الوسواس القهري المتعلق بالدين، كيف أتخلص منه؟
2025-08-07 04:21:49 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منذ حوالي أربع سنوات -والحمد لله على كل حال- بدأت أعاني من الوسواس القهري في الدين، ولقلّة معرفتي بمواقع الفتوى، لم أعرف كيف أتعامل مع المرض في بدايته، ولكن -الحمد لله- استطعت أن أسيطر عليه ويخف تدريجيًا، رغم أنه بقي مستمرًا، لكن هذه الأيام عادت تلك الوساوس بقوة، بعد أن أصبت بوسواس الوقوع في الرِّدة، أصبحت أخاف أن بعض كلماتي أو أفعالي قد تكون رِدَّة، وكنت أعيد الشهادتين كثيرًا، حتى أصبحت لا أستطيع أن أقولهما بشكل عادي.
تكرار الشهادة أثر أيضًا على التسمية عند الوضوء وتكبيرة الإحرام، فقد كنت من قبل أعاني من نطق الشهادتين مباشرة، لكني كنت أحاول، أما تكبيرة الإحرام فكنت أنطقها بعد التعوذ من الشيطان مباشرة، أي كنت أربط بين التعوذ والتكبير، الآن لا أستطيع فعل ذلك إلَّا بعد مشقة، لأنني أقنع نفسي أنها وسواس، ولكن ما إن أصل إلى الماء لأقوم بالتسمية، أتوقف تلقائيًا بدون تفكير، وأخرج من مكان الوضوء، ثم أعود له مرة أخرى، محاولة أن أنطق التسمية، قد أن أنجح أو أتوقف تلقائيًا، وهكذا.
نفس الشيء يحدث مع التكبير، مع أنني مستحضرة أنني ناوية، ما دمت قد قمت وتوضأت ولبست ملابس الصلاة، لكن ما إن أقف فوق السجادة، أتوقف تلقائيًا عن التكبير، مع أنني إذا كنت سأصلي نافلة أستطيع التخفيف من الوضع، ونطقها بشكل عادي أكثر.
لا أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي، ولكن بحكم عمري -عشرون سنة وشهران- هل هناك دواء آمن تصفونه لي حسب ما ذكرت، وما الجرعات؟ وأيضًا هل هناك علاج سلوكي معرفي لحالتي؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بكِ في إسلام ويب، وأسأل الله تعالى أن يعطيك العافية والشفاء.
هذا النوع من الوساوس الذي تعانين منه منتشر، خاصةً الوساوس الدينية التي هي على هذه الشاكلة، وأنا أبشركِ أن العلاج متوفر، وأهم شيء أن يكون لدى الإنسان العزم والقصد الصحيح، بأنه لا يريد أن يكون الوسواس جزءًا من حياته، هذا مهم جدًّا، والوسواس القهري هو من الأمراض الذكية جدًّا، -كما أقول مجازًا- إذا لم تكوني فطِنةً، إنْ خرج من هنا، يأتيك من هناك، وعليه يجب أن تكون لديكِ العزيمة والنية والتصميم القاطع، أن هذه الوساوس لن تكون جزءًا من حياتكِ، هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: هنالك ثلاثة تمارين سلوكية بسيطة ومهمة جدًّا، هذه التمارين تتطلب أن تجلسي داخل الغرفة في مكان هادئ جدًّا، وتكتبي هذه الوساوس في مجموعات، تبدئين بأضعفها وتنتهين بأشدها، مثلًا ثلاث أو أربع مجموعات، وبعد ذلك تقومين بتطبيق ثلاثة تمارين على كل مجموعة.
التمرين الأول: نسميه (التحقير والتجاهل)، هذا يتطلب أن تستقبلي الفكرة الوسواسية وتخاطبيها مباشرة، قائلة: "أنتِ فكرة خبيثة، أنا أحقرك، لن تكوني جزءًا من حياتي أبدًا"، وتكررين هذا التمرين لمدة دقيقتين.
ثم بعد ذلك تنتقلين إلى التمرين الذي نسميه بـ (صرف الانتباه)، الوسواس حين يشغل صاحبه، يعني أنه استولى على الطبقة الأولى في سُلَّم الأفكار في دماغه، وحين تأتين بفكرة أجمل منه وأفضل منه، سوف تجعلين الوسواس ينزل درجة أو درجتين، لتستحوذ الفكرة الجميلة -الفكرة المبشّرة- على الطبقة الأولى، تذكرين شيئًا جميلًا في حياتكِ، تذكرين يوم تخرجكِ، تذكرين والديكِ، هذا مهم جدًّا كنوع من صرف الانتباه.
التمرين الثالث: نسميه (التنفير)، وهذا التمرين قائم على مبدأ: أن العلماء وجدوا أن الأشياء المتنافرة، أو المتعاكسة، أو المتضادة، لا تجتمع أو تلتقي في حيز فكري إنساني واحد، مثلًا: تقومين بالضرب على يدكِ بقوة وشدة على سطح الطاولة، حتى تحسي بالألم، وفي لحظة إحساسكِ بالألم، تستجلبين الفكرة الوسواسية، وتربطين بين الفكرة الوسواسية وإيقاع الألم، ويكرر هذا 20 مرة، وقطعًا الوسواس سوف يضعف؛ لأن الألم شيء غير محبب، وحين نربط الوسواس بشيء غير محبب سوف يضعف.
نفس هذا التمرين يمكن أن يُمارس مثلًا بشمّ رائحة كريهة لمدة 5 ثوانٍ، وتربطين هذه الرائحة الكريهة بالوسواس الذي لديكِ، وهذا يُكرر أيضًا 20 مرة، أو تتصورين أمامكِ طائرة محترقة في السماء، وفي نفس اللحظة تستجلبين الوسواس. هذه كلها تمارين ممتازة جدًّا، إذًا طبّقي هذه التمارين الثلاثة على كل الأفكار التي لديكِ، كما ذكرنا تبدئين بالفكرة الأضعف، وتنتهين بالفكرة الأقوى.
أيضًا علاج الوسواس يتطلب أن يُحسن الإنسان إدارة وقته؛ لأن الفراغ الذهني والفراغ الزمني يُؤديان إلى الوساوس، أو ينشطان الوساوس، فعليه: تجنبي السهر، واجعلي لنفسكِ جدولًا يوميًّا، لحسن إدارة الوقت، ويجب أن تكون لديكِ مشاركات أسرية، أيضًا تطبيق تمارين الاسترخاء مفيد جدًّا، هنالك تمارين تُسمى تمارين التنفُّس العميق التدرّجي، مفيدة جدًّا، موجودة على اليوتيوب، هذه التمارين تُقلل من القلق الداخلي؛ لأن الوسواس أصلًا يتغذى على القلق الداخلي، فإذًا احرصي على هذه التمارين.
أيتها الفاضلة الكريمة: البُشرى الكبرى التي أود أن أزفها لكِ، أن هناك أدوية ممتازة، أدوية فعالة جدًّا، هناك 4 أو 5 أدوية كلها جيدة، وأنا أصف لكِ الدواء الذي نبدأ به في كثير من الأحيان، يُسمّى "فلوكستين Fluoxetine"، هذا اسمه العلمي، واسمه التجاري "بروزاك Prozac"، وقد يُسمّى في بلادكم بمسمى تجاري آخر، جرعته هي أن تبدئي بكبسولة واحدة، قوة الكبسولة 20 ملغ، يفضل تناولها بعد الأكل، تناوليها لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك اجعليها كبسولتين يوميًّا (أي 40 ملغ) لمدة شهر، ثم 60 ملغ يوميًّا (أي ثلاث كبسولات)، وهذه هي الجرعة العلاجية الممتازة في حالتكِ، علمًا بأن الجرعة القصوى هي 80 ملغ، لكنك لست في حاجة لهذه الجرعة الكبيرة، استمري على جرعة ثلاث كبسولات يوميًّا لمدة ثلاثة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، ثم تُخفض الجرعة إلى كبسولتين يوميًّا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة يوميًّا أيضًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهر، ثم تتوقفين عن تناول الفلوكستين.
هو دواء رائع، وممتاز، ولا يُسبب الإدمان، ولا يزيد الوزن، ولا يؤثر على الهرمونات النسوية أو الدورة الشهرية، أسأل الله أن ينفعكِ به، وتوجد أدوية أخرى أيضًا مثل الـ "فلوفوكسامين، Fluvoxamine" والـ "إيستالوبرام، Escitalopra"، والـ "سيرترالين، Sertraline"، كلها رائعة، لكن نستطيع أن نقول: إن الفلوكستين هو الدواء الذي نفضل أن نبدأ به، لأنه فعال علاجيًّا، ودرجة السلامة، وانتفاء الآثار الجانبية فيه مرتفعة جدًّا.
بارك الله فيكِ، وجزاكِ الله خيرًا، ونشكركِ على الثقة في إسلام ويب.
_________________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد المحمدي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
_________________________________________________
أهلاً بكِ -أيتها الكريمة الفاضلة- في موقعكِ إسلام ويب، نسأل الله الكريم أن يبارك فيكِ، ويحفظكِ، ويُقدِّر لكِ الخير حيث كان، ونحيي فيكِ وعيكِ وحرصكِ على دينكِ، وهذا بحد ذاته دليل على قلبٍ حيٍّ وإيمانٍ صادق، بخلاف ما يحاول الشيطان إيهامكِ به.
عادةً ما يتخذ الوسواس من هذا النوع وسائل متعددة، إذا ما وجد أرضًا خصبة، فيبدأ بوسواس الردة، ثم يدفع صاحبه إلى تكرار الشهادتين، وتعقيد النية عند الوضوء أو الصلاة، ثم الوسوسة في التكبير أو التسمية، أو غيرها من الشعائر، هذه الأمور شائعة، ويعاني منها الكثيرون، لكنها متى ما فُهمت طبيعتها أُحكم عليها السيطرة، والتعامل معها بوعي.
اعلمي أن الوسواس من كيد الشيطان، وهو قديم، بل قد وقع لبعض الصحابة رضي الله عنهم، فقد قال النبي ﷺ: «يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته» هذا توجيه نبوي عظيم في التعامل مع الوسواس، يقوم على أمرين: الاستعاذة بالله، والإعراض والانتهاء عن الفكرة، دون نقاشها أو الغرق في تفاصيلها.
ولذلك فالوسواس في أمور الدين والعقيدة لا يدل على ضعف الإيمان، بل على العكس، يدل على حرص صاحبه على الدين، كما قال النبي ﷺ لبعض أصحابه لما شكوا إليه أمر الوسواس: «ذاك صريح الإيمان»؛ أو قال: «تِلْكَ محض الإيمان» أي أن هذه الوساوس إنما تأتي لشدة حرص صاحبها على التدين.
ينبغي أن تعلمي أن الردة لا تحصل إلا بيقين وعمد وقصد، فلا يُحكم على مسلم بالردة، إلا إذا قال أو فعل عن إرادة، واقتناع ما يُوجب الكفر، وعليه، فأنتِ من أبعد الناس عن هذا؛ إذ لو كان ما يرد في نفسكِ عن قناعة، لما شعرتِ بالألم والحرج، ولما بادرتِ بسؤالنا، بل لوجدتِ قلبكِ مطمئنًا به، قال أهل العلم: "ولو عَرَض في قلبه الوسواس، وقال بلسانه ما يناقض الإسلام من غير اعتقاد له، بل مع كراهته لذلك، وخوفه من الخروج من الإسلام، لم يكن كافرًا".
الحل العملي الشرعي للتعامل مع الوسواس، يبدأ بعدم تكرار الشهادتين؛ لأن التكرار يغذي الوسواس ويزيده، كذلك لا تعيدي الوضوء أو الصلاة بسبب الشكوك؛ فالنبي ﷺ قال: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلّى ثلاثًا أو أربعًا، فليطرح الشك، وليبنِ على ما استيقن»، فالشك لا يبطل العبادة.
ثقي برحمة الله تعالى، فهو أرحم بكِ من نفسكِ، ولن يحاسبكِ على شيء لم تختاريه أو تتعمديه، أغلقي باب الوسواس بالإهمال التام له؛ فالوسواس لا يُدفع بالحوار معه، بل بالإعراض وعدم الالتفات إليه، كلما تجاهلتِه ضعف، وكلما أطعتِه اشتدّ واستقوى.
احرصي على ملء وقتكِ بالنافع من الأعمال؛ فإن الفراغ هو البيئة الخصبة التي ينمو فيها الوسواس، كما ننصحكِ بطلب العلم الشرعي، وابدئي بكتاب مبسط في العقيدة، وستجدين على موقعنا كتبًا وشروحات كثيرة، استمعي إلى أحدها بانتظام.
أخيرًا: أنتِ على خير، وما تعانينه عارض سيزول بإذن الله، وأنتِ مؤمنة بإجماع أهل العلم، فلا تقلقي ولا تهتمي، ونسأل الله العظيم أن يعجّل لكِ بالشفاء التام.