ابتليت في جسدي...فكيف أحافظ على الصبر والرضا؟
2025-07-14 01:52:48 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه من علم نافع، وخدمة مباركة للمسلمين حول العالم.
أنا امرأة مسلمة أعيش في السويد، وأتابع موقعكم الكريم باستمرار؛ لما فيه من فقه ودعوة وتزكية للنفس، أكتب إليكم اليوم وفي قلبي كثير من الهموم، وأسأل الله أن يجعل فيكم وفي كلماتكم سكينةً وشفاء.
لقد ابتُليتُ بعدة أمراض مزمنة، وأُعاني من القلق، والخوف، والتعب الجسدي والنفسي، وأسوأ ما أمرّ به هو خوفي المستمر من المستقبل، وشعوري أني لا أستطيع أن أستمر، خاصة مع مرض زوجي الذي أصيب بالسرطان مؤخرًا، أشعر أني وحدي، ولا أجد من أشكي إليه همّي إلا الله، وأحيانًا أشعر أني لا أستطيع حتى الدعاء كما ينبغي.
سؤالي إليكم: كيف أحافظ على الصبر والرضا في وقت الشدة؟ وهل يُمكن أن يكون ضعفي هذا سببًا في نقص إيماني؟ أريد دعاءً أو وردًا يوميًا أتمسك به عندما تضيق بي الدنيا، ولا أجد من يسمعني.
بارك الله فيكم، وأسأل الله أن يفتح عليكم من واسع رحمته، أختكم المحتاجة إلى دعائكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فيان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أيتها الطيبة الصابرة- في موقعك إسلام ويب، وأسأل الله الذي اطلع على ضعفك، أن يكون لك خير معين، وأن ينظر إليك نظرًا لا شقاء بعده أبدًا، وأن يُلبسك لباس العافية عاجلًا غير آجل، ويشفي زوجك شفاءً لا يغادر سقمًا.
لقد توقفنا كثيرًا عند قولك: "أشعر أني لا أستطيع حتى الدعاء كما ينبغي"، أيّ صدقٍ هذا في زمنٍ غلب فيه التصنع! لقد خرج منك صدق الألم، وهو في ميزان الله خير من كثير من زينة الأقوال.
أولًا: هل هذا الضعف من نقص الإيمان؟
لا، أيتها الصابرة، الضعف البشري ليس دليلًا على قلة الإيمان، بل هو من طبيعة الإنسان، لكن الإيمان هو: أن لا تنقطعي عن الله ولو ضعُف الدعاء، ولو ارتجّ الصوت، ولو كنت تبكين بدل أن تتكلمي، ألم تقرئي قول الله عن مريم في مخاضها: ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي﴾، بعد أن قالت هي: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾! لم يُعاتبها ربّها على قولها، بل سلّاها، وأتاها بالفرج، فالأنين في المرض، والخوف في الشدة، والشعور بالوحدة ليست من علامات نقص الإيمان، بل من علامات بشرية القلب، إنما الضعف يكون حين تُعرضين عن الله، لا حين تضعفين أمامه.
ثانيًا: كيف تصبرين وتثبتين في الشدة؟
1. اجعلي لك علاقة خفية بالله:
- ركعتين في جوف الليل، لا يعلم بهما أحد.
- دمعة في السجود مع مناجاة لسيدك طويلة.
- كلمة "يا رب" تُقال لا كما تُقال للناس، بل كما تقال من غريق في وسط الموج.
- الصبر لا يُولد من الحروف، بل من الركوع الطويل، والتوكل الكبير.
2. احذري من الاسترسال مع الخوف: الخوف من المستقبل وهمٌ لم يقع بعد، لكنه يسرق الراحة من الواقع، والمؤمن يحيا بيقين: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
3. الرضا هو تسليم العقل قبل القلب: أن تقولي: "أنا راضية" لا يعني أنكِ سعيدة، بل أنك مؤمنة أن الله لا ينزل بلاء إلا بحكمة، وصاحبه مع الصبر مأجور.
ثالثًا: إن البلاء -أختنا- ليس علامة على غضب الله، بل قد يكون رسالة محبة خفيّة، تختبر الصبر، وتُطهّر القلب، وترفع المقام عند الله، لذا تذكري:
1. أن أكثر الناس بلاءً أحبهم إلى الله، فلستِ وحدك في طريق الابتلاء، وقد سُئل النبي ﷺ: "أيّ الناس أشدّ بلاء؟، فقال: "الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على حسب دِينه"، فكلما زاد إيمانك، كان البلاء بوابة رفع، لا علامة ضعف، وانظري إلى أيوب عليه السلام وقد سُلِب منه كل شيء، لكنه ظلّ يقول: ﴿إِنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ﴾، ومريم عليها السلام، لما جاءها الطلق وحدها في غربتها، قالت: ﴿يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا﴾ ومع ذلك، لم يُعاتبها ربّها، بل قال لها: ﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ فألمكِ ليس نُقصان إيمان، فلا تلومي نفسك، بل قرّبيها إلى الله؛ تزدادي ثباتًا ونورًا.
2. الأجر العظيم عِند الصبر، قال ﷺ: "ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذىً ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفّر الله بها من خطاياه"، وقال ﷺ: "إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم"، فكل تنهيدة، وكل دمعة، وكل لحظة تعب، ليست ضائعة عند الله، بل هي مدّخرة في ميزانك، تُبدَّل يومًا نورًا، وجبرًا، ورضوانًا.
لذا تذكّري دائمًا أن كل همّ له آخر، وكل بلاء له نهاية، وكل صبر له جزاء، فاستبشري، وامسحي دمعك، وأبشري أن الله يراك، ويعلم صبرك، ويجزيك به عطاءً لا يُقاس بآلام الدنيا.
3- اجعلي لك وردًا يوميًا للسكينة:
- اجعلي لك هذا الورد صباحًا ومساءً، خاصة عند الضيق:
1. من القرآن:
- الفاتحة (سبع مرات).
- آية الكرسي.
- آخر آيتين من البقرة.
- سورة الإخلاص، والمعوذتين (ثلاثًا).
2. أكثري من الدعاء وقولي : (اللهم إني أمتك الضعيفة، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً)، (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلّه، ولا تكلني إلى نفسي)، (اللهم اجبر قلبي، وارزقني سكينة تواسي حزني، وتطفئ خوفي، وتحيي قلبي).
فاللهم يا واسع الرحمة، يا سميع الدعاء، أنزل على قلب أمَتك هذه سكينةً لا تزول، وأمطر على جسدها عافيةً تُنسيها تعب السنين، واشفِ زوجها شفاءً لا يغادر سقمًا، اللهم اجعل في بيتها نورًا، وفي نفسها رضا، وفي يومها أملًا جديدًا، اللهم لا تدع لها همًّا إلا فرّجته، ولا دعاءً إلا استجبته، ولا خوفًا إلا أمنته، واجعل لها من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلاء عافية، اللهم إنها لجأت إليك، وأنت لا تردّ من جاءك خائفًا، فكن لها، وكن معها، وأعنها، وأكرمها، ولا تخرجها من هذه الدنيا إلا وقد شرّفتها برضاك، آمين.
لا تنقطعي عن الدعاء وإن شعرت بضعفك، فالضعيف هو أقرب الداعين إجابة، وفقك الله وأتم عليك نعمه، ونحن هنا متى ما أردت الاستشارة، نرحب بك في أي وقت، والله الموفق.