بسبب الإغراق في الإباحية أصبحت لا أعرف ما أريد في الحياة!!

2025-08-06 02:53:11 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله العظيم أن يبارك فيكم، وفي جهودكم.

أنا مدمن على الإباحية منذ 18 سنة، بالرغم من حفظي للقرآن، والتزامي بالصلاة، وحبي للخير، لكنني ابتُليت بها منذ الصغر، وأدت بي إلى التصعيد في الإدمان.

الآن أعاني من أضرارها الجنسية والعقلية والنفسية؛ فعلى سبيل المثال، أصبحت لا أعرف ماذا أريد في الحياة، ومن أين أبدأ!

ولو جلست مع نفسي لأكتب ما أريده أو ما أحب أن أفعله، سأخرج من هذه الجلسة دون أي فائدة، وحتى لو قررت أن أتعلم شيئًا، ولو لم أكن متأكدًا إن كنت أريده أم لا، أجدني لا ألبث أن أتركه بعد يوم أو يومين.

في داخلي كلام كثير جدًا، لكنني أكتفي بهذا الطرح.

جزاكم الله خيرًا، وأسأل الله أن يجعل شفائي على أيديكم، وأرجو منكم الدعاء لي. شكرًا لكم.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك ثقتك في التواصل مع موقع إسلام ويب، وحرصك على طلب الاستشارة، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويعينك على تجاوز هذه المرحلة بسلام.

ابتلاؤك بما ذكرت لا يعني ضعف إيمانك أو ضياع جهدك السابق في الطاعة، فالله سبحانه يقول: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» [البقرة: 222]، وما دمت تحرص على الإصلاح، وتسعى لترك المعصية، فأنت على خير عظيم، وقد جعل الله لكل داء دواء، ولكل أزمة مخرجًا.

إن إدمان مثل هذه المواقع – مع كونه حرامًا شرعًا ويستوجب التوبة الصادقة – هو سلوك ينتج عن ضعف الإنسان واستسلامه للشهوات، وفي داخل كل إنسان نزعات للخير والشر، وتفعيل النفس اللوامة التي تردع المرء عن المعصية يُعدّ أمرًا أساسيًا في هذه المرحلة للسيطرة على مثل هذه السلوكيات، وتوليد الدافع القوي للتوقف عن المشاهدة، والسير في الطريق الطبيعي نحو الله وطاعته.

المشكلة التي تطرحها عميقة وممتدة، وتتطلب حلولًا متدرجة تشمل الجوانب النفسية، السلوكية، الروحية، والاجتماعية، بالإضافة إلى إعادة بناء حياتك بعد الإدمان.

نبدأ بفهم طبيعة المشكلة وأثرها عليك؛ فإدمان الإباحية ليس ضعف إرادة فقط، بل هو اضطراب في نظام المكافأة في الدماغ؛ نتيجة التعرض المستمر للمثيرات العالية، وهذا يفسّر شعورك بفقدان الدافع، وعدم القدرة على الاستمرار في أي نشاط.

الأضرار الجنسية مثل ضعف الرغبة أو الأداء، والنفسية كالقلق والاكتئاب، والعقلية كتشتت التفكير، هي أعراض شائعة يمكن تحسينها تدريجيًا عند التوقف.

وعليك بالتحكم في العادات، مع العمل على إزالة المثيرات ووضع حواجز تقنية، كحجب المواقع الإباحية، وإلغاء متابعة كل مصادر الإثارة، مع تغيير بيئتك الحالية مثل: ترتيب غرفة النوم، وتجنب الأوقات التي تمثل تحديًا لك وتسهل عملية المشاهدة لهذه المواقع، لا تستخدم الهاتف في أماكن مغلقة، واجعل النوم بعيدًا عن الأجهزة.

وكلما جاءتك الرغبة، انتقل مباشرة إلى نشاط بديل محدد مسبقًا، مع استبدال عاداتك والروتين اليومي بممارسة رياضة محببة إليك، مثل المشي، أو تمارين القوة، أو الاشتراك في صالة ألعاب (جيم)؛ لتفريغ طاقاتك في شيء مفيد.

استخدم أسلوب التدرج في التخلي عن السلوكيات السلبية، والتحلي بسلوكيات إيجابية، ولا تركز على المنع فقط، بل على إشغال العقل بنشاطات ذات مكافأة صحية، فالهدف في البداية ليس الكمال، بل تقليل مرات السقوط تدريجيًا، مع تحليل أسباب كل انتكاسة؛ لمعالجتها.

كما يجب إعادة بناء الدافع لديك بوضع أهداف محددة، والتدرج في تحقيقها؛ لخلق شعور بالإنجاز يعيد تنشيط نظام المكافأة في الدماغ.

تواصل مع مختص نفسي -إذا أمكن-، خاصة في العلاج المعرفي السلوكي (CBT)؛ لأنه يساعد على كسر الحلقة بين المثير والسلوك.

وتذكّر أن حفظك للقرآن، وحبك للخير، ليسا بلا قيمة، بل هما عوامل قوة يمكن البناء عليها، والعبادة ليست مجرد أداء شكلي، بل وسيلة لإعادة الاتصال بنفسك وبمعنى حياتك.

أنصحك أن تكثر من الدعاء ولا تيأس، ووقل: (اللهم أصلح قلبي واصرف عني السوء والفحشاء)، وأكثر من دعاء: (اللهم طهر قلبي وحصن فرجي واغفر ذنبي) وابتعد عن جلد الذات المبالغ فيه؛ لأن الشعور بالذنب الشديد قد يدفع إلى مزيد من الإدمان.

كما ننصحك ألّا تحارب وحدك؛ فوجود صديق، أو شخص موثوق يقدم الدعم يضاعف من فرص التعافي، ويمكنك أن تشارك في الأنشطة الجماعية والأعمال الإنسانية؛ لأنها تساعد على إعادة الإحساس بالانتماء والهوية.

وتذكر أن إيجاد الشغف الحقيقي يحتاج وقتًا، وأن فقدان الحافز الآن ليس دليلًا على الفشل.

التغيير لا يكون دفعة واحدة، بل بخطوات ثابتة، والإدمان ليس هويتك، بل عارض يمكن التغلب عليه إذا جمعت بين الأخذ بالأسباب العملية والاستعانة بالله، متمثلًا في قول الله عز وجل: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الرعد: 11]، وقول النبي ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" [رواه مسلم].

نسأل الله العظيم أن يصلح قلبك، ويطهّر نفسك، ويعينك على ترك ما يضرّك، وأن يرزقك لذة الطاعة، وثبات العزيمة، وحسن التوفيق في الدنيا والآخرة.

www.islamweb.net