كيف أربي ابنتي على قيم الكرم والاحتفاء بالضيوف؟
2025-08-03 23:50:54 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
ابنتي تبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، ولا تحب أن يأتي ضيف ويشاركنا الطعام، إلا إذا كانت وليمة، أما أن تأتي خالتها مثلًا، وأقدم لها طعامًا، أو أحد الأقارب أو الأصدقاء، فتغضب وتضعني في موقف محرج.
حاولت أن أكلمها عن إكرام الضيف وإطعام الطعام، ولكن دون جدوى، مع العلم أنها ليست بخيلة، ولكنها تعرضت في صغرها لمشاكل تخص الطعام؛ لأننا كنا في بيت عائلة، وكان أولاد عمها يدخلون ويأكلون طعامنا دون إذن، أو يطلبون أن أعطيهم من الطعام، وكان في أوقات كثيرة لا يكفي للعشاء، فتغضب وتقول لي: "لا تعطيهم، اطرديهم، لماذا لا يأكلون في بيوتهم؟" أما الآن، فنحن مستقلون عنهم، ولكن المشكلة ما زالت قائمة.
أرجو الإفادة، وماذا أفعل معها؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لكم ثقتكم في طلب الاستشارة من موقع إسلام ويب، ونثمن حرصكم على تقويم سلوك ابنتكم، وغرس الصفات الحميدة فيها، وعلى رأسها صفة الكرم وإطعام الطعام، وهي من الخصال التي يعلي شأنها ديننا الحنيف.
ومن فضل الله علينا أن جعل مكارم الأخلاق من أعظم مقاصد الشريعة، وأمر الآباء برعاية أبنائهم وتربيتهم على الفضائل، وغرس معاني الكرم والإحسان في نفوسهم، قال رسول الله ﷺ: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تُدخِله على مسلم" ومن أعظم وجوه هذا الإحسان، ما حث عليه الإسلام، من إطعام الطعام وبذل العطاء، لتنشأ الأجيال على حب الخير، وحسن التعامل مع الآخرين.
أما بخصوص ما تمر به ابنتكم الآن، فإن له تفسيرًا علميًا واضحًا؛ إذ تشير الدراسات النفسية إلى أن السنوات الأولى من حياة الإنسان تمثل حجر الأساس لتكوين شخصيته المستقبلية، بما تحمله من خبرات وتحديات، قد يظن الأهل أن الطفل سيتجاوزها أو ينساها، بينما تظل آثارها حاضرة في وعيه وسلوكه لاحقًا، إذ تؤثر الخبرات المبكرة، سواء كانت إيجابية أو سلبية، في طريقة إدراكه للعالم من حوله.
وللأسف، قد يغفل بعض الآباء والأمهات عن أثر هذه المرحلة، معتقدين أن الطفل لا يدرك تفاصيلها، أو أن ذكرياتها ستُمحى مع الزمن، بينما تظل بعض المواقف راسخة في النفس، ويبدو أن ما تمر به ابنتكم الآن قد يرتبط بخبرات سابقة، شعرت خلالها بالظلم، أو فقدان العدالة، خاصة في تعاملها مع أبناء عمومتها، وعدم احترام خصوصيتها وحقوقها، وهو ما أثر على تقبّلها لفكرة الإحسان إليهم لاحقًا.
وبما أن ابنتكم في مرحلة المراهقة، وهي مرحلة تتسم بحساسية خاصة، واحتياجات عاطفية واجتماعية متزايدة، فقد بدأت تدرك وتستحضر تلك التجارب الماضية، ومن هنا تأتي أهمية معالجة الأمر بأسلوب إيجابي، يقوم على إعادة بناء المفاهيم الصحيحة حول العطاء والكرم.
ولأنكم أكدتم أن ابنتكم ليست بخيلة، فهذا مؤشر إيجابي يمكن البناء عليه، ويُنصح بالبدء بتعزيز سلوكيات العطاء، من خلال تجارب بسيطة وممتعة، مثل: إشراكها في تقديم المساعدة للفقراء والمساكين، والثناء على مبادرتها، لزيادة شعورها بقيمة ما تفعل، ثم يمكن التدرج لتوسيع دائرة الإحسان لتشمل الأقارب المحتاجين، مع التركيز في البداية على المعاني العامة للكرم، دون حصره في إطعام الطعام.
بعد ذلك، يمكن تعزيز صورة إيجابية جديدة عن الأقارب، عبر مواقف عملية، مثل: زيارتهم، ورؤية نماذج مختلفة من التقدير والاحترام، ثم دعوتهم لاحقًا إلى مناسبات خاصة بها، كحفل نجاحها، أو خلال شهر رمضان، مع توضيح فضل "من فطر صائمًا كان له مثل أجره"، بما يعمّق معنى الكرم لديها بصورة متوازنة.
كما يُستحسن تشجيعها على التعبير عن مشاعرها الحقيقية تجاه أبناء عمومتها وأقاربها، مع توضيح طبيعة المرحلة العمرية التي مرّت بها آنذاك، وإمكانيات الأسرة في ذلك الوقت، ويمكنكِ كأم أن توضحي لها أن ما حدث كان نتيجة غفلة غير مقصودة، وأنكِ حريصة الآن على تعويضها عاطفيًا ومعنويًا.
وأخيرًا: يُنصح بالتركيز على تقوية علاقتك بابنتك، من خلال إغداقها بالمشاعر الدافئة، ومشاركتها بعض أمورك الخاصة، وأخذ رأيها في بعض القرارات، ليكون بينكما رابط حميمي، يُساعدها على إعادة بناء نظرتها للآخرين، وتطوير علاقاتها الاجتماعية على أسس سليمة.
نسأل الله أن يبارك لكِ في ابنتك، ويجعلها قرة عين لك، وينبتها نباتًا حسنًا، ويرزقكما معًا علاقةً يسودها الودّ والرحمة والتفاهم، وأن يوفقكما لغرس مكارم الأخلاق فيها لتكون من أهل الكرم والإحسان.
هذا، وبالله التوفيق.