلات النفسية شيوعًا، وعلاجها متوفر وفعّال.
ثانيًا: العلاج النفسي والاجتماعي، وهو ركيزة مهمة جدًّا في التعامل مع القلق، ومن أنجح أنواعه ما يُعرف بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهو علاج يركّز على تصحيح الأفكار السلبية التي تسيطر على الذهن وتُترجم إلى نوبات من القلق أو الخوف أو الهلع، وهذا النوع من العلاج النفسي يساعد بشكل كبير على تغيير النظرة إلى الحياة، واستعادة القدرة على التكيّف مع الضغوط وظروف الحياة المختلفة، ومقاومة نفسية أقوى للاضطرابات النفسية في المستقبل.
ولا يفوتني أن أذكّرك بأهمية العودة إلى عبادة الله تعالى، والمحافظة على الصلاة، فهي الصلة بين العبد وربه، و(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، كما جاء في الحديث. ونوصيك كذلك بالمواظبة على الأذكار اليومية؛ فذلك من أعظم ما يُورث القلب طمأنينة، ويملأ الفراغ الروحي الذي قد يكون سببًا في الوساوس والقلق. فالرجوع إلى الله هو دائمًا البداية الحقيقية لحياة أكثر توازنًا وراحة، تُعيد للمرء استقراره النفسي ورضاه الداخلي.
وكل ذلك – بإذن الله – سيكون داعمًا لك، ومصدرًا للسكينة التي تتوق إليها روحك، وسيكون من العوامل التي تملأ ذلك الفراغ الذي تشعرين به.
ومن المؤكد أن هذا كله يعزّز في نفسك حقيقة أن الحياة جزء أصيل من مقاصد الدين، وأنها من أعظم نعم الله علينا، تستحق أن نعيشها بروح ملؤها الإيمان والأمل، لا بالخوف المستمر من الموت، ولا بالانشغال المرهق به. بل المطلوب مِنَّا أن نسلّم الأمر لله، ونعمل بما في وسعنا، ونترك ما لا نملك، سائلين الله أن يرزقنا حسن الخاتمة، وسكينة القلب، وطمأنينة الروح.
ولمزيد من الفائدة راجعي هذه الروابط: (
24251 -
2133618 -
55265).
وفقك الله.