أشكو من ضيق الحال وعدم التوفيق في أموري، فما الحل؟

2025-08-10 02:41:24 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، وعمري 28 سنةً، أعاني من عدم التوفيق في كل شيء في حياتي؛ فأنا لم أوفق في العبادة بعدما كنت ملتزمًا في بداية حياتي، وكنت محافظًا على الصلاة منذ أن كان عمري 10 سنوات حتى بلغ عمري 23 سنةً، ودخلت في حالة من الاكتئاب، مع صراع داخلي يمنعني من العبادة والتقرب إلى الله -عز وجل-، رغم أني أسعى لذلك وبشدة.

كما أعاني من عدم التوفيق في عملي، وقلة في الرزق، وأي باب أطرقه يغلق في وجهي، حتى أصدقائي، والناس القريبون مني صاروا ينفضون من حولي.

قررت أن أتزوج، وأن أحصن نفسي، وبدأت المشاكل تنهال علي تباعًا، وبقيت صامدًا، وحاولت أن أتابع هذا الأمر بشتى الوسائل، إلى أن جاءني خبر صادم؛ فقد راجعت الطبيب لاستشارة بسيطة، ولكن صدمني الطبيب بقوله: إني مصاب بمرض لا يرجى شفاؤه، ومن حينها وأنا ضائع في هذه الحياة، لا هدف، ولا طموح، ولا أستطيع أن أكمل حياتي.

إضافةً إلى ذلك: توقف كل تيسير من حولي، ودخلت بحالة من الاكتئاب، وخلل في العقيدة، وعدم الإيمان بالقضاء والقدر، ولا أستطيع أن أرجع إلى الله تعالى، وأتقرب إليه بالدعاء أن يزيل عني هذا الكرب، بسبب القناعة بأن الله لن يستجيب دعائي.

كما أعاني من الكوابيس منذ أن أضع رأسي على المخدة حتى أصبح، وقد راجعت بعض الرقاة الشرعيين، ولكنهم يقولون بأنه ليس بي شيء.

أفتوني في أمري، وكيف أخرج من هذا الضياع؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -أخي الفاضل- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

أخي الفاضل: لا تحتاج أن أُذكِّرك بأن الحياة هي دار ابتلاء، والله عز وجل يجازينا -بإذنه تعالى- على ما نتحمل من تحديات، وابتلاءات، وصعوبات في هذه الحياة.

وأنا معك -أخي الفاضل- في أنك عانيت الكثير، وكان الله معك، ولكن -أخي الفاضل- كيف لنا أن نيأس من رحمة الله تعالى وقبوله لنا، طالما أن النية صالحة بإذنه تعالى؟ والله تعالى يقول: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (سورة يوسف: 87).

فيا أخي الفاضل: لا تفتح للشيطان مجالاً أو مساحةً ليشككك في رحمة الله تعالى، وقبُوله لمن يُقبل عليه من عباده.

أخي الفاضل: أحمد الله تعالى أنه بالرغم من كل هذه الصعوبات التي ذكرتها، فقد أنعم الله عليك أنك أنهيت دراستك، وتعمل في مجال الهندسة، وأريد هنا من هذه الإشارة أن أنبهك إلى أمرٍ، وهو: أن توقعات الإنسان تلعب دورًا كبيرًا في حياته؛ فتغيير نظرتنا إلى الحياة يساعدنا جدًّا.

آتي لك بمثال: وأنت تمشي في الطريق، ضربك رجل من خلفك بالعصا، فماذا ستشعر مباشرةً؟ لا شك أنك ستشعر بالغضب والانزعاج الشديد، ولكن لو نظرتَ إلى الخلف فوجدتَ رجلاً ضريرًا يسير بعصاه، وضربك بالخطأ، فمباشرةً كيف سيكون شعورك؟ أكيد سيتحول من غضبٍ إلى شفقة ورأفة بهذا الإنسان الضرير.

فإذًا -أخي الفاضل- التوقعات، ورؤيتنا للدنيا تعيننا جدًّا، أي أنه عليك أن تعمل على أن تنظر إلى نصف الكأس الممتلئ -كما يقولون-، لا أن تَقع في فخ النظرة الانتقائية؛ فالإنسان الذي عنده نظرةً سلبيةً عن نفسه، والآخرين، والحياة، فإنه لا يَنتبه إلَّا إلى الأمور السلبية التي تجذب انتباهه، بينما يتجاهل أو يُقلِّل من أهمية الأمور الإيجابية التي هي في حياته.

ذكرتَ أنك أُصبت بمرض لا يُرجى شفاؤه، فكنتُ أتمنى لو تذكر لنا ما هذا المرض، لكي أيضًا نعطيك ما يُفيد في هذا الجانب الطبي، فلا بأس أن تعود إلينا وتسألنا مجددًا بتفاصيل أكثر.

كما أحمد الله تعالى على أنك التزمت بالصلاة من سنٍّ مبكرة، من عمر العشر سنوات، ولكن علينا أن نستعيد هذا الالتزام؛ لأن الله تعالى يقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (سورة الرعد: 28)، فمهما اشتدت الصعاب والتحديات، علينا أن نستعين بالله -عز وجل- لنتابع الطريق بهمة ونشاط.

فإذا استطعت أن تفعل هذا بنفسك، فهذا طيب، وإلَّا فأنصحك بمراجعة عيادة الطب النفسي، وأن تتحدث مع الطبيب؛ فقد ذكرت الاكتئاب، فهل هو اكتئاب سريري يحتاج إلى علاج؟ أم هو مجرد شعور بالانزعاج بسبب التحديات والابتلاءات التي أُصبت بها في حياتك؟

أنت ما زلت في سن الشباب (الثامنة والعشرين)، وأمامك حياة طويلة، أرجو من الله تعالى أن تكون ممتلئةً بالصلاح، والإنجاز، والعطاء لنفسك، ولأسرتك، ولبلدك، ولأمتك، فأرجو أن تستعيد ثقتك بالله عز وجل معتمدًا عليه، ولكن متخذًا أيضًا للأسباب.

أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن نسمع منك أخبارًا طيبةً تشير إلى أن نظرتك إلى الحياة أصبحت أفضل، وكما يقال: "كن جميلًا ترى الوجود جميلاً".

نسأل الله أن يجازيك على صبرك، وأن يعوضك، ويجبرك، ويصلح حالك ومآلك.
_____________________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض -استشاري الطب النفسي-،
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ عقيل المقطري -مستشار العلاقات الأسرية والتربوية-.
_______________________________________________

فمرحبًا بك -أخي الكريم-، وردًا على استشارتك أقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

رفع الهمة يحتاج منك إلى عزيمة جادّة، كما يحتاج إلى من يُعينك، ويُنشطك للقيام بالأعمال الصالحة، كالأصدقاء الصالحين؛ فإنهم عون على الطاعة، وكذلك أفراد عائلتك لهم دور في دعمك ومساندتك.

تحتاج أيضًا إلى أن تغيّر نمط حياتك، وتكسر الروتين الذي كبّلك، وجعلك تعيش في رتابة أفضَت بك إلى ما وصفته بالكآبة.

وللخروج من دائرة الاكتئاب:
- عليك بممارسة الرياضة، والخروج مع بعض أفراد أسرتك، أو أصدقائك، وابدأ أنت بالمبادرة والتواصل، واطلب منهم مرافقتك في نزهات إلى الحدائق، أو المحميات الطبيعية ذات الأشجار الكثيفة، والمياه الجارية، وأصوات الطيور؛ فمشاهدة الخضرة، وسماع خرير الماء، وصوت الطيور، يبعث على الراحة النفسية، ويُعين على طرد الاكتئاب.

- نوصيك أيضًا بالاعتناء بصحتك النفسية، وهذا يشمل الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول طعام صحي ومتوازن.

- واجتنب العزلة، وشارك عائلتك وأصدقاءك حياتهم الاجتماعية، واعلم أن الأصدقاء أنت من يصنعهم، فشكواك من ابتعادهم عنك، إنما هو بسبب انقطاعك عنهم، واستعن بالله، وابدأ بالتواصل معهم، وستجدهم يلتفون حولك، ويُساعدونك على الخروج مما أنت فيه.

- كذلك، المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية ستُشغلك بما هو نافع، وتُخفف من التفكير في همومك، وتكسبك الأجر والمثوبة.

- ولا بأس بأن تستعين بطبيب نفسي للعلاج السلوكي المعرفي؛ فهو علاج نافع -بإذن الله-، واحرص على تجنب الأدوية النفسية قدر الإمكان إلا عند الضرورة، وتحت إشراف طبي؛ لما لها من آثار جانبية.

- داوم على تلاوة القرآن، واجعل لك وردًا يوميًّا؛ فالقرآن يزرع الطمأنينة في النفس، ويبعث على الأمل، ويقوّي العزيمة لفعل الطاعات، واستمع للتلاوات بأصوات ندية مؤثرة كالشيخ المنشاوي -رحمه الله-.

أنت لا تعاني من سوء التوفيق، بل تعاني من الخمول والكسل؛ فالمؤمن مأمور بالعمل والجدّ، والله تعالى وعد بالإعانة لمن توجه إليه بصدق، وفي الصلاة نكرر قولنا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وفي الحديث القدسي: «هَذَا ‌بَيْنِي ‌وَبَيْنَ ‌عَبْدِي ‌وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»، وأما الصراع الداخلي الذي يمنعك من الصلاة فهو من وساوس الشيطان، فلا تُصغِ له، ولا تحاوره، وعليك بالاستعاذة بالله، والمبادرة بأداء الصلاة، والخروج من العزلة، وأدِّ الصلاة في جماعة بالمسجد، وستجد أن نفسك تنشرح لها تدريجيًا.

تذكّر أن هناك الكثير ممن أصيبوا بأمراض يُظن أنها لا شفاء منها، ومع ذلك تراهم صابرين محتسبين، ومهما بلغ مرضك، فالله هو الشافي، ولا يعجزه شيء، وإذا أراد شيئًا قال له: "كن فيكون".

قارن حالك بأحوال من هم أشد منك ابتلاءً: كأصحاب الفشل الكلوي، أو مبتوري الأطراف، أو ذوي التشوهات الخَلْقية، وستجد أنك في نعم عظيمة ينبغي أن تُقابلها بالشكر.

كن على يقين أن المبتلى محبوب عند الله، كما في الحديث: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ ‌خَيْرًا ‌يُصِبْ ‌مِنْهُ»، والمؤمن يتقلّب بين الشكر في السراء، والصبر في الضراء، وكلاهما خير له، واعلم أن ما يصيبك من نصب، أو همّ، أو مرض، إلا هو كفّارة لذنوبك، كما جاء في الحديث: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، ‌حَتَّى ‌الشَّوْكَةِ ‌يُشَاكُهَا ‌إِلَّا ‌كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ».

الذنوب والمعاصي لها أثر عظيم في ظلمة القلب، وانقباض النفس، ومن أعظمها ترك الصلاة، فإن العاصي يُحرم التوفيق، وفي الحديث: «إِنَّ الرَّجُلَ ‌لَيُحْرَمَ ‌الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ».

واعلم أن محبة الله للعبد المستقيم تثمر في حبّ الناس له، والعكس بالعكس، كما في الحديث: « إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ ‌فُلَانًا ‌فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».

أما ما تعانيه من وساوس في العقيدة: فهي خواطر من الشيطان، ولا يُؤاخذ بها العبد ما لم يتكلم بها أو يعمل بها، فاستعذ بالله، وداوم على أذكار الصباح والمساء، فهي حصن لك من الشيطان.

تأمّل في قضاء الله وقدره، واعلم أن الخير كلّه فيه، وإن خفي عليك وجه الحكمة فيه، فالإيمان بالقدر يورث الرضا، ويجلب الطمأنينة، كما في الحديث: "أنا عند ظن عبدي بي..."

هذه الحياة ليست ثابتةً على حال؛ فهي متقلّبة بين الأفراح والأتراح، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن..." الحديث.

أكثر من الدعاء، وتحرّ أوقات الإجابة، واطلب من ربك الشفاء والعافية، والثبات على الدين، وكن على يقين أن الله سيستجيب لك.

استعن بدعاء الكرب، وكرّره كثيرًا: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم"، وكذلك دعاء ذي النون: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.

أما الكوابيس فهي نتيجة طبيعية لانشغال عقلك الباطن بهمومك، وستبدأ بالزوال تدريجيًا مع التزامك بما سبق من نصائح.

ارْقِ نفسك بنفسك بقراءة الفاتحة، والمعوذتين، والإخلاص، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وبعض الأدعية النبوية، ثم انفث في كفيك، وامسح جسدك، وكرر ذلك صباحًا ومساءً.

نسأل الله تعالى أن يمنّ عليك بالشفاء، وأن يعينك على نفسك الأمارة بالسوء، وينصرك على الشيطان الرجيم، وأن يرزقنا وإياك الاستقامة والثبات على طاعته، إنه سميع مجيب.

www.islamweb.net