الوسوسة حول أمور الطهارة أثرت على عباداتي، فما توجيهكم؟

2025-07-14 23:48:15 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله فيكم ووفقكم، وأعتذر على الإطالة، لكنني أثق بموقعكم، ولم أجد من حولي من يفهمني، أو يقدّم لي النصيحة الصادقة.

بدأت قصتي مع الوسواس، منذ أن كنت أعيش مع والدتي في بيت واحد، مع أخي وزوجته، قبل سنة وبضعة أشهر، بدأت ألاحظ أنهما لا يهتمان بأمور الطهارة على الإطلاق؛ فمثلًا إذا تبول أحد أطفالهما على السجاد، كانت زوجة أخي تمسحه فقط دون غسله، مع العلم أن الأطفال تجاوزوا سن السابعة، وكذلك إذا تقيأ أحدهم، كانت تنظّف الموضع مسحًا فقط دون غسيل، ورأيت منها تصرفات كثيرة على هذا النحو.

أما أخي، فأحيانًا يخرج من الحمام ويدوس بالحذاء نفسه على أرض المطبخ، علمًا أن المطبخ ليس فيه سجاد، ولا يلتفت أبدًا لطهارة المكان، ومع مرور الوقت، بدأت أنا ووالدتي نلبس أحذية مخصصة للمشي على السجاد، وامتنعنا عن الصلاة عليه، بعد أن فقدنا الأمل في نصحهم، إذ لا يستجيبون.

بعدها بدأت أرى كل شيء في البيت غير طاهر، من الدبوس إلى منشر الغسيل، إلى أدوات المطبخ، وكل شيء آخر، حتى الجدران، لأن السجاد برأيي غير طاهر، والنجاسة تنتقل منه لكل شيء.

صرت لا أجلس على شيء، حتى أتأكد من جفاف ملابسي ومكان جلوسي، وإذا أردت النوم، أرتدي ملابس فوق ملابسي، حتى لا تنتقل النجاسة إلى جسدي إذا تعرقت.

ثم بدأت ألاحظ من حولي، فوجدت كثيرًا من الناس لا يهتمون بأمر الطهارة، ومنهم أختي، التي لا يوجد في بيتها شبشب (حذاء) مخصص لدخول الحمام، ويخرجون من التواليت إلى باقي البيت بنفس النعل، بحجة أن البيت غير مفروش بالسجاد، وعندما يزوروننا، أتوسوس من أقدامهم وجواربهم.

أصبحت لا أستحم إلا عند الضرورة، وأؤجل الغُسل ليومين أو ثلاثة، لأني أخاف من دخول الحمام لما فيه من مشقة نفسية، وصرت أهمل الصلاة، حتى لا أضطر إلى الغُسل مباشرة بعد الطُّهر، مع أنني كنت من قبل محافظة على الصلوات والسنن.

أتساءل: كيف يمكن للمسلم أن يعيش مع عائلة غير مسلمة في بيت واحد إذا كان المكان مليئًا بالنجاسة؟ وكيف يمكنني التعامل مع أختي وأقاربي الذين لا يبالون بأمر الطهارة؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تسنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختنا الفاضلة- في موقع إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويطهّر قلبك، ويزيل عنك همّ الوسواس، ويجعلك من الطيّبات الطاهرات في الدنيا والآخرة.

ما تمرّين به ليس طهارة زائدة، بل وسواسٌ مؤلم وابتلاء في الدين والنفس، وأنت -بعقلك ودينك- أرقى من أن تبقي حبيسة هذا القيد، وشعورك بأنه أمر غير طبيعي هو أولى خطوات العلاج.

الوسواس في الطهارة من الشيطان، لا من الدين؛ فهو لا يأتينا من باب المعصية فقط، بل يتسلل من باب الطاعة، حتى تظني أنك تتقربين إلى الله، بينما تكون النتيجة تعطيل عبادتك، وتأخير الغسل، وترك الصلاة، وتعب النفس، وفساد العلاقة بالناس.

هذا كله يدل على أن ما تعيشينه ليس طهارة شرعية، بل وسوسة شيطانية، وقد قال رسول الله ﷺ: "إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلن يُشَادَّ الدِّينَ أحدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا وأبْشِرُوا..." (رواه البخاري).

الطهارة في الإسلام مبنية على التيسير، لا على التكرار والتشديد؛ فالشريعة لم تُكلّفنا بتتبّع النجاسة، ولم تطلب التأكد من طهارة كل زاوية في البيت. الأصل في الأشياء الطهارة، ولا يزول هذا الأصل إلا بيقين، واليقين لا يزول بالشك.

فإذا رأيتِ طفلًا قد تبوّل، لكن لم تعلمي مكان النجاسة تحديدًا، فالسجادة تبقى طاهرة، وإذا مشت أقدام الناس، فالأرض تظل على طهارتها ما لم تري نجاسة واضحة.

ما تفعلينه من تأخير الغسل والصلاة خطر عليك؛ لأنه يؤدي إلى ترك العبادة أو تعطيلها. وأنتِ لستِ محاسبة على طهارة المكان ما لم تعلمي يقينًا أنه نجس. بل حتى لو صليتِ على سجادة تشكين في نظافتها، فصلاتك صحيحة شرعًا، إن لم يكن هناك نجاسة ظاهرة بيقين.

- رددي دائمًا: "الأصل في الأشياء الطهارة، ولا يزول اليقين بالشك".
- لا تسألي، لا تفتشي، لا تراقبي من حولك، لا تنظري إلى أقدام الزوار.
- صلّي على سجاد البيت، ما لم تري نجاسة عينية من لون أو رائحة أو بلل.
- اغتسلي فور الطهر دون تكرار، ولا تعيدي الغسل أو تتفقدي أرض الحمام.
- حددي وقتًا لكل عبادة ولا تتجاوزيه: الوضوء ثلاث دقائق، والغسل عشر دقائق.
- لا ترتدي ملابس فوق الملابس خشية البلل؛ فالعرق ليس نجاسة، وإذا تعرّقتِ في مكان طاهر، فأنتِ طاهرة.

أمَّا من يعيش مع غير المسلمين أو غير المبالين بالطهارة، فالنبي ﷺ دخل بيوت اليهود، وأكل عندهم، ولم يكن الصحابة يُلزمون بتفتيش الأواني والسجاد، فكيف بمن يعيش مع مسلمين يُصلّون ويغتسلون، وإن قصّروا في بعض التفاصيل؟ لا يُطلَب منك مراقبة الناس، بل انصحي بهدوء، ثم استريحي، وأحسني الظن، وفوّضي أمرك لله، وإن كنا نود توضيحًا أكثر لسؤالك: فمن هي العائلة غير المسلمة التي تقصدينها؟؟

أنت الآن في بداية مرحلة الشفاء، وما دمتِ قد كتبتِ هذه الرسالة، فأنت على طريق الخلاص -بإذن الله- فاصبري على تنفيذ الخطة، واصبري على مقاومة الوسواس، ولا تعودي للسؤال عند كل ضيق، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ﴾، وقال النبي ﷺ: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ" (رواه أحمد وابن خزيمة وغيرهما).

نسأل الله أن يشفيك من الوسواس، ويرزقك طمأنينة في العبادة، ونورًا في القلب، وراحة في الطهارة، وأن يعيدك إلى صلاتك وطاعاتك أفضل مما كنتِ.

والله الموفق.

www.islamweb.net